لماذا لا يتحدث المصريون الحاليون لغة القدماء؟ إجابة هذا السؤال ربما تكون مفاجأة للبعض فباختصار شديد نحن نتحدث لغة القدماء بشكل كبير فى العامية المصرية، بينما لا تزال لغة القدماء نفسها حية ومتداولة داخل مصر نفسها!! كيف حدث ذلك ولماذا لم يسمع الكثيرون بتلك المعلومة؟
ما هي لغة المصريين القدماء؟
لمصر مجد عظيم تليد ضارب في القدم بجذور ضاربة فى عمق التاريخ منذ آلاف السنين وامتدت لآلاف السنين. مصريون – هم – استقروا في ربوع وادي النيل في أرض طيبة لم تبخل بخيرها عليهم، فضمن كل منهم رزقه ونال سلامًا نفسيًا مكنه من التأمل فالتدبر فالابتكار فالانجاز. تركوا لنا الكثير ولا زلنا حتى يومنا هذا نجد وسنجد الكثير والكثير مما تركوه.
اسم مصر قديمًا
كان المصرى القديم يطلق على بلاده العديد من الأسماء أشهرها “كمت” وهى كلمة معناها ” الأرض السمراء “الخصبة – الزراعية”، وكان الشعب المصرى القديم يطلق على نفسه “رمث إن كمت” وتعنى حرفيًا: ناس كمت، “رمثت ان با تا” ناس الأرضين – شمال وجنوب – أو “كمتيو” وتعنى: الكمتيين.
كان للمصريين القدماء لسان خاص بهم ولغة تسمى “مدو نتر” أي (كلام الإله)، وأطلقوا عليها أيضًا “را إن كمت” أيّ لسان كمت، وكما نكتب اللغة العربية الآن بخطوط مثل الرقعة والنسخ والكوفي… إلخ، لغرض التبسيط وتسهيل المعاملات فنحن نكرر ما فعله القدماء حين كتبوا لغتهم “مدو نتر” بخطوط متعددة وهي: الهيروغليفية، الهيراطيقية، الديموطيقية.
ماذا تعني الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية؟
- الخط الهيروغليفي: مصطلح يونانىيمن مقطعين “هيروس – جلوفوس” ومعناه “الكتابة المقدسة” لأنها تتواجد بكثرة على جدران المعابد والأماكن المقدسة.
- الخط الهيراطيقي: “هيراتيكوس” يعنى الخط الكهنوتي، أطلق الإغريق هذه التسمية على ذلك الخط لأنهم رأوا أنه مستخدم بكثرة من قبل الكهنة في برديات العصور المتأخرة، والخط الهيراطيقي هو تبسيط للخط الهيروغليفي.
- الخط الديموطيقي: ويعنى الشعبي، اعتقد الإغريق أنه الخط الشعبى للعامة إلا أن هذا غير دقيق إذ أنه كان يستخدم فى الحياة اليومية مثل خط الرقعة في اللغة العربية حاليًا.
الخلاصة: لغة المصريين القدماء هي “مدو نتر”، أما الهيروغليفية، والهيراطيقية، والديموطيقية، فهي خطوط كتابية لنفس اللغة وليست لغات مستقلة، والغرض منها التبسيط فما ينقش على جدران المعابد يكون بالخط الهيروغليفي المغرق فى التفاصيل والتى تستغرق رموزها الكاملة وقتا طويلا فى الكتابة، أما ما يستخدمه كاتب يشرف على شونة غلال- على سبيل المثال- فلن يسعفه الوقت لكتابة الهيروغليفية فيستخدم الخطوط الأخرى.
ظهور المرحلة القبطية والخط القبطى
اللغة المصرية القديمة مثل أى لغة تمر بمراحل وتتطور بمرور السنوات، والعقود حتى كانت آخر مراحلها المرحلة القبطية، والخط القبطي، ولهذه المرحلة والخط حكاية.
تتلخص هذه الحكاية في وقوع مصر في قبضة الإسكندر الأكبر ومن ثمّ حكمها من قبل البطالمة وهم الملوك الذين خلفوا الإسكندر الأكبر على عرش مصر ومع ظهور الإلياذة والأوديسة في حوالى القرن التاسع الميلادي ظهر اسم جديد لكمت وهو أيجوبتس كجزء من الثقافة اليونانية الرومانية، وكجزء من محاولة أغرقة مصر تحول اسمها إلى “ايجوبتس” مع محاولات فرض اللغة اليونانية أيضا، ظهر في مصر الخط القبطي.
وهو خط ابتكره المصريون القدماء لكي لا يفقدوا لغتهم، حيث كتبوا لغتهم “مدو نتر” بحروف يونانية، وأضافوا لها 7 علامات من الخط الديموطيقي، وظل المنطوق كما هو ويعتبر القبطي هو المرحلة الأخيرة لـ اللغة المصرية القديمة.
ما معنى كلمة قبطي؟
كلمة قبطى مشتقة من كلمة أيجوبتي اليونانية وتعني “المواطن المصري” تحولت في العربية إلى قبطي ليصبح معنى كلمة قبطي: مصري، والخط القبطي: الخط المصري.
مع ظهور القبطية وشيوع استخدامها وبمرور مئات السنين انزوت الخطوط الأخرى وأصبحت أقل شيوعًا، ومع دخول المسيحية مصر تبنت الخط القبطى حيث أنه وببساطة قام المصريون الذين دخلوا إلى المسيحية بتمصير نصوص دينهم الجديد.
فكتبت النصوص بالخط القبطى وأنشدت الترانيم بمنطوق هذا الخط وهو “مدو نتر” مع الأخذ فى الاعتبار تطور لغة المصريين القدماء بمرور آلاف السنين وظهور لهجات مختلفة أيضا في القبطية نفسها مثل البحيري والصعيدي، وهو ما يمكن أن نلخصه في صورة بسيطة لنشبهه بالعامية المصرية منذ 100 عام والآن.
وملاحظة اختلاف اللهجات والتعبيرات اللغوية حتى بين محافظة والأخرى، هناك الكثير من الإضافات وحتى الألفاظ التى اختفت تماما فما بالك بآلاف السنين وتأثيرها على اللغة، واستمر ذلك الوضع مع إضافة نسب أمية مرعبة بين المصريين في العصر الروماني، حتى كان التغيير القادم مع الفتح الإسلامي لمصر.
كيف بدأ المصريون التكلم باللغة العربية؟
مع دخول العرب المسلمين تغير الوضع بشكل آخر، فالدين الإسلامى مقترن باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، والعربية عنصر أساسى غير الكثير من الأشياء. فكما أتى الإغريق باسم أيجوبتس من ثقافتهم ليطلقوه على بلادنا، أتى العرب باسم مصر من ثقافتهم ليطلقوه على بلادنا كما عرفوه لفترات طويلة من الزمن.
أما النقطة الأهم انتشار الإسلام في مصر، الذي جعل اللغة العربية أحد اللغات المتداولة، ومع تعريب الدواوين أصبحت لغة المعاملات الرسمية، ما أنهى بالكامل استخدام الخطوط القديمة (هيروغليفية، هيراطيقية، ديموطيقية)، بينما بقي الخط القبطي بمنطوقه المصري القديم في كنائس مصر التي احتفظت بترانيمها ونصوصها بلغة مصر القديمة.
مع فقدان المصريين القدرة على قراءة الخطوط المصرية القديمة بخلاف القبطية أصبحت نقوش المعابد ونصوص البرديات لغزًا مستعصيًا، بل طلاسم في بعض الأحيان تؤدى إلى كنوز، مثلما اعتقد بعض العرب وحتى المصريين مع تحدثهم بالعربية.
وعلى الرغم من تدوين الحضارة اليونانية الرومانية لتاريخ مصر وكتابات مؤرخيها، إلا أن الوضع فى مصر كان مختلفًا فلم يجد ذلك التدوين مردودًا كبيرا، ولم يسع أحد لحفظ أو استرجاع تاريخ القدماء فانزوى هو الآخر وبقيت بعض الأساطير تتداول على أرض مصر وحتى خارجها عن سكان مصر القدامى.