من منا لا يعرف الملكة حتشبسوت ومعبدها الشهير في الدير البحري؟
حتشبسوت بلا منازع هي واحدة من الشخصيات التي أثرت في الوجدان المصري سواء قديماً أو حديثاً ففي العصور المصرية القديمة توقف التاريخ عندها كثيرا، وفى العصر الحديث تغنت لها فرقة رضا من فيلم غرام في الكرنك.
من هي الملكة حتشبسوت؟
حتشبسوت والتي يعنى اسمها باللغة المصرية القديمة المقدمة على النبيلات، (أنبل النبيلات) هي الابنة الكبرى للملك المحارب القوى تحتمس الأول والذى كان له بالغ الأثر في تنشئتها وتكوينها وحتى ما قامت به لاحقاً، أنجب تحتمس الأول حتشبسوت من زوجته الريسية الملكة أحمس.
اقرأ أيضًا: رمسيس الثاني ابن الشرقية ذو الشعر الأحمر الذى أنجب أكثر من 150 ابنا
نشأت حتشبسوت في قصر أبيها كفتاته المدللة التي لم يبخل عليها بأي شيء لتنشأ كواحدة من أهم شخصيات قصر أبيها، ومع تقدمه في العمر وعدم إنجابه لأبناء ذكور ظنت حتشبسوت انها ستكون وريثة أبيها لتصبح ملكة حاكمة متوجة على عرش مصر، وهو ما ذكرته حتشبسوت لاحقاً على جدران معبد الدير البحري حيث زعمت أن أباها هو من اختار لها أن تكون ملكة.
تغيير في الخطط
ذهبت آمال حتشبسوت أدراج الرياح مع إنجاب تحتمس الأول لأول أبناؤه الذكور والذى يعنى أنه سيكون وريث عرش مصر القادم وقد أطلق على هذا الأمير اسم تحتمس أيضا وستعرفه كتب التاريخ باسم تحتمس الثانى، وسيلاقى تحتمس الأول ربه بعدما أنجب أربعة من الأبناء كان من بينهم تحتمس الثانى وحتشبسوت.
بوفاة تحتمس الأول كان تتويج الأمير تحتمس الثانى مقترنا بزواجه من أخته غير الشقيقة حتشبسوت حتمياً وذلك للحفاظ على خط الدم الملكي على العرش، وقد أثمر زواجهما عن ابنة حملت اسم نفرو رع وكانت الابنة الوحيدة للمكة حتشبسوت، وبعد فترة قصيرة على العرش يتوفى تحتمس الثانى تاركاً حتشبسوت ونفرو رع وصبى صغير أنجبه من زوجة ثانوية يدعى تحتمس هو الآخر ستعرفه كتب التاريخ باسم تحتمس الثالث.
مع وفاة الملك نصت التقاليد المصرية العتيدة ان تتولى حتشبسوت وصاية عرش الأمير الصغير تحتمس الثالث حتى يشتد عوده ويستطيع السيطرة على مقاليد الحكم.
حتشبسوت تعلن نفسها ملكة.
على ما يبدو لم ترضى حتشبسوت بذلك الدور الذى لا يتناسب مع طموحاتها فنجدها اتجهت اتجاهات فاعلة بداخل الحكومة المصرية للسيطرة على مقاليد الحكم، فاستعانت بموظفين من الثقات كان على رأسهم شخص من أصول متواضعة يدعى سننموت بزغ نجمه في عصر حتشبسوت, وقد تولى سننموت هذا مهمة تعليم وتنشئة ابنتها الأميرة نفرو رع، كما أنه كان يعد الساعد الأيمن للملكة.
وذهب البعض إلى وجود علاقة حب جمعت بين حتشبسوت وسننموت هذا، إلا أن هذه التكهنات تفتقد لدليل حاسم.
على ما يبدو وبحلول العام السابع من وفاة زوجها أعلنت حتشبسوت نفسها ملكة مطلقة على البلاد وليست مجرد وصية على العرش، وظهرت في المناظر والمراسم ترتدى الزى الملكي الكامل والذى كان حصرياً على الملوك الذكور وهو ما سبب في صورة ذهنية خاطئة عن حتشبسوت وهى انها تشبهت بالرجال.
الموضوع بكل بساطة أن الملك المصري لم يكن مجرد حاكم وإنما كيان يربط بين الأرض والسماء وله قدسية دينية بالغة الأهمية حيث أن من مهامه هو تحقيق التوازن الكوني بما فيه من عدل ورحمة على الأرض وذلك يتطلب طقوساً معينة وتلك الطقوس تتطلب ارتداء الأزياء وأداء المراسم بشكل معين لم تؤديه النساء من قبل، فما فعلته حتشبسوت بكل بساطة أنها تقمصت هيئة وطقوس وأزياء الملكية المصرية على الرغم من كونها أنثى.
معبد الدير البحري
حقيقة الأمر أن كثير من نصوص حتشبسوت المصاحبة لمناظرها في الهيئات الملكة وصفتها بصيغة الخطاب للأنثى وليس الذكر، الأمر كان يتعلق أكثر بالعادات والتقاليد التي تحتم على الملوك ارتداء أزياء معينة في طقوس معينة وهو ما فعلته حتشبسوت لإثبات شرعيتها في اعتلاء العرش.
كانت حتشبسوت مؤمنة بقدراتها وفى أحقيتها بتولي العشر خلفاً لأبيها، إلا أن ما تركته من آثار يوحى بعاناتها في إقناع الآخرين وحتى الشعب بهذا الاستحقاق، حيث كانت أكبر مهام سننموت في عصر حتشبسوت هو تشييد معبد الدير البحري وهو معبد تخليد الذكرى للملكة وعلى جدرانه صورت حتشبسوت ظروف ولادتها بانها إلهية.
زعمت حتشبسوت أنها أتت من بذرة الإله آمون سيد آلهة مصر القديمة فيما عرف باسم مناظر الولادة الإلهية وذلك لإضفاء بعد ديني على توليها العرش، كما انها قامت بإرساله بعثة استكشافية لبلاد بونت (لربما الصومال حالياً) وهى الرحلة التي لم تقم بها مصر لما يقارب من ألف عام قبل حتشبسوت.
وحرصت حتشبسوت على إبراز أهمية حملة بونت فصورت مراحلها بالتفصيل على جدران معبد الدير البحرى.
الأمير الصغير تحتمس الثالث
من الآثار المهمة التي تعود لعصر الملكة حتشبسوت هو ما يسمى بالمقصورة الحمراء بمبعد الكرنك, وفى هذه المقصورة ظهرت حتشبسوت بجوار الأمير الصغير تحتمس الثالث جنباً إلى جنب وكلاهما يرتدى الزى الملكي والتيجان، بل ان إسميهما قد وضعا بداخل خراطيش وهو ما يشير إلى فترة حكم مشتركة بينهما وليس انفراد كامل من حتشبسوت بالسلطة.
فى عصر حتشبسوت اتجه الأمير الصغير تحتمس الثالث إلى سلك الجندية وانخرط فيه حتى أصبح أقوى جنرالات الجيش المصري وهو فى سن صغيرة، وبعد 21 عام من الرخاء حكمت فيهم حتشبسوت مصر سترحل عن دنيانا ليتولى الأمير تحتمس الثالث عرش البلاد.
ما يهمنا في فترة تحتمس الثالث بخصوص حتشبسوت، أنه مع أواخر حكمه كان المسيطر على الأمور بشكل كبير هو ابنه الأمير أمنحتب الثانى والذى قام في نهاية حكم أبيه بحملة موسعة لطمس آثار حتشبسوت لمنع عدم تكرار ما حدث من قطع الخط الملكي وتولى امرأة للحكم وهو ما كان يتنافى مع التقاليد المصرية، كما أنه منع بزوغ نجم أي امرأة في القصر الملكي تفادياً لظهور حتشبسوت مستقبلية.