رمسيس الثاني هو أشهر ملوك مصر القديمة على الإطلاق وكان مصدر إلهام لكل الملوك الذين حكموا من بعده ومن ثم مصدر إلهام لعلماء وكتاب وشعراء في العصر الحديث. فلماذا حظى بهذه المكانة قديما وحديثا؟

تمثال الملك "رمسيس الثانى" بمدخل المتحف المصرى الكبير.
تمثال الملك رمسيس الثاني في مدخل المتحف المصري الكبير

نشأة رمسيس الثاني

ولد رمسيس الثاني لعائلة من ضباط الجيش المصري ترجع أصولها إلى محافظة الشرقية وتحديدا بالقرب من “قنتير” حاليا، وظهر دور أسرته مع تولى جده الملك رمسيس الأول لمنصب الوزير فى عصر الملك حور محب، ومن ثمّ أصبح نائب الملك وولي عهده عندما لم ينجب “حور محب ” أي أبناء ذكور، وبالفعل تولى رمسيس الأول عرش مصر بعد حور محب، وورث رمسيس الأول جميع مناصبه لابنه الأكبر سيتي الأول الذي كان ضابطا في الجيش المصرى وتدرج في المناصب مثل أبيه حتى أصبح هو وزير أبوه ونائبه.

مكث رمسيس الأول على عرش البلاد لفترة أقل من سنتين وتوفى بعدها ليتولى سيتي الأول مقاليد الحكم, وكان له ولد وحيد أطلق عليه رمسيس تيمنا بجده هذا الطفل سيصبح هو الملك رمسيس الثاني بعد ذلك.

طفولة وشباب رمسيس

كانت المنطقة التى جاءت منها عائلة الملك رمسيس الثاني في الدلتا يسيطر عليها الإله المصري القديم “ست” والذي يعرف خطأً بأنه إله الشر في مصر القديمة، ولكنه كان تمثيل لقوى الفوضى وإله الأراضى الأجنبية في مصر القديمة، وكان الإله “ست” في مصر القديمة يوصف بأنه ذو شعر أحمر، ويرجح العلماء أن “سيتي” (معنى اسمه المنتسب للإله ست)، وتم إطلاق هذا الاسم عليه لأنه كان ذو شعر أحمر، على الرغم من أننا لا نستطيع التأكد من صحة المعلومة.

رمسيس الثانى فى طفولته مع ابوه الملك سيتى الأول.
رمسيس الثاني في طفولته مع أبوه الملك سيتي الأول

مع رحلة مومياء رمسيس العلاجية إلى باريس عام 1976 كانت أغرب النتائج التي أعلنها فريق البحث أنه الملك كان على الأرجح أبيض البشرة بينما جذور شعره التى غزاها الشيب تحمل بقايا من لون شعره الأصلى والذى كان غالبا أحمر، هذا الاكتشاف صنفته عالمة المصريات الفرنسية كريستيان نوبلكور، كدليل على تباين ألوان وأشكال المصريين وعدم إقتصارهم على لون بشرة واحد وهو ما لا يزال موجودا على أرض مصر حتى الآن.

وكانت تلك عائلة رمسيس شديدة التدين تعظم وتبجل جميع الآلهة المصرية وتشيد لها المعابد والمقاصير فى كل مكان. وولد رمسيس الصغير في عصر جده رمسيس الأول وبعد توليه الحكم أصبح طفلا ملكيا وتم تربيته منذ نعومة أظافره لتأهيله ليكون ملك مصر فى يوم من الأيام.

ومع تتويج أبوه سيتى الأول أصبح رمسيس ولى العهد، وتذكر لنا النصوص أنه حصل على لقب شرفي وهو “القائد العام الأعلى للجيش” وهو لا يزال في سن العاشرة، وتم تتويجه في عصر أبيه وهو فى عمر 14 أو 15 عاما، وبعدها شارك أباه في المعارك الحربية وأشرف على إنشاءات المعابد ومشاريع أبيه في جميع أنحاء مصر.

 رمسيس ملكا

مع تولي رمسيس الحكم كان عمره وقتها حوالي 25 عاما ووصل عدد أبناؤه وقتها إلى 10 أولاد وبنات على الأقل، وكانت أول 5 سنوات في حكمه جيدة تماما إذ دعم فيها أركان دولته ونظم شؤون الإدارة في مصر، ومع حلول العام الرابع قرر رمسيس خوض الحرب ضد الحيثيين الذين كانوا القوى العظمى في العالم مع مصر فى ذلك الوقت.

رمسيس الثاني متوجا بين الإله آمون والإلهة موت
رمسيس الثاني متوجا بين الإله آمون والإلهة موت

يرجع صراع مصر مع الحيثيين إلى زمن بعيد بدأ صراحة مع وفاة الملك توت عنخ آمون، وكانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على مصر تحولت فيها من إمبراطورية تسيطر على آسيا إلى دولة مهددة فقدت كل ممتلكاتها ومستعمراتها في آسيا، وذلك مع ظهور نجم إمبراطورية الحيثيين التي لم تدخر جهدا في فرض سيطرتها على آسيا وبالتالي تهديد مصر نفسها.

وخاص الملوك بداية من عصر حور محب، ومن بعده رمسيس الأول وابنه سيتي الأول، صراعات مع الحيثيين أثبتوا فيها أن مصر ليست خصم سهل وأنها في طريقها لاستعادة قواها مرة أخرى، ولكن رمسيس الثاني كان يرى أن صراعه مع الحيثيين هو صراع إعادة سيطرة مصر على آسيا بالكامل مثلما كانت في عصر الإمبراطورية المصرية في الماضي.

معركة قادش

فى العام الخامس من حكم الملك رمسيس الثاني خرج الجيش المصري متوجها إلى قادش (في سوريا) ليقابل جيش الحيثيين بقيادة الملك “موتالي الثانى” الذي حشد قوى ضاربة لمواجهة مصر في ذلك الوقت، وقسم رمسيس، الجيش المصري إلى 4 فرق رئيسية، هي: آمون، رع، بتاح، ست، وكان على رأس فرقة آمون التى قابلت اثنان من البدو في الطريق أخبرا رمسيس أنهم حلفاء لملك الحيثيين “موتالي” ولكنهم سيدينون بالولاء هم وقبائلهم لمصر , ولما سألهم “رمسيس” عن مكان جيش الحيثيين فأجابوه أنه بالقرب من “حلب”، مما يعنى أنه بعيد جدا.

لوحة تخيلية لاول لحظات إشتباك الجيش المصرى والحيثى فى معركة قادش.
لوحة تخيلية لأول لحظات اشتباك الجيش المصرى والحيثيين في معركة قادش

مع سماع تلك المعلومة توجه “رمسيس” بفرقة آمون إلى “قادش” التي كان يأمل أن يأسرها بكل سهولة وسرعة مع بعد المسافة بينه وبين جيش الحيثيين، وبالفعل وصلت فرقة آمون إلى هناك ونصبت المعسكر في انتظار وصول بقية فرق الجيش (رع وبتاح وست) بعد ذلك قبضت فرق الاستطلاع بالجيش المصرى على اثنين من جواسيس الحيثيين بالقرب من المعسكر.

واعترف الجاسوسان بأن البدويين اللذين قابلهما الجيش المصري من قبل كاذبان، وأن جيش الحيثيين مختبئ خلف قلعة قادش يفصله عن جيش رمسيس مسافة قليلة جدا.

وبينما الجيش المصرى يستعد للمعركة فإذا بالحيثيين يهجمون مع وصول فرقة “رع” إلى المعسكر لتقسمها قوات الحيثيين وتشتت شملها ثم تتوجه لموقع المعسكر للهجوم عليه.

كان الوضع فى غاية الخطورة يعرض حياة رمسيس الثاني نفسه للخطر، والذي حاول مع بقية قواته صد هجوم الحيثيين في محاولة يائسة وبالفعل صمد مع بقية قواته لوقت قصير حتى وصل له المدد من قوات تابعة للجيش المصري كانت متمركزة بالقرب من “أمورو”, مع وصول تلك القوات بدأت الكفة تميل لصالح الجيش المصري الذي استطاع دحر قوات الحيثيين وإجبارهم على التراجع إلى قلعة قادش التي احتموا بها لتنتهي المعركة بانتصار الجيش المصري.

معاهدة السلام

النسخة الحيثية من معاهدة السلام والموجودة حاليا بمتحف إسطنبول
النسخة الحيثية من معاهدة السلام والموجودة حاليا بمتحف إسطنبول

بعد مرور ما يزيد على 15 عاما من الصراع المصري الحيثي الذي انتهى أغلب فصوله بالتعادل بين البلدين بدأت مفاوضات مكثفة بين البلدين، انتهت بأول معاهدة سلام موثقة في التاريخ والتي وقعها رمسيس الثاني وملك جديد للحيثيين هو “خاتوسيل الثالث”، واشتملت المعاهدة على: دفاع مشترك بين البلدين، أوضاع اللاجئين السياسيين، شروط التحالف بين البلدين، ودونت مصر نصوص المعاهدة على العديد من آثارها وكذلك الحيثيين، وتم توثيق هذه المعاهدة بزواج رمسيس من ابنة إمبراطور الحيثيين تبعها زواج آخر من أختها، لينتهي الصراع بتحالف قوي بين البلدين.

رمسيس وأولاده

أنجب رمسيس الثاني العديد من الأبناء والبنات تجاوز عددهم المائة، وعرفنا الكثير منهم عن طريق نصوص عصر رمسيس بالإضافة إلى أنه من الملوك القلائل الذين صوروا أبنائهم على الجداريات في المعابد، وكان أشهر أولاده “آمون حر خبش إف” ولى عهده، والأمير “خع إم واست” الذي اشتهر بترميم الآثار في عصر والده، بينما كبرى بناته كانت الأميرة “بنت عنات” والأميرة “ميريت آمون” صاحبة أكبر تمثال لامرأة في مصر والموجود بمدينة أخميم، أما أشهر أبناؤه فكان ترتيبه الثالث عشر وهو الأمير “مرنبتاح” الذى تم تتويجه خلفاً لأبيه بعد وفاته عن عمر يناهز 90 عاما.

الأميرة ميريت آمون أشهر بنات رمسيس الثاني
الأميرة ميريت آمون أشهر بنات رمسيس الثاني