قامت الحضارة المصرية القديمة على ضفاف النيل كأحد أشهر الحضارات التي قامت على الزراعة في تاريخ الإنسان, ونظراً للارتباط الوثيق ما بين حضارة مصر وفيضان النيل ومواسم الزراعة والحصاد كان من الطبيعي أن يكون لمصر تقويماً خاصاً بها يعكس تلك الأهمية.

التقويم القمري المصري القديم

كان للمصريين القدماء العديد من نظم التقاويم التي عملوا بها لتمييز حالة مضى ومرور الزمن, وقد استخدموا ثلاثة طرق أساسية لذلك التقسيم وهى التقويم القمري, التقويم الشمسي, التقويم المدني, ومثلما يحدث الآن ( أو بمعنى أدق العكس صحيح) فقد قسموا السنة الشمسية إلى إثنى عشر شراً كل شهر منها ثلاثون يوماً ثم ثلاثة أسابيع كل منها عشرة أيام تسعة أيام عمل ويوم للراحة، كما قاموا بتقسيم الوقت إلى 24 ساعة اثنتى عشر ساعة منها لليل ومثلها للنهار.

أشهر التقويمات المصرية التي عرفت على مدار التاريخ هو التقويم المدني الذى يبدأ فيه العام بظهور نجم “ألفا الكلب الأكبر” أو سيريس (الشعرى اليمانية) وهو التقويم الأشهر والمعروف عن الحضارة المصرية ولكن الأدلة الأثرية تشير لمعرفة المصريين القدماء التقويم القمري واستخدامه منذ عصور مبكرة هو الآخر.

الإلهة سودبت والتى تمثل نجم الشعرى اليمانية.
الإلهة سودبت والتى تمثل نجم الشعرى اليمانية.

مع مرور الوقت لاحظ المصريون القدماء أن للقمر مراحل ثابتة تبلغ دورتها تسعة وعشرون يوماً ونصف تقريبا, كذلك نجم الشعرى اليمانية يظهر تقريباً في موعد ثابت كل عام والذى كان يظهر في أواخر شهر يونيو فى حوالى 3000 ق.م, ومع الفيضان الذى يعقب ظهور النجم كان هذا مؤشر بداية الإحتفال بالعام الجديد، ومشكلة هذا النظام أن التواريخ لا تتطابق دوماً من حيث وقت حدوثها سنويا وبالتالى فإن بداية العام تختلف قليلاً بين السنة والأخرى.

 

تقسيم فصول السنة والشهور

قسم المصريون القدماء العام إلى ثلاث فصول رئيسية

فصل “آخت” وهو فصل الفيضان ويبدأ بظهور نجم الشعرى اليمانية ( يمتد من سبتمبر إلى يناير) وهو الوقت الذى تبدأ فيه المياه الآتية من المرتفعات الأثيوبية فى إرتفاع مستويات النيل, وقد عبر المصريون القدماء عن فيضان النيل بأنه دموع الإلهة إيزيس حزناً على زوجها المقتول غدراً “أوزير, أو أوزوريس” كما نعرفه اليوم, والذى قتل غدراً على يد أخيه “ست”, وقد إستمر فصل آخت إلى اربعة أقمار (أربعة شهور).

فصل “برت” , الشتاء أو الإنبات (يمتد من يناير إلى مايو), وهو موسم حرث الأرض وزراعة المحاصيل وإنباتها والذى ينتهى بعد اربعة أشهر هو الآخر ببداية فصل الحصاد.

فصل “شمو” الصيف أو الحصاد (يمتد من مايو إلى سبتمبر), وهو فصل مهم ارتبط باحتفالات مصرية قديمة للإلهة “رننوتت” إلهة الحصاد والأراضى الصالحة للزراعة وقد كان الاحتفال بالحصاد يتم بشكل كرنفالي مثل الفيضان في مصر القديمة.

أما بالنسبة للشهور فقد قسم المصريون القدماء كل فصل إلى اربعة شهور, وكل شهر إلى ثلاثة اسابيع وكل اسبوع إلى عشرة أيام (منها يوم للراحة) ليصبح المجموع هو 360 يوم للسنة المصرية, وقد أضافوا لها خمسة أيام في نهاية العام تسمى أيام النسىء وجعلوها أيام إحتفالات ليصبح المجموع 365 يوم بالسنة.

 

التقويم المدنى

كان إستخدام التقويم القمرى يعود لعصور مبكرة ولكن نظراً لعدم ثابت الإعتماد على القمر وهو ما نواجهه حالياً فى التقويم العربى الذى تتغير فيه الفصول من سنة للأخرى, فقد تطورت معرفة المصريون القدماء للدورات الفلكية وكذلك الموعد الشبه ثابت لظهور نجم الشعرى اليمانية فقد انشأ المصريون تقويما آخر وهو التقويم المدنى، وبما أن ذلك التقويم لم يتبع دورات القمر والأحداث الفلكية فقد كان شبه مثالى للتعبير عن مرور الزمن فى مصر القديمة, فخرج التقويم المدنى مكوناً من اثنى عشر شهر كل شهر منها ثلاثون يوماً, ولأن السنة الفلكية تمثل 365.25 يوم فقد أضيف لكل سنة خمسة أيام فى نهايتها سميت بأيام النسى.

 

أيام النسىء: أعياد ميلاد الآلهة

مع نهاية العام وفى أيام النسىء الخمس التى يستقيم بها تقويم كل عام جعل المصريون القدماء هذه الأيام عيد ميلاد لآلهة مهمة فى العقيدة المصرية القديمة, وقد أطلق المصري القديم على تلك الأيام “حريو رنبت” الذين على رأس السنة أو الخمسة على رأس السنة فى إشارة للأيام الخمس.

وقد كانت تلك الأيام هى عيد ميلاد الآلهة , أوزير , حورس, ست, إيزيس, وأخيرا نفتيس الذى ينتهى به العام ويكون أكثر الأيام إحتفالاً على الإطلاق.

العام المتجول

لم يكن لدى المصريين القدماء وسيلة لتعويض كل يوم إضافى مفقود فى ربع السنة مما جعل التقويم المدنى والشمسى غير متزامنين كل عام, وهى العملية التى سميت بالعام المتجول ولحل هذه المشكلة تم إضافة يوم إضافى لأيام النسىء كل اربعة سنوات فى العصر البطلمى لضمان تزامن التقويم المدنى والشمسى.

 

الفرق بين التقويم القمرى والمدنى

يرجع تأسيس التقويم القمرى لعصور ما قبل الأسرات فى مصر القديمة على الأرجح وقد إستمر إستخدامه طوال العصور المصرية القديمة لتتبع الإحتفالات الدينية, وفى عصور مبكرة من الدولة القديمة إخترع المصريون التقويم المدنى والذى إستخدموه أيضاً طوال العصور المصرية للمسائل الإدارية والتنظيمية وهو ما لا يزال مستخدماً حتى اليوم.

 

كيف قاس المصريون القدماء مرور السنين؟

لم يستخدم المصريون القدماء تعبير مرور السنين كما نفعل الآن, وإنما كانت طريقة حساب السنين تقاس بتعاقب الملوك على حكم مصر فمع وفاة كل ملك يتم إعادة العد السنوى لتبدأ فترة جديدة, فتكون السنة الأولى هى سنة جلوس الملك الجديد على العرش ويتنتهى تلك الطريقة فى العد مع وفاته لتبدأ دورة جديدة مع ملك جديد, فعلى سبيل المثال نجد أن الوثائق الرسمية التى تؤرخ السنين فى مصر القديمة تكون على النحو التالى: السنة الفلكية للملك الجالس على العرش, الموسم, الشهر, اليوم من الشهر ( مثال : السنة 15 الشهر الثالث من موسم الفيضان اليوم 19) وهكذا.

 

كيف قاس المصريون القدماء مرور الوقت؟

كما ذكرناً سابقاً فقد قسم المصريون القدماء اليوم إلى 24 ساعة 12 لليل ومثلهم للنهار, وكان لهم العديد من الطرق لإحتساب الوقت إختلفت باختلاف أوقات اليوم,فنهاراً إعتمدوا على الشمس وليلاً النجوم وقد عرفوا الساعات واستخدموها بل كانوا أول الشعوب التى إستخدمت الساعات ولكن هذه المعلومة ذهبت طى النسيان نظراً لما كتبه المؤرخ اليونانى هيرودوت عندما نسبها عن خطأ للبابليين.

تعددت أشكال الساعات فى مصر القديمة ما بين ساعات الظل والمائية والشمسية وكذلك الآداة المصرية الشهيرة “مرخت”.

الساعة المائية المصرية القديمة.
الساعة المائية المصرية القديمة.

كانت طريقة حساب الوقت نهاراً فى مصر القديمة غاية فى البساطة فإذا لاحظت طول واتجاه ظل  عصا موضوعة بشكل رأسى, ومن ثم تطورت تلك الطريقة فى معرفة الوقت إلى الساعة الشمسية  والتى كانت عبارة عن قاعدة مسطحة يعرف الوقت منها عن طريق ثقب يحمل قطعة خشبية يتحرك ظلها بين تلك الاجزاء وكانت مشكلة إستخدام تلك الوسائل هى أنها صالحة للإستخدام نهاراً فقط, لذلك كانت هناك طريقة أخرى لحساب الوقت ليلاً.

ظهرت الساعة المائية لحساب الوقت ليلاص فى مصر القديمة وهى قائمة على فكرة تقطير المياه بمعدل ثابت من وعاء محدد بإثنى عشر علامة تمثل الساعات وبينما المياه تتقطر من الوعاء يتغير منسوب المياه طبقاً للعلامات التى تعبر عن الساعات.

آداة مرخت

وهى أحد أشهر الادوات الهندسية المصرية القديمة التى إستخدموها فى أغراض شتى وكانت اساسية لدى كل بناء ومهندس وقد كان من إستخداماتها إحتساب الوقت ليلاً فى مصر القديممة بتتبع بعض النجوم.

آداة المرخت.
آداة المرخت.

لذلك فإن حتى معرفة المصريون القدماء بطريقة حساب الزمن وساعات اليوم قد مرت بمراحل عدة صقلت خبراتهم وملاحاظاتهم حتى وصلوا لأكمل شكل ممكن لمعرفة أدق التفاصييل لحساب الزمن.

 

الشهور المصرية القديمة: موروث من الجد إلى الحفيد

تعد الشهور المصرية هى الموروث الأبرز الذى تركه المصريون القدماء فى حياتنا المعاصرة، وأنا هنا أقصد الشهور التى يعرفها ولا يزال يستخدمها المزارعون فى جميع أنحاء مصر.

فالمزارعون فى مصر حالياً تعد معرفة الشهور العربية أو حتى الشهور الميلادية ثانوية, بينما الشهور المصرية القديمة هى الأساس لأنهم يعتمدون عليها فى أشغالهم كما فعل القدماء منذ آلاف السنين.

وتنقسم السنة المصرية إلى الشهور التالية:

توت, تحوت, تخى: وهذا الشهر نسبة إلى الإله “جحوتى أو تحوت” رب القلم والمعرفة فى مصر القديمة.

بابة, منحت, تا إن ابت: وهو نسبة إلى عيد أوبت وهو عيد إنتقال الإله آمون من معبده فى الكرنك إلى معبده فى الأقصر.

هاتور, حوت حر: نسبة إلى الإلهة حتحور إلهة الجمال والعطاء والحب والموسيقى وأحد الامهات الكونية.

كيهك, كياك, كا حر كا: مشتق من التعبير المصرى القديم قرين مع قرين.

طوبة. تا آبت, سف بدت: وهو إسم أحد الأعياد المصرية القديمة.

أمشير,رخ ور, مخير: وهو إسم مرتبط بالإله مخر إله العواصف والزوابع.

برمهات, رخ ندس, با إن إمن حتب: وهو نسبة إلى عيد متعلق بالملك المؤله أمنحتب الأول الذى كانت له قدسية كبيرة فى مصر القديمة.

برمودة, رنوت, با إن رننوتت: نسبة إلى الإلهة رننوت إلهة الحصاد.

بشنس, با إن خونسو, خونسو: نسبة إلى الإلهة خونسو إله القمر وإبن الإله آمون فى مصر القديمة.

بؤونة, با إن إنت, حنت حتى: نسبة إلى عيد إنت أو عيد الوادى الذى ينتقل فيه الإله آمون من شرق النيل إلى غربه لزيارة معابده.

أبيب, عبب, إبت حمت: نسبة إلى الإله “عبب أو إبيب

مسره, مسوت رع: نسبة إلى الإله رع وهو تعبير يعنى ميلاد الإله رع وإفتتاحية العام الجديد.