سنوسرت الثالث المحارب الذي أخضع افريقيا وإلفيس بريسلي
سنوسرت الثالث المحارب الذي أخضع افريقيا وإلفيس برسيلي

الملك سنوسرت الثالث هو واحد من أعظم ملوك مصر المحاربين والذين يعدون الآن أبطالاً منسيين في وطنهم مصر، فهو ذلك الملك الذي كرس حياته لحماية وتأمين مصر من أى خطر خارجي وكان شغله الشاغل الأخطار التي تتهددها خاصة من الجنوب وما قام به سنوسرت من عمليات عسكرية في تلك الفترة يندرج تحت بند الأعمال الخارقة للعادة مع صعوبة الموقف في عصره، وقد حظى سنوسرت بمكانة مقدسة في العصور المصرية القديمة بعد وفاته لدرجة وضعه في مصاف الآلهة والأسلاف العظام الذين يرغب كل ملك في أن يحذو حذوهم ويتمنى شعب مصر أن ينعم بىخرة هانئة في معيتهم.

 

من هو الملك سنوسرت الثالث؟

هو خامس ملوك الأسرة الثانية عشر, عصر الدولة الوسطي وأكثرهم عظمة وثراء وقوة وقد أنجبه الملك “سنوسرت الثاني” من زوجته الملكة ” غنمت نفرت حجت الأولي”, إسمه هو: سن وسرت ويعني رجل الإلهة وسرت وإعتلي عرش مصر ملقباً نفسه “خع كاوو رع” ( فلتشرق كاوات الإله رع).

الملك سنوسرت الثالث.
الملك سنوسرت الثالث.

 

سنوسرت والنوبة القديمة

كان الشغل الشاغل لذلك الملك هو تزايد خطر النوبة السودانية علي الحدود المصرية وحتي داخل القطر المصري نفسه، قد تسببوا من الإضرابات والقلاقل داخل مصر وخارجها في عصر والده “سنوسرت الثاني” جعل من المستحيل الصمت تجاه ذلك الوضع، لذلك أعد “سنوسرت” العدة لمواجهة هؤلاء النوبيون في عقر دارهم، وقد تمتع هؤلاء القوم بمزية طبيعية هامة وهى شلالات (جنادل) النيل التي تشكل حاجزاً طبيعياً وحامياً لبلادهم مما صعب من مهمة سنوسرت.

ولكننا نعلم من المصادر المصرية القديمة أن الملوك السابقين في عصر الدولة القديمة قد إستكشفوا بلاد النوبة جنوب مصر (السودان واثيوبيا) منذ عصور قديمة نذكر منها علي سبيل المثال القائد العسكري “وني” الذي لم يكتف بقيادة حملات عسكرية هناك بل أنه قام بشق سلسلة من الترع والقنوات لأغراض تجارية ولكن علي ما يبدو أنها قد تهدمت وإندثرت في عصر “سنوسرت” أو أنها لم تعد ملائمة للغرض الذي أرادها سنوسرت من أجله وهو الحملات العسكرية لذلك نجد أن سنوسرت كانت غايته هي عبور الشلال الأول مما جعله يقوم بتوسيع الممر الموجود حالياً شرق جزيرة “سهيل” في أسوان.

أخبرتنا نقوش جزيرة سهيل بقيام سنوسرت بتعميق ذلك المجري بالفعل بل أننا عرفنا الإسم الذي أطلقه علي تلك القناة من نقش يمثله أمام الإلهة “عنقت ويقول النص

صنعها أثرا للإلهة “عنقت” سيدة النوبة, شق لها قناة تسمي “أجمل طرق خع كاوو رع” فليحيا للأبد

ويرجح ذلك النقش قيام “سنوسرت” بحملة جنوباً في العام الثاني من حكمه إلا أن تفاصيل تلك الحملة ليست متوفرة لدينا ولكننا نعلم أن الوضع كان مستقراً لمدة ست سنوات تالية وهو تاريخ الحملة الثانية التي قادها سنوسرت متجهاً إلى الجنوب.

 

سنوسرت يعيد الكرة

بعد مرور ستة أعوام علي الحملة الأولي نجد نقشاَ أخراً يماثل سابقه في جزيرة سهيل ونجد فيه سنوسرت هذه المرة واقفاً أمام الإلهة ساتت أحد آلهة النوبة الكبار ويروي لنا إعادة توسيع القناة مرة أخري.

أمر جلالته أن تحفر الترعة من جديد, وإسمها ” أجمل طرق خع كاوو رع” فليحيا للأبد، وذلك عندما سار جيشه إلى أعالي النهر ليهزم الكوشيين الخاسئيين ( النوبة السودانية), وطول هذه الترعة مائة وخمسون وعرضها عشرون ذراعاً

وعلي ما يبدو أن سنوسرت قام ببذل جهد جبار هذه المرة لان تلك الترعة ظلت صالحة لاكثر من ثلاثمائة عام بعد وفاته، بل أنه تم إستنان قانون غير مكتوب جعل الصيادين يقومون علي تطهيرها سنوياً من بعده.

قلعة سمنة.
قلعة سمنة.

تقدم الجيش المصري أكثر من ستون كيلومتراً جنوب وادي حلفا حالياً) طمعاً في الوصول إلى (كرمة)، فوصل بالمسير إي منطقة “سمنة” وأقام قلعة هناك كانت من أقوى النقط الحصينة التى أقميت في المنطقة.

 

سنوسرت الفاتح العظيم

أخبرتنا حملة الملك سنوسرت الثانية بمعلومات غاية في الأهمية وهي أنه إستطاع بسط نفوذه علي تلك المنطقة وبشكل كامل، فلم يكتف بتلك الحملة فقط وإنما أقام القلعة لتأمين ما وصلت إليه يداه  و أقام لوحة ضخمة في سمنة ترك عليها نصاً يقول:

الحد الجنوبي الذي وصل إليه جلالة ملك مصر العليا والسفلي ” خع كاوو رع” المعطي الحياة للأبد ليمنع أي زنجي أو أي مجموعة من الزنوج ان يتخطاه سواء كان ذلك براً أو بحراً بسفينة أو بدون سفينة إلا لغرض التجارة في منطقة “إقن” ( منطقة غير معروفة حالياً) أو لآداء مهمة ما, وفي تلك الحالة تعطي لهم كافة التسهيلات, ولا يسمح لأي سفينة من سفن الزنوج أن تتخطي “سمنة” متجهة نحو الشمال أبداً.

وهنا يخبرنا النص وبوضوح أنه لم يكتف ببسط نفوذه علي المنطقة ولكنه وضع حداً لتدفق النوبيون القدامي من الجنوب متجهين لمصر لينهي بذلك أى أعمال عدائية من تلك الجهة وفي نفس الوقت قام بتنظيم الحركات التجارية لضمان التبادل التجاري وتدفق خيرات تلك المنطقة إلي مصر.

وكما جرت العادة فإن الحملات العسكرية خارج مصر كان لا بد من تدعيمها بشكل دوري فنجد أن سنوسرت أعاد الكرة مرة أخري في السنة الثانية عشر من حكمه.

سنوسرت ملك ملوك افريقيا

علي ما يبدو أن الأمر لم يكن مناسباً لتوقعات “سنوسرت” فنجد أنه قام بحملة رابعة علي بلاد “كوش” مرة أخري والتي يبدو أنها أخذت وقتاً أكثر من اللازم لتخضع لسلطانه فبعد مرور أربع سنوات علي الحملة الأخيرة نجد يعيد الكرة مرة أخري ويقيم لوحة الحدود الشهيرة التي أقامها في سمنة ووضع نسخة أخري منها في منطقة قريبة منها تسمي “ورنارتي” والتي إحتوت اللوحة بها علي تفاصيل أكثر من تفاصيل لوحة سمنة فنعرف منها أن إسم ذلك الحصن القديم كان “طرد النوبيين”, وخلاصة القول ومع تواجد نصوص حملات سنوسرت ولوحاته في مناطق متفرقة بالنوبة نجد أن مجموع ما أنشاه هذا الملك من حصون في النوبة كان حوالي 17 حصناً ما بين جبل السلسلة بمحافظة أسوان حالياً وبين الجندل الثاني للنيل وتلك الحصون هي : سمنة جنوب, سمنة غرب, قمة , أورونارتري, شافاك, مرجاسا, دابنارتي, بوهن, سيرا, عنيبة, كوبان, الشلال, الفنتين, السلسلة وكذلك حصنان أخران بين الفنتين وجبل السلسلة.

وقد إنتهت حملات سنوسرت علي النوبة بفرض السيطرة التامة علي تلك المنطقة ودرأ خطرهاً لعقود طويلة من بعده.

 

سنوسرت الصادق قولاً وفعلاً

الملك سنوسرت الثالث.
الملك سنوسرت الثالث.

من الدروس التي أخبرتنا بها فترة حكم ذلك الملك العظيم أنه كان صادقاً في جميع الأشياء التي ذكرها علي آثاره فعندما نجد أنه يذكر قيامه ببناء أثر أو قيامه بحملة عسكرية فنجد ما يدعم ذلك من لقي أثرية, كما أن حملاته ونصوصه تخبرنا عن شخصيته الصارمة وحزمه العسكري وعدم التهاون في مسالة تأمين البلاد، وقد جعل ذلك من “سنوسرت” إلهاً بعد وفاته قدسه المصريون لقرون طويلة من الزمن كما أننا نعلم أن سنوسرت الثالث هو وسنوسرت الأول كان هو المثل الأعلي للملك “تحتمس الثالث” أول إمبراطور في تاريخ مصر والذي إستلهم مجده وشجاعته من عائلة الملك “سنوسرت”.

سيزوستريس

وقد كان دوي إنتصارات في النوبة هو السبب المباشر في تداول الأساطير عنه فقد عاش إسم “سنوسرت” في النوبة لقرون طويلة بعد موته وحرف إلي “سيزوستريس” ومن هنا نشات خرفاة “هيرودوت” الذي ذكر أنه كان الملك الوحيد الذي حكم اثيوبيا وإستطرد في سرد بطولاته وحملاته العسكرية، ومع معرفتنا الحالية التي شككت في جميع روايات هيرودوت إلا أنها علي الأقل في حالة سنوسرت تركت لنا أثراً قديما يحمل سيرة ذلك الملك المحارب العظيم.

 

الهكسوس يدنسون قبر سنوسرت

هرم الملك سنوسرت الثالث في دهشور.
هرم الملك سنوسرت الثالث في دهشور.

للملك سنوسرت الثالث هرماً من الطوب اللبن كان مكسوا بالحجارة يقع في منطقة دهشور ويسمي “الهرم الأسود” وهو الذي إستكشفه عالم الآثار “دى مورجان”, وقد عثر بداخل غرفة الدفن علي “جرافيتي” لم يتكرر طوال الحضارة المصرية القديمة وهو يمثل مجموعة من الأشخاص ذوي سمات آسيوية وقصات شعر غريبة مما حذا ببعض العلماء أن يلقبوا واحداً منهم “الفيس بريسلي” لتشابه الرسم مع صورة ذلك المطرب, وعلي ما يبدو فإن الهكسوس عند إحتلالهم لمصر قاموا بتندنيس وسرقة هرم ذلك الملك كحال المفسدون في الأرض علي مر العصور.

جرافيتي الهكسوس بداخل هرم الملك سنوسرت
جرافيتي الهكسوس بداخل هرم الملك سنوسرت

 

لوحات الحدود الخالدة

أما أجمل الآثار التي تركها ذلك الملك بخلاف تماثيلة وحصونه وإنشائاته في جميع أنجاء مصر هو نص لوحة الحدود الذي يخبرنا عن شخصية ذلك الملك العظيم وتطلعاته وطموحاته.

لوحة الحدود, برلين.
لوحة الحدود, برلين.

السنة السادسة عشر, الشهل الثالث, الفصل الثاني

مد جلالته حدوده حتي سمنة (قائلا): لقد جعلت حدود بلادي أبعد مما وصل إليه أجدادي, وزدت مساحتها على ما ورثته، أنا ملك يقول ينفذ وما بقلبي تفعله يدي فإنى طموح إلي السلطان وقوي لأحرز الفوز.

لست رجلاً يرضي عقله بالتكاسل عندما يتعدي عليه, أهاجم من يهاجمني حسبما يقتضيه الأمر، فمن يجبن بعد هجوم العد يقوي قلب عدوه عليه.

فالأسود (النوبيوين القدامي) يحكم بكلمة تخرج من الفم, والجواب الحاسم يردعه, وعندما يكون الإنسان شجاعاً في وجهه فإنه يهرب أما إذا تخاذل في وجهه فإنه يهاجمه، إنهم ليسوا بقوم أشداء ولكنهم فقراء كسيروا القلب.

أقسم بحياتي وحياة والدي لم أنطق إلا صدقاً، لم تخرج من فمى كذبة، وكل إبن أنجبه يحافظ علي تلك الحدود التي وصل إليها جلالتي فهو إبني من صلبي وألحقه بنسبي, أما من يتخلي عنها فليس إبني وأتبرأ منه.