كيف تعامل المصرى القديم مع الأقزام؟ وماذا كان دورهم فى المجتمع المصرى القديم؟
الأقزام

يقول الحكيم المصرى آمون إم أوبت إبن كا نخت فى تعاليمه

“لا تسخر من أعمى، ولا تستهزىء بقزم، ولا تحقر من شان رجل عقله فى يد الإله (مريض عقليا)

ولا تعبس بوجهك إذا تعدى حدوده، خلق الإله الإنسان من طين وقش، وهو يشيد ويهدم كل يوم

قد يجعل الإله ألف رجل فقيرا بإرادته، وقد يجعل ألف رجل نبيلاً بمشيئته

ومن أسعد ممكن يصل إلى الغرب (يموت) وهو آمن فى رعاية الإله”

تحتوى تلك التعاليم التى ترجع إلى حوالى 1100 ق.م على نصائح واضحة تجرم الإستهزاء بذوى الهمم، ومراعاة مشاعرهم وعدم التحقير من شانهم، وهو ما يقودنا لسؤال مهم: كيف كان يرى المصرى القديم الأقزام بشكل خاص؟

الفن هو مرآة المجتمع المصرى القديم، فهو ما جعلنا نعرف عن العادات اليومية للمصرى القديم وطبيعة الحياة فى مصر فى ذلك الزمن.

من ضمن ما صور القدماء على جدران المعابد والمقابر كان الأقزام، والذين تعامل المصرى القديم معهم بمنظور ومعاملة خاصة وجعلهم أعضاء فاعلين فى المجتمع المصرى.

جزء من رقصة قسية تشارك فيها أحد النساء الأقزام

كان المصرى القديم يطلق على الأقزام “نمو, داج, دنج” وهى كلمات مصرية قديمة تعنى “قزم- ذو همة من قصار القامة”:, كما كان القدماء يرون أن الأقزام لهم صفات وقدرات خاصة وأن هيئتهم الجسدية كانت بسبب إمتلاكهم لقدرات سحرية، لذلك كان أحد أشهر أعمالهم هو الرقصات الدينية الطقسية خاصة رقصات للإله “رع” عند شروق الشمس.

 

الأقزام فى الديانة المصرية القديمة

الإله “بس”

على المستوى الدينى فى مصر القديمة كان من الطبيعى أن يكون هناك آلهة من الأقزام، وعلى رأسهم الإله “بس” ومعادله الأنثوى الإلهة “بست”, وكانت مهمته حماية الأسرة والأمهات والأطفال وكذلك المساعدة والحماية فى عملية ولادة الأطفال, ليطرد الأرواح الشريرة وأذى بعض الحيوانات مثل الثعابين.

وقد كان تصوير الإله “بس” ملفتاً للإنتباه, حيث أنه قزم ذو وجه عريض, ملتحى , ذو بنية قوية وأذنان بارزتان.

كذلك كان القزم هو أحد أشكال الإله “بتاح” سيد مدينة منف ورب الحرفيين.

وكل هذه الأشكال والصفات تعكس إحترام المصرى القديم لذوى الهمم من الأقزام ودمجهم فى المجتمع المصرى القديم.

دور الأقزام فى المجتمع المصرى القديم   

إنقسم الأقزام فى مصر القديمة إلى نوعان الأول هو المصرى والثانى هو الإفريقى وكلا منهم كان له وظائف محددة فى المجتمع المصرى. وفى الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام تم تصوير أكثر من 50 منظر للأقزام ووظائفهم المختلفة على جدران المقابر فى الجيزة وسقارة وغيرهم.

الأقزام المصريين

الأقزام المصريين
الأقزام المصريين

وهم مصريو المولد  متدرجى المكانة الإجتماعية شأنهم شأن أى فرد فى المجتمع المصرى القديم، فعلى سبيل المثال نجد أقزاماً كانت مهمتها رعاية الحيوانات الأليفة للشخص النبيل، وقد صور مشهد الأقزام وهى تمسك بالحيوانات الأليفة لتمشيتها فى العديد من المقابر. كذلك نجد أقزاما تشارك فى حمل الأثاث الجنائزى وآخرون يعزفون آلة الهارب الموسيقية وغيرها الكثير من الأعمال المختلفة.

الأقزام والذهب فى مصر القديمة

الأقزام وصناعة الحلى

أما المهنة التى تخصص بها الأقزام فى مصر القديمة فكانت صناعة الذهب.

ففى منظر تكرر كثيرا على جدران مقابر الدولة القديمة وأشهرها مقبرة الوزير المصرى “مرى روكا” الذى عاش فى عصر نهاية الاسرة الخامسة وبداية الاسرة السادسة, نجد منظرا فريدا يمثل الأقزام يعملون جنباً إلى جنب مع الأشخاص العاديين فى صناعة الحلى وتشكيل الذهب فى مصر القديمة، وذلك لأن اصابعهم وأطرافهم صغيرة تساعدهم على تشكيل الذهب بحرفية ودقة شديدة، فكان هذا التوظيف عبقرية من المصرى القديم فى الإستفادة منهم وتحويل تلك الإعاقة الجسدية إلى تخصص ومهنة إحترافية.

أقزام ذوى شان رفيع فى مصر القديمة

مع التدرج فى المناصب نجد أقزاما قد شغلوا مناصب هامة فى الحكومة المصرية. وقد كانوا يلعبون دورا فاعلا فى الحكومة المصرية منذ البداية فنجد أننا نعرف من الأسرة الأولى أكثر من قزم بالإسم منهم “سر إنبو”, وآخر يدعى”حچو”. ”

بل أن هناك أقزاما قد كانت لهم صلة بالقصر الملكى, وألقابا ووظائف بداخل القصر نذكر منهم شخص يدعى “خنوم حتب” وله تمثال شهير بالمتحف المصرى, شغل هذا الرجل مناصب مثل”كاهن الكا”, “المشرف على الملابس”.

القزم “خنوم حتب”

أشهر أقزام مصر القديمة على الإطلاق فكان  يدعى “سنب”, والذى دفن فى مقبرة فخمة فى جبانة الجيزة بجوار أهراماتها، عاش هذا الرجل فى عصر الملك “خوفو” وخليفته الملك “چدف رع” وحمل أكثر من 20 لقب عكسوا مكانته فى القصر الملكى, مثل: محبوب الملك, المسئول عن أشغال الحياكة بالقصر الملكى, المسئول عن الأقزام بالقصر الملكى بل أنه حمل ألقابا كهنوتية ودينية مثل :فكان كاهنا للإلهة واچيت, بل أن “سنب” من المؤكد أنه كان أحد المشاركين فى الطقوس الجنائزية للملك “خوفو” مشيد الهرم الأكبر.

“سنب” له تمثال شهير فى المتحف المصرى يجمعه مع زوجته وأطفاله، بل أن زوجته كانت إمرأة نبيلة شغلت منصب كاهنة للإلهة “حتحور” والإلهة “نيث”.

القزم “سنب” وعائلته

ربط بعض العلماء بين”سنب” وقزم آخر يدعى “بر نى عنخو” حمل العديد من الألقاب التى عكست مكانة رفيعة فى القصر الملكى، فيرجح العلماء أن “نى بر عنخو” هو والد “سنب” وأن تلك العائلة قد توارثت المناصب وكان لها تواجد قوى بالقصر الملكى.

القزم “بر نى عنخو”.

بالمتحف المصرى تابوت ضخم من الجرانيت مصور عليه قزم آخر رفيع المكانة كان يدعى “چحو” وهو يرجع لعصر الملك”نختنبو الثانى”  حوالى 342-360 ق.م وقد كان راقصاً طقسيا ينتمى لفئة نبيلة من الأقزام.

القزم “چحو”

الأقزام الأفارقة

إعتاد المصريين القدماء منذ عصور سحيقة جلب الأقزام من اعماق افريقيا وإعتبروها أحد الإنجازات التى يتم الإشادة بها، نذكر على سبيل المثال قصة طريفة لموظف مصرى رفيع الشأن يدعى “حرخوف” والذى كان حاكماً لمصر العليا وكان مسؤلاً عن البعثات التجارية بين مصر وافريقيا، وله مقبرة شهيرة بمنطقة “قبة الهوا” فى أسوان.

يذكر حرخوف فى سيرته الذاتية أنه فى عصر الملك “ببى الثانى” ذهب فى بعثة تجارية لإفريقيا وارسل رسالة إلى القصر الملكى مفادها أنه نجح فى الحصول  على بضائع لا تقدر بثمن من هناك وأخذ فى ذكرها كما انه ذكر فى نهاية رسالته أنه حصل على قزم سيعود به إلى مصر، فيرد عليه الملك “ببى الثانى” متجاهلاً جميع البضائع الثمينة التى ذكرها “حرخوف” ويطلب منه رعاية هذا القزم رعاية فائقة والعودة به إلى مصر فوراً, ويطلب منه رعايته وتعيين حراسة شخصية له، والتأكد من ألا يقع فى المياه، بل أنه طلب منه أن يتفقده عشر مرات أثناء الليل!

رد فعل الملك “ببى الثانى” كان منطقياً لانه وقتها طفل يبلغ من العمر 8 سنوات، فكان متحمساً جدا لجلب هذا القزم والإستمتاع بمشاهدته يؤدى الرقصات الطقسية بالقصر الملكى.

ولم تمكن هذه القصة الطريفة هى الوحيدة فقط فى تاريخ مصر القديمة فقد كان جلب الأقزام يعتبر تقليداً مهما فى تلك الفترة الزمنية فى عصر الدولة القديمة.

الخلاصة

كان المصرى القديم يتعامل مع الأقزام مثل تعامله مع ذوى الهمم بشكل عام، وهى معاملة قائمة على الإحترام وخلق فرص عمل لهم فى المجتمع، بل وفرص للترفى لأعلى المناصب والمراتب،بل أنهم نجحوا فى تكوين مجتمعات خاصة بهم داخل المجتمع المصرى وحتى القصر الملكى, وتوارثت عائلات منهم المناصب الرفيعة جيلاً بعد جيل

وبشكل عام يمكننا أن نقول أن أفضل وضع ممكن فى التاريخ للأقزام كان فى مصر القديمة.