في المتحف الجديد بالعاصمة برلين تقبع أيقونة ذلك المتحف في قاعة منفصلة نظراً لأهميتها, وجه من مصر القديمة لامرأة جميلة بلا شك , نفرتيتي ملكة مصر التي خلبت لب العالم وأصابت الألمان بالهوس.

كيف أصبحت نفرتيتي ملكة على مصر؟

إن فترة حكم أخناتون وزوجته نفرتيتي لمصر هي واحدة من أكثر الفترات غموضاً في التاريخ, فمنذ بدايتها لا يمكنك تتبع خيط واضح يقودك لمعلومة حاسمة وإنما يتطلب البحث وراء فترة أخناتون أكثر من ذلك بكثير. فنصوص فترة حكم أخناتون ونفرتيتي لم تترك أدلة كثيرة على أصول نفرتيتي وكذلك لم توضح أهميتها لتلعب مثل هذا الدور الذي لعبته في فترة حكم زوجها.

أمنحتب الثالث والملكة تي
أمنحتب الثالث والملكة تي

لذلك فإن أفضل الحلول هو تتبع نهاية فترة حكم الملك “أمنحتب الثالث” والد إخناتون وهى الفترة التي ظهر فيها إخناتون على مسرح الأحداث ومن ثم نفرتيتي.

سبق إخناتون على العرش والده أمنحتب الثالث الذى إتخذ خطوة غاية في الجرأة وتزوج فتاة من طبقة النبلاء من مدينة أخميم تسمى “تى” وهى ابنة لقائد عسكري اسمه “يويا” ومنشد بالمعبد اسمها “ثيوي أو تويا”, ولم يكتف أمنحتب بذلك بل قام بمنحها لقب الزوجة الملكية العظمي وذلك يعنى أنها ستكون أم ولى العد وملك مصر القادم.

يويا وتويا
يويا وتويا

كان مقرراً فى نهاية فترة حكم امنحتب الثالث أن يحكم من بعده ابنه الأمير “تحتمس” والذى كان كبيراً لكهنة الإله بتاح في منف وكذلك كبير كهنة مصر العليا والسفلي وعلى ما يبدو فقد توفي ذلك الأمير في حياة والديه ليترك مكانه شاغراً, وهنا يظهر على مسرح الأحداث ابن آخر لأمنحتب وتى يدعى أمنحتب أيضاَ, وهو الذى سيعرف لاحقاً باسم إخناتون.

إخناتون: ملك بالصدفة؟

يذهب كثير من علماء المصريات أن الأمير أمنحتب (إخناتون لاحقاً) ليس له تاريخ معروف قبل توليه العرش, فهو لم يتم ذكره أو ذكر أحواله فى حياة والديه بشكل واضح, فلا نعلم إن كان ذلك الأمير قد تربى في قصور طيبة أو أنه تربى في الشمال مثل أخيه ولى العهد “تحتمس” إلا أن ما فعله إخناتون بعد ذلك من محاولة تغيير الفكر الديني ترجح تأثره بكهنة الشمال ففي الفن تأثر بكهنة الإله بتاح وفى الجانب الديني تأثر بكهنة الإله رع, على أية حال وفى عام 2014 أعلنت وزارة الآثار المصرية عن عثورهم على دليل حاسم يؤكد اشتراك إخناتون مع والده في الحكم في أواخر عهد الوالد وهو ما أخبرتنا به مقبرة الوزير “امنحتب حوى” والتى إحتوت على إسماء الأب والإبن معاً ولأول مرة  مما وضع إخناتون فى فترة حكم مشتركة مع والده لمدة ثمان سنوات على الأقل.

فى نهاية المطاف فإن المؤكد لدينا أن إخناتون لم يكن خيار والديه الأول ولم يكن هو ولى العهد المقرر له الجلوس على العرش ولكن تغيرت الأمور بوفاة أخيه “تحتمس”.

 

نفرتيتي ملكة علي مصر

مع تولى الأمير أمنحتب الرابع (إخناتون) عرش مصر نجد أنه في اوائل فترة حكمه قد تم تصويره على  جدران مقبرة الوزير “رع مس” بجوار زوجته والتي أعطتها النقوش اسم “نفرتيتي” وكذلك ظهرت على جدران مقبرة الساقي الملكي “با رن نفر” في طيبة أيضاً, وقد تقلد أمنحتب الرابع الحكم بالنظام الملكي التقليدى فلم تشهد بداية فترة حكمه تغييرات واسعة سواء في الفن أو في التقاليد الملكية, حتى تغير كل شىء مع حلول العام الرابع من حكمه وإتخاذه قرار في غاية الغرابة بترك العاصمة الدينية للإمبراطورية “طيبة” ( الأقصر حالياً) وتجهه إلى مدينة أطلق عليها “آخت إتن” (تل العمارنة حالياً) ومعناها: أفق الإله إتن أو آتون كما نعرفه اليوم.

مدينة آخت إتن أو تل العمارنة.
مدينة آخت إتن أو تل العمارنة.

وفى العام الخامس قام أمنحتب بتغيير اسمه إلى “آخ إن إتن” (إخناتون) ومعناه: المخلص للإله آتون أو النافع للإله آتون، قام إخناتون بمناصبة جميع المؤسسات الدينية المصرية العداء وأعلن الإله “آتون” هو الإله الوحيد وليس الأوحد وذهب إلى أبعد من ذلك بالأمر بإغلاق المعابد وتسريح الكهنة فى بعض الأحيان.

 

إخناتون ونفرتيتي وبناتهما الست:

مع توجه إخناتون لمدينة أفق آتون ظهر دور نفرتيتي جلياً واضحاً, فلم تكن ملكة عادية أبدً فقد ظهرت جنباً إلى جنب بجوار زوجها فى جميع مناظر وجداريات تل العمارنة, وكانت نبية العد الآتونى بجوار زوجها.

غيرت نفرتيتي هى الأخري إسمها ليصبح “نفرتيتي نفر نفرو إتن” (نفرتيتي جميلة جميلات إتن) وقد أنجبت نفرتيتي لإخناتون ست بنات كن:

  1. مريت إتن: ميريت آتون ويعنى إسمها جميلة الإله آتون وهى كبرى بناتهما وأحد أكثر الشخصيات تأثيرا فى فترة العمارنة.
  2. مكت إتن: خادمة الإله آتون
  3. عنخ إس إن با إتن: حياتها من الآتن وهى الأميرة التى ستغير اسمه بعد نهاية فترة العمارنة ليصبح عنخ إس إن إمن (حياتها من آمون) وستتزوج أخوها غير الشقيق توت عنخ إمن.
  4. نفر نفرو إتن تا شريت: جميلة جميلات إتن الصغيرة
  5. نفر نفرو رع: جميلة جميلات الإله رع
  6. ستب إن رع: المختارة من الإله رع.
توت عنخ آمون وزوجته عنخ سن آمون
توت عنخ آمون وزوجته عنخ سن آمون

وظهرت نفرتيتي وإخناتون وبناتهما الست فى العديد من المناظر يتعبدون للإله آتون وكذلك فى مناظر أسرية ولأول مرة تظهر العائلة المالكة فى ظاهرة لم يسبقها إليهم أحد, كما تكرر ظهور إخناتون وتفرتيتي على جدران مقابر موظفى تل العمارنة فى الاحتفالات والمراسم.

وقد ظلت نفرتيتي جوار زوجها طوال فترة حكمه جنباً إلى جنب حتى إنتهت فترة حكم إخناتون بعد سبعة عشر عاماً على العرش نهاية غامضة إختفى فيها إخناتون ونفرتيتي من السجلات.

وقد كان علماء الآثار يظنون إن نفرتيتي قد إختفت مع حلول العام الثانى عشر من حكم إخناتون وذلك لعدم وجود ذكر لها فى النقوش أو السجلات ولكن منطقة محاجر دير إبو حنس فى المنيا قد غيرت تلك المعلومة فقد تم العثور على مخربشات فى هذه المحاجر تؤرخ بالعام السادس عشر من حكم إخناتون وفيها إسم إخناتون جنباً إلى جنب مع نفرتيتي بألقابها الملكية وكذلك فإن تلك المواد الخام كان الغرض منها إكمال بناء المعبد الصغير للإله إتن فى مدينة تل العمارنة مما يعنى أن مشاريع إخناتون إستمرت حتى أواخر فترة حكمه وكذلك نفرتيتي.

 

نفرتيتي: الجميلة أتت

إسم نفرتيتي فى اللغة المصرية القديمة هو: نفرت إتى ويعنى الجميلة أتت، وقد كان إسمها سبب فى إثارة لغط كبير لدى العلماء وحتى العامة بخصوص أصولها, فظنوا أن هذا الإسم يعنى أنها أجنبية وليست مصرية وقد نسبها البعض لمملكة “ميتانى” السورية حليفة مصر وقتها وربطوا بينها وبين أميرة ميتانية تدعى “تادوخيبا” كان من المفترض أن تتزوج الملك امنحتب الثالث ولكنه توفى فتزوجت من إبنه إخناتون بدلاً منه.

وحتى الآن لا يوجد دليل على هذا الربط بأى شكل من الأشكال، وأن الموضوع برمته هو طريقة لتفسير إسم نفرتيتي الذى إعتبروه فريداً من نوعه وهو كذلك بالفعل, ولكن تفرد الإسم لا يعنى شيئاً ففى حالات أخرى نجد مثلاً أن هناك إبن للملك سنفرو من الأسرة الرابعة يدعى “إيي نفر” ويعنى إسمه الجميل أتى, وكذلك إبنة للملك “خوفو” تدعى “نفرت إيابت” ويعنى إسمها: جميلة الشرق, فهل يمكن تأويل هذان الإسمان وغيرهما بنفس الطريقة وإعتبارهم اجانب؟

إن ما لدينا من أدلة يؤكد  أن “نفرتيتي” قد قضت طفولتها فى مصر، فزوجة القائد عسكرى المدعو “آى” والذى خلف القائد العسكرى “يويا” فى منصبه فى مدينة اخميم قد حملت لقباً فريداً وهو ” مرضعة نفرتيتي” وهو ما يعنى بالتالى أن نفرتيتي قد أمضت طفولتها فى مصر, بينما الأميرات الأجنبية أتوا لمصر عرائس جاهزة للزواج.

آى وزوجته تي
آى وزوجته تي

كما أن علماء المصريات يرجحوا أن “آى” هذا هو والد نفرتيتي فتمضى الفرضية كالتالى: آى قد إتخذ نفس ألقاب القائد العسكرى يويا والد الملكة تى زوجة أمنحتب الثالث, وقد حمل يويا لقباً فريداً وهو إبت نتر ويعنى أبو الإله فى إشارة إلى أنه حمو الملك أمنحتب الثالث إتخذه آى هو الآخر, فهذا يعنى انه إبنه وبالتالى فهو شقيق الملكة “تى” وبالتبعية هو خال “إخناتون”, وقد تزوج آى فى بداية حياته من إمرأة أنجب منها “نفرتيتي” ومن ثم توفت تلك المرأة وتزوج “آى” من إمرأة أخرى إسمها “تى” ( وهى تى أخرى بخلاف الملكة تى), وقد تولت “تى” تربية الطفلة “نفرتيتي” وجملت لقب مرضعتها ومن ثم كبرت الفتاة وتزوجت من إبن عمتها “اخناتون”.

وقد تكرر نفس الأمر فى مدينة تل العمارنة نفسها فنجد الأميرة “موت بنرت” والتى عرفنا من النقوش المصاجبة لجداريتها أنها أخت نفرتيتي, وقد جملت “موت بنرت” لقب مرضعة بنات “نفرتيتي” هى الأخرى.

وبالتى فإن “موت بنرت” هى إبنة أخرى للقائد “آى”, ولربما يتسائل القارىء أن تلك الإفتراضات تبدو خيالية!

على العكس تماماً فما حدث لاحقاً بعد وفاة إخناتون يؤكد الدور الكبير الذى لعبه آى فى مجرى الأمور, فنجد أن فترة إخناتون إنتهت بفوضى إستقرت نسبيا بتولى إبنه ” توت عنخ آمون” لعرش مصر, ومع وفاة توت نجد ان من جلس على العرش بعده هو من؟

آى الملك المتوج يؤدى طقسة فتح الفم للملك المتوفى توت عنخ آمون.
آى الملك المتوج يؤدى طقسة فتح الفم للملك المتوفى توت عنخ آمون.

“آى” بنفسه كان الملك الذى خلف الملك “توت” على العرش, بل أن “آى” هو أبرز كبار ذوى الشأن الذى تحول لعقيدة إخناتون وشيد لنفسه مقبرة فى تل العمارنة ومن ثم عاد إلى العقيدة المصرية القديمة مع وفاة إخناتون بل وأصبح ملكاً.

لم تنتهى الأحداث عند تلك النقطة, فالملك الذى خلف “آى” على العرش كان القائد العسكرى “حور إم حب” والذى تزوج من “موت بنرت” إبنة آى.!

لن أترك دهشتك تتوقف عند هذا الحد عزيزي القارىء فبعد مرور أكثر من خمسون عاماً يظهر إسم “آى” مرة أخرى فى مكان غير متوقع وهو مقبرة الملك “نفرتاري” زوجة “رمسيس الثانى” فى وادى الملكات.