ترك المصريون القدماء آثارا بطول وعرض البلاد تشهد على حضارة مجيدة عريقة ولكن هذه الآثار تركت لنا أيضا تفاصيل حياتهم اليومية بدقة شديدة وحتى متاعبهم وآلامهم وأفراحهم، وبالتأكيد كان للحب نصيب مما تركوه.
في البداية لا يوجد لنا تصور واضح عن عيد مخصص للحب في مصر القديمة بينما قصص الحب والعشق وصلت لنا كما هي، وتنوعت ما بين قصص حب لملوك ونبلاء وحتى من عامة الشعب.
الحب عماد المجتمع
الفن المصري القديم هو المرآة الحقيقية لتلك الحضارة وقد أخبرتنا المنحوتات والجداريات عن طبيعة علاقة الإنسان المصري بزوجته ورفيقة دربه، فقد صوروا ملوكاً وعامة مع زوجاتهم في أوضاع مختلفة تعكس ذلك الحب.
من أشهر أوضاع التصوير في مصر القديمة لرجل وزوجته كان الاحتضان فنجد الرجل (ملكاً كان او من العامة) واقفا أو جالسا بينما زوجته تحيط خصره بذراعيها وكأنها تحتويه، بينما تسجل لنا النقوش الألقاب المصاحبة لهذا النوع من الفن عادة ألقاب تمنح للمرأة على غرار (زوجته، محبوبته).
التي تشرق الشمس لأجلها
هذه العبارة كانت من ضمن نص إهداء معبد أبو سمبل الصغير للملكة نفرتارى زوجة الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك مصر القديمة، وقد قام بتشييد ذلك المعبد في النوبة تكريماً للملكة مع الإلهة حتحور ربة الجمال في مصر القديمة.
ترجع قصة حب رمسيس ونفرتارى إلى فترة مبكرة من عمر رمسيس نفسه، فقد كان تعارفهما وهما في سن الرابعة عشر في قصر الملك سيتى الأول والد رمسيس الذى تزوجها منذ ذلك الحين وجعلها الزوجة الملكية العظمى (السيدة الأولى) وصورت بجواره في جميع المراسم والاحتفالات كما بنى لها مقبرة في وادى الملكات تعد واحدة من أعظم منتجات الفن في العالم القديم.
ملكة من عامة الشعب
يوماً ما وأثناء حضوره أحد الاحتفالات الدينية بمدينة أخميم في سوهاج، وقع نظر الإمبراطور أمنحتب الثالث لأول مرة على فتاة تعمل منشدة بالمعبد وهى ابنة لإثنين من نبلاء أخميم وهم القائد العسكري يويا وزوجته ثيويا التي كانت منشدة بالمعبد هي الأخرى.
وهنا اتخذ أمنحتب الثالث قراراً غاية في الجرأة، سيتزوج هذه الفتاة وسيجعلها هي الزوجة الملكية العظمى أي أن ولى العهد القادم سيكون منها، هكذا وبكل بساطة وقع أمنحتب الثالث في الحب ورقى محبوبته لأعظم الدرجات في مصر القديمة.
لم يكتف أمنحتب بزواجه من تى فحسب ولكنه أعلن هذا الزواج في جميع أنحاء مصر عن طريق (صحافة) ذلك العصر وهى منحوتات صغيرة على شكل حشرة الجعران تعلن زواجه من تى، لاحقاً في زواجهم سيفعل أمنحتب العجائب لأجل زوجته المحبوبة تى فنجدها تعجب بمنظر المياه التي تحيط بها النباتات وتسبح فيها الطيور فيبنى لها أمنحتب بركة خاصة أمام القصر الملكي لأجلها، وبعد وفاة أمنحتب ستبقى تى على قيد الحياة لتصون عرش مصر لملك مصر القادم وابنها أخناتون.
عاشقان ثائران
كما كان أمنحتب الثالث ثائراً على العادات القديمة فقد تبعه في نفس المنهج ابنه وخليفته “إخناتون”، مع تولى إخناتون عرش مصر نجد أنه تزوج من فتاة فائقة الجمال تدعى نفرتيتي (اسمها يعنى الجميلة أتت) والتي كان جمالها يتساوى مع ذكائها فنجد أن إخناتون لم يتخذ منها زوجة تقليدية فحسب بل أنها كانت شريكته في التمرد الديني الذى قاده في مصر القديمة وكانت مساوية له في معظم الطقوس والمراسم التي أدّاها للإله آتون، أما أهم ما ميز علاقة إخناتون بنفرتيتي فكان بناتهما الست، لأول مرة في تاريخ الملكية المصرية تصور العائلة الحاكمة بهذا القدر من التجرد فنجد إخناتون يجلس مع زوجته وبناتهما تلهو حولهما وفى مناظر أخرى تشارك بعضهن في الطقوس، مما لا شك فيه أن قصة حب إخناتون ونفرتيتي كان لها بعداً إنسانيا أخبرتنا عنه تلك المناظر والجداريات.
عاشق مجنون
(قلبي يخفق بسرعة عندما تأتى سيرة حبى لك ولا يجعلني أمشى كالبشر، لم أعد اعرف كيف أرتدى الملابس أو أكحل عيني)
من أبرز النصوص التي وصلت لنا عن الحب في مصر القديمة كانت تلك النصوص التي تركها العامة ومن بينها أبيات غزل من رجال لنساء والعكس، وكان خطاب النداء بين الرجل والمرأة في مصر القديمة (أخي وأختي) وهو لقب لا يعنى انهما أخوة وإنما دليل على التقارب وهو النداء الذى لا يزال يحيا في المجتمع المصري حتى الآن.
أما أغرب نصوص الحب والعشق في مصر القديمة فكانت لذلك العاشق المجنون الذى ترك عملاً سفلياً ليجعل مبوبته تحبه بالمثل وقد عثر على ذلك النص مدوناً على كسرة فخار بقرية دير المدينة وهى قرية العمال الذى شيدوا مقابر وادى الملوك.
( السلام عليكَ يا أبو الآلِهة رع حور آختي ، السلام عليكُم أيتُها الحتحورات السبعة الذين يرتدون لفائِف الكِتَّان الحمراء ، السلام عليكُم أيُها الآلهة “جميعاً” سادة السماء والأرض ، أرجو أن تجعلوا “فُلانة” بنت “فُلانة” تجرى ورائي مثل البقرة “القادِمة” خلف العِشب والخادِمة “القادِمة” وراء أطفالها والراعي “القادِم” وراء قطيعه ، وإِنْ فشلوا “أي الآلهة” في جعلها “أي المرأة” تجرى ورائي سوف أحرق مدينة بوزيريس وأُشعِل النار في أوزوريس نفسه ..)
بلغ وله وعشق ذلك الرجل لتلك الفتاة مبلغ اتخذ فيه كل السبل لكى تقع في غرامه بل أنه وصل إلى حد التطاول الديني وعلى الرغم من غرابة ذلك النص فإننا لا نعلم مصير ذلك الرجل أو ماذا حدث لاحقاً.