يبدو العنوان صادماً! قطع أيدى الأعداء؟! هو بالفعل عمل يبدو وكأنه همجي لا يتسق مع حضارة المصريين العظيمة التي قامت على العلم والعمل والسلم، ولكن جداريات مصر القديمة ألقت لنا لمحة عن هذه الممارسة، فما هى حقيقة الأمر؟
أخلاق وشرف الجندية المصرية
منذ آلاف السنين والحضارة المصرية عرفت معنى فرض الأمن والأمان وتأمين الحدود، والذى كان نتيجة مباشرة لتأسيس قوات الأمن والحماية من الأخطار خارجياً وداخليا والذى أدى في النهاية لتكوين الجيش المصري الذى يعد واحد من أقدم جيوش العالم على الإطلاق، ومنذ العصور السحيقة نجد نصوصاً متعلقة بأخلاق الجيش المصري مثل نص القائد “ونى” الذى عاش في عصر الأسرة السادسة المصرية منذ ما يزيد على 4500 عام مضت، وترك لنا فى سيرته الذاتية نصوصاً بديعة عن الجيش الذى قاده بنفسه وأخلاقيات جنوده فنجده يقول مما قال: عاد الجيش منتصراً، عاد الجيش في سلام، دون ان يتشاجر واحداً مع زميله، دون أن يسرق عنزة، دون أن يقتلع شجرة، وهو ما يعبر وبوضوح عن عقيدة الجيش المصري منذ الأزل وأخلاقه التي تعد مثال تاريخي حي حتى للأجيال القادمة.
اقرأ أيضًا هنا: هل دفن ملوك مصر الخدم معهم وهم على قيد الحياة؟
قطع إيدك
وهو تعبير شهير فى العامية المصرية، “قطع إيدك”، “قطع الإيد اللى تتمد على مصر” وهو ما كان له مردود بالفعل في مصر القديمة، فمع التوسع الإمبراطوري المصري ظهرت لنا جداريات فريدة تصف المعارك الحربية للجيش المصري بل حتى تنظيم القوات وطريقة الهجوم ونتائجه، كذلك الأزياء والرتب والشارات وحتى الرايات وظهر فيما ظهر من المناظر قطع أيدى الأعداء في خضم المعركة!
أحد أشهر المناظر التي وثقت لنا هذا الفعل هي جداريات معبد أبيدوس والتي ظهر فيها الجنود يقطعون أيدى الأعداء بالفعل، وظهرت تلك الجنود بمظهر مميز وزى مختلف عن بقية قوات الجيش! فمن هم؟
الإجابة وببساطة أن الجنود الذين ظهروا في تلك الجدارية تحديداً كانوا من قوات “الشردانا” وهم مرتزقة أجانب من أعراق متعددة يرجح انتماؤهم لشرق المتوسط، وقد ظهروا في المنظر بخوذاتهم المميزة المقرنة وكذلك ازيائهم المميزة، وقد عملت تلك القوات في الجيش المصري وكانوا ضمن الحرس الشخصي للملك رمسيس الثانى في حروبه.
ليس قطع الأيادي فحسب، وإنما الأعضاء الذكورية
أما أشهر المناظر التي صورت تلك الممارسة فترجع لملك آخر يدعى رمسيس، وهو الملك “رمسيس الثالث” الذى صورت على جدران معبد هابو نفس الممارسة بل أنه ذهب لأفاق أبعد من ذلك، ففي البداية صورت مناظر قطع أيدى الأعداء، ومن ثم تم تصوير إحصاء تلك الأيدي المقطوعة ( غالبا هي اليد اليمنى)، وظهر منظر آخر غاية في الغرابة وهو إحصاء الأعضاء الذكورية للأعداء أيضا، وقد عرفنا أنها لغير مصريين لأنها لم تكن مختونة وحيث أننا نعلم أن المصريون القدماء قد قاموا بختان الذكور فتلك الأعضاء لا بد أنها تعود للأعداء، أي أن تلك العملية قد اشتملت على تصنيفين من وجهة نظر المصري القديم الذى صنف أعداؤه بعد النصر لقسمين.
لماذا قطع الجنود الأيدي والأعضاء الذكورية؟
مع ظهور الجنود الأجانب في تلك المناظر تكونت وجهة نظر لا بأس بها، تفيد بأن أجور هؤلاء المرتزقة كانت متعلقة بإنجازاتهم في أرض المعركة وكانوا يتقاضون أجورهم على حسب العدد، ومع تصنيف الأيدي والأعضاء الذكورية ظهر رأى عام في البداية بان تلك الأيدي تعود للقتلى من الأعداء، ولكن ماذا عن الأعضاء الذكورية؟
وهنا ظهر رأى آخر يقول بأن قطع اليد كان للأسير المحارب وليس للقتيل، وقطع العضو الذكرى كان للقتيل، وكانت تلك الطريقة في الإحصاء للتمييز بينهم.