الملك “رمسيس الثاني” من أكثر شخصيات العالم القديم التي أثير حولها القصص والروايات، والتي يشطح البعض منها إلى حد الخيال والخرافات، فهو رمسيس الذى ملأت آثاره البلاد وشغل أذهان العباد.

من أشهر شخصيات عصر الملك “رمسيس الثاني” هي زوجته نفرتاري إحدى جميلات العالم القديم والتي عاشت مع رمسيس قصة حب طويلة حتى فارقت هي الحياة وتركته وحيداً.

 

رمسيس ونفرتاري: حب منذ الطفولة

كانت بداية تعارف العاشقان في قصر الملك “سيتي الأول” والد رمسيس، ففي نصّ شهير مؤرخ بعصر رمسيس يذكر أن أباه سيتي توّجه وهو لا يزال مراهقا لم يتعد عمره 14-16 عام، ويذكر النص أن سيتي أمر حجابه قائلاً: «أحضروه أمامي، ضعوا هذا التاج الكبير فوق رأسه حتى أرى جماله، سيحكم هذه البلاد ويقود شعبها».

وفوق ذلك يخبرنا النص أن سيتي زود رمسيس بقصر خاص به واختار له هو وأمه “تويا” أجمل النساء ليكونوا في رفقة الأمير الذى سيصبح ملكاً، وقد كان في مقدمة زوجات رمسيس نفرتاري، ومعها زوجة أخرى تسمى آست نفرت ( جميلة إيزيس).

منذ البداية حظيت نفرتاري بمكانة عظمى في حياة رمسيس فعندما توفى أبوه سيتي الأول أصبحت نفرتاري هي ملكة مصر والزوجة الرئيسية لرمسيس وأنجبت له ولى عهده الأول وهو الأمير “آمون حر خبش إف”

نفرتاري التي كان اسمها المصري القديم ينطق “نفرت إرى” ويعنى (حلاوتهم) ” الجميلة في وسطهم” صورتها جداريات عصر رمسيس الثاني بجمال أخاذ ورقة لا متناهية وقد شاركته في مراسم تتويجه الفعلي بعد وفاة أبيه وحتى الاحداث المهمة مثل الأعياد والمناسبات وحتى تعيين الكهنة وكبار الموظفين.

من مناظر مقبرة نفرتارى، رقم 66, وادى الملكات.
من مناظر مقبرة نفرتاري رقم 66  وادى الملكات.

مع تدعيم رمسيس لأركان حكمه بداً حبه لزوجته واضحاً فعندما أصدر الأوامر لتشييد مقبرته في وادى الملوك، شيد في نفس الوقت بالأمر مقبرة في وادى الملكات لزوجته الحبيبة “نفرتاري” وهى المقبرة التي تحمل الرقم 66 حالياً بوادي الملكات والتي خرجت كواحدة من أروع القطع الفنية في عصر الدولة الحديثة بأكملها بمناظرها الرائعة وجدارياتها فائقة الجودة تلك المقبرة كانت شاهدة على قصة حبهما لم تحمل بين جدرانها أي منظر لرمسيس وإنما كانت كلها مناظر لنفرتاري في تقدمات للآلهة ونصوص لتساعدها على البعث في العالم الآخر، وهى الأثر الوحيد من عصر رمسيس الثاني الذى لا يحمل جدارية له.

 

نفرتاري التي تشرق الشمس لأجلها

مع وصول اقتراب نفرتاري من سن الأربعين كان أحد مشاريع رمسيس التي أمر بتنفيذها في وقت مبكر من حكمه قد قارب على الاكتمال وهو مشروع سلسلة معابد أبو سمبل.

في تلك المنطقة من النوبة كان المحليون يعتقدون أن روح الإله حورس تحل في جبل يسمى “محا” بينما تحل روح الإلهة حتحور في جبل مجاور له يسمى “إبشك”، فقرر رمسيس تشييد معبدين مجاورين في تلك المنطقة ليكون المعبد الكبير له في محا بينما المعبد الصغير لنفرتاري في إبشك.

أراد رمسيس إضفاء جوهر إلهى  في إنشاءاته فقام بتكريس المعبد الكبير للإله “رع حور آختى” سيد مدينة هليوبوليس بينما بداخل قدس أقداس المعبد كانت تماثيل الآلهة “آمون، رع حور آختى، بتاح، وبينهم رمسيس شخصياً ليكون هو التجلي الرابع مع تلك الآلهة المهمة في مصر القديمة.

بينما حظيت نفرتاري بمكانة مماثلة في المعبد الصغير لتكون هي احد تجليات الإلهة “حتحور” سيدة منطقة إبشك، وقد دون رمسيس على واجهة المعبد من ضمن النصوص نصاً يهدي فيه المعبد إلى زوجته ويصفها أنها من يشرق الإله رع لأجلها.

مع اقتراب افتتاح المعبد يبدو أن صحة نفرتاري كانت ليست على ما يرام فتخبرنا المصادر التاريخية أنها لربما رأت المعبد من الخارج فقط ولم تشهد ما فعله من أجلها زوجها المحب بداخله، بل أن بعض العلماء يرجح أن نفرتاري لم تشهد افتتاح المعبد وتوفيت قبلها.

معبد أبو سمبل الصغير والكرس للإلهة حتحور والملكة نفرتارى.
معبد أبو سمبل الصغير والكرس للإلهة حتحور والملكة نفرتارى.

مع وفاة نفرتاري فقد رمسيس واحدة من أهم الشخصيات التي أثرت في حياته ومما زاد من أوجاعه وفاة أولاده واحداً تلو الآخر في عهده وكان من بينهم الأمير آمون حر خبش إف ولى العهد وابنه البكر من نفرتاري، وظل أولاده يتوفون في حياته حتى خلفه على العرش الأمير مرنبتاح وهو الابن الثالث عشر لرمسيس وكان ابن الملكة آست نفرت وليس نفرتاري، ومع تولى مرنبتاح عرش مصر بعد وفاة رمسيس عن عمر يناهز 92 عام كان كل ذكر لنفرتاري قد انتهى وبقيت آثارها التي شيدها من أجلها رمسيس حتى يومنا هذا.

 

نفرتاري وأساطير في بلاد النوبة

من أشهر الروايات المتعلقة بنفرتاري في النوبة هي أنها نوبية! وتمضي الرواية قائلة أن رمسيس في أحد حملاته على النوبة أعجب بابنة الزعيم النوبي وتزوجها وزعموا أن هذه الابنة هي نفرتاري!

بينما المصادر التاريخية من عصر رمسيس نفسه أن رمسيس ونفرتاري تزوجا في سن مبكرة قبل خوض رمسيس للحملات العسكرية منفردًا، وأن هذا الزواج تم في عهد أبيه سيتي الأول، ويرجح بعض علماء المصريات أن نفرتاري كانت موجودة في الدلتا وذلك لأن مسقط رأس عائلة رمسيس كان من شرق الدلتا بالقرب من مدينة اواريس عاصمة الهكسوس القديمة.

منظر للملكة نفرتارى من مقبرتها تلعب لعبة السنت المصرية القديمة.
منظر للملكة نفرتارى من مقبرتها تلعب لعبة السنت المصرية القديمة .

مقبرة نفرتاري وأغرب المقتنيات

أما أغرب المقتنيات التي عثر عليها في مقبرة نفرتاري هو أثر أشبه بالزر أو السدادة يحمل اسم الملك “آى” وهو ذلك الكاهن الذى خلف الملك “توت عنخ آمون” على عرش مصر قبل عصر رمسيس بأكثر من سبعين عامًا، فهل كان “آى” هو أحد أجداد نفرتارى؟ على أيه حال لا تخبرنا المصادر التاريخية بالمزيد فلربما لن يمكننا التأكد من تلك النقطة في وقتنا الحالي.