ارتبط اسم الملك أحمس بطرد الهكسوس من مصر، وتعددت الأبحاث العلمية وحتى القصص الخيالية عنه وعن فترته حتى اختلط الواقع بالخيال، ومما لا شك فيه أن الملك أحمس كان أحد الأبطال الذين أنجبتهم مصر وأنقذوها من محنتها وقت احتلال الهكسوس للأراضي المصرية فأعاد رفع رايتها وطرد المحتل منها شر طردة.

يقول الأديب العالمي نجيب محفوظ: الكل مدين لمصر، إلا هذه العائلة فمصر مدينة لها، ويقصد عائلة وسلالة الملك أحمس الذى سنطلق عليه أحمس الأكبر قاهر الهكسوس.

بالطبع لا يمكننا إغفال بقية أفراد هذه العائلة العظيمة ولكن سيكون موضوعنا الرئيسي لهذا الموضوع هو تناول بعض من سيرة الملك أحمس بينهم لنستعرض بطولات بقية أفراد تلك العائلة لاحقاً.

نشأة أحمس

بعد جولات متتالية لتحرير مصر من الهكسوس نتج عنها وفاة والد الملك أحمس وهو الملك “سقنن رع تا عا الثاني”، ومن ثم ابنه الملك “كامس” الشقيق الأكبر للملك “أحمس”، أصبح مصير مصر مرتبطاً بأحمس الذي كان طفلاً صغيراً تعقد عائلته ومصر بأكملها آمالاً عريضة عليه.

كانت تنشئة الملك أحمس تنشئة عسكرية بسبب ظروف البلاد الحتمية في ذلك الوقت وأشرف على تأهيله وتجهيزه قادة متمرسون في ميادين القتال ذكروا الملك أحسم لاحقاً نذكر منهم القائد أحمس ابن إبانا وكذلك أحمس ابن نخبت.

وبداخل القصر الملكي أشرف على عرش ذلك الطفل الصغير والدته الملكة “اياح حتب” وظهرت معها في الصورة لاحقاً “احمس نفرتارى” شقيقته التي كانت أكبر منه سناً، وهن كبار نساء القصر الملكي في مدينة طيبة والتي تغنى المصريون ببطولاتهن لاحقاً ودورهن العظيم في حروب  التحرير من الهكسوس.

ماذا يعنى اسم أحمس؟ ولماذا هذا الاسم؟

ترجع أصول عائلة الملك “سقنن رع” إلى مدينة طيبة (الأقصر حالياً)، والتي ارتبطت بالإله المصري آمون وزوجته موت وابنهما خونسو رب القمر، وارتبط العديد من الأسماء لتلك العائلة بالقمر فعلى سبيل المثال الملكة الأم “إياح حتب” ينطق اسمها باللغة المصرية القديمة “إيعح حتب” ويعنى القمر راضي، أما اسم أحمس فينطق “إيعح مس” ويعنى مولود القمر, وقد تكرر اسم إيعح حتب وإيعح مس لاحقا فحمل اسم إيعح مس امرأة أخرى لربما كانت زوجة للملك كامس, وكذلك الشقيقة الكبرة للملك أحمس وهى “احمس نفرتارى” وينطق اسمها بالمصرية القديمة “إيعح مس نفرت إرى” ويعنى اسمها مولودة القديمة الجميلة بينهن ( بنت القمر حلاوتهم).

الملك سقنن رع والد الملك أحمس.
الملك سقنن رع والد الملك أحمس.

كيف طرد احمس الهكسوس من مصر؟

تخبرنا المصادر التاريخية أن أكبر معاقل الهكسوس كان بشمال مصر في الدلتا وعاصمتهم المسماة “اواريس” وهذا الاسم هو تحريف للأصل المصري القديم “حت وعرت” وهو الاسم الذى أطلقه المصريون القدماء على تلك المدينة التي تقع حاليا بتل الضبعة، محافظة الشرقية.

على الرغم من تمركز الهكسوس في الدلتا إلا أن نفوذهم قد وصل في بعض الأحيان جنوباً إلى محافظة المنيا التي ظهرت فيها بؤر موالية لهم خاض ضدها الملك “كامس” معركة من قبل وانتصر فيها.

رأس تمثال للملك أحمس الأكبر.
رأس تمثال للملك أحمس الأكبر.

مع اشتداد عود الملك الصغير “أحمس”، بدأت التجهيزات لحملة عسكرية حاسمة سيتحدد معها مصير البلاد، ومع حلول العام الثامن من حكمه وضع خطته محل التنفيذ فزحف في اتجاه الشمال عن طريق البر ليستعيد مدينة هليوبوليس ومعها العاصمة المصرية العريقة “منف” ومن ثم استغل عنصر المفاجأة وبدأ فوراً في محاصرة أواريس معقل الهكسوس، ولحق به الأسطول المصري بعد ذلك لتدعيمه.

كانت استراتيجية أحمس قائمة على الاتجاه إلى  أقاصي شرق الدلتا ليفرض سيطرته على قلعة “ثارو” أشهر تحصينات طريق حورس الحربى الشهير  ليقطع الطريق على أي إمدادات قد تدعم الهكسوس من كنعان، ومع الاستيلاء على مدينة هليوبوليس وقلعة ثارو أصبح بإمكان أحمس محاصرة أواريس من الشمال والجنوب.

بعد نجاح أحمس الساحق فى حصار أواريس طارد الجيش المصري فلول الهكسوس حتى حصن “شاروهين” خارج مصر ( جنوب غرب فلسطين حالياً)، لمعاودة الهجوم على الجيش المصري وإعادة احتلال ما فقدوه إلا أن أحمس كان مصراً على القضاء على الهكسوس هذه المرة فدام حصاره للقلعة ثلاث سنوات نجح بعدها في إنهاء خطرهم خارج الأراضي المصرية بل أن بعض المصادر تشير إلى مطاردة أخمس لفلول الهكسوس حتى المنطقة ما بين فلسطين ولبنان.

 

مع هذا النصر الساحق قرر أحمس بداية تحصينات دفاعية امتدت حتى الساحل اللبناني لتفادى أي خطر مستقبلي من جحافل الهكسوس التي لا يجمعها عرق أو هوية ويمكن زيادة أعدادهم بسهولة شديدة مع انضمام الآسيويين لهم طمعاً فيما حصلوا عليه سابقاً عندما احتلوا مصر.
مع ثبات وقوة تلك التحصينات نجح أحمس القضاء على خطر الهكسوس نهائيا وضمان عدم تكرار ما حدث لفترة زمنية طويلة فلم يعاود الهكسوس الكرة إلا في عصر الملك “تحتمس الثالث” بعد ما يزيد على عقدين وقد تلقوا هزيمة أخرى ساحقة فرقت شملهم مرة أخيرة حتى نهاية العصور المصرية القديمة.

ما بعد النصر

السيرة الذاتية للقائد احمس إبن إبانا من مقبرته بالكاب والتى أمدتنا بمعلومات عن طرد الهكسوس.
السيرة الذاتية للقائد احمس ابن إبانا من مقبرته بالكاب والتي أمدتنا بمعلومات عن طرد الهكسوس.

لم يكن طرد الهكسوس خارج البلاد نهاية المطاف فكان على الملك أحمس مواجهة خطراً داخليا آخر وهو المتحالفين مع الهكسوس والذى يصفهم عالم الآثار المصري د.سليم حسن أن هكسوسيتهم غلبت عليهم فأعلنوا العصيان على أحمس اعتراضا على ما حل بذويهم فلم يتردد أحمس في إخماد تلك الأصوات لتلقى نفس مصير أصدقائهم أو لربما أقاربهم لتطوى مصر صفحة أخرى فى سجل النصر.

أما آخر مهام الملك أحمس الحربية فكانت الالتفاف إلى النوبة القديمة التي كانت قد أعلنت العصيان بل والعدائية تجاه التاج المصري وتحالفوا سابقاً مع الهكسوس فقام الملك أحمس بالتعامل معهم عسكرياً نتج عنه انتصار ساحق وتعيين موظف مصري أطلق حمل لقب “ابن الملك في كوش” ( نائب الملك في النوبة) لتتبع النوبة القديمة مصر إدارياً بإشراف موظف من الإدارة المصرية.