إن عصر الملك “رمسيس الثاني” -وبلا شك- واحداً من أزهي عصور مصر طوال تاريخها, فهو الملك الذى حكم أرض مصر لسبعة وستون عاماً متواصلة خاض فيها العديد من المعارك وعلي رأسها معركة قادش وكان هو من وقع معاهدة السلام لاحقاً مع إمبراطورية الحيثيين وبالإضافة إلى إنجازاته العسكرية فهو واحد من أعظم البنائين في تاريخ مصر علي الإطلاق, إلا أن إرث رمسيس لم يتوقف عند هذا فحسب وإنما كان إرثه أيضاً يتمثل في أولاده الذين تباروا فيما بينهم ليثبتوا ولائهم وجدارتهم بالتحكم في مفاصل الدولة المصرية وكان على رأسهم أنجب أبناء رمسيس الثاني وواحد من أنبغ المصريين علي مر العصور, إنه الأمير “خع- إم-واست” او النجم الذي أشرق في المدينة إبن رمسيس الثاني الذي كان أحد الشخصيات المحورية في عهد والده.

رمسيس وتولي عرش مصر

ذات يوم ظهر ابى فى مجدة للناس

و كنت طفلا صغيرا بين يديه

فقال بشأنى: توجوة ملكا حتى استطيع رؤية كماله و انا على قيد الحياه

فوضع رجال البلاط التاج على رأسي

فقال ابى ضعوا ايضا الصل على رأسه

حتى يكفل وحدة هذة البلد فعظيما كان الحب الذى يكنه نحوى

و خصنى بحريم ملكى من جميلات القصر و اختار من اجلى زوجات و محظيات

فقد كنت مثل رع فوق الشعب بل و كانت مصر العليا و السفلى منذ ذلك الحين تحت يدى

يحكي لنا هذا النص من عصر “رمسيس الثاني” مدي تقدير أبوه “ٍسيتي الأول” له , فيقول رمسيس أن والده قام بتتويجه وهو لا يزال حياً (أشركه في الحكم) وكذلك يحكي لنا لقاؤه الأول بالمرأتين اللتين سيكون لهما أبلغ التأثير في حياته وهن “آست نفرت” و”نفرتاري” أولي زوجاته وأول معرفته بالنساء في حياته.

لاحقاً سيصبح رمسيس حاكماً مطلقاً لمصر بعد وفاة سيتي وسيظهر دور أبناءه في عصره ووظائف حكومته, وقد أنجب رمسيس من نفرتاري أبناء كثر أهمهم هو الأمير آمون حر خبش اف , با رع حر ونم اف, مري آتوم والأميرة ميريت آمون , ومن آست نفرت أنجب رمسيس, بنت عنات, خع إم واست, مرنبتاح ومن الواضح لأي قاريء لفترة رمسيس الثاني أـن رمسيس قد أعطي لأولاده وبناته جميعاً الفرص واحدة تلو الأخري وبشكل عادي ليصنعوا هم أمجادهم الشخصية.

أبناء رمسيس

في بداية عصره نجد أن رمسيس كان من الواضح أنه يفضل زوجته “نفرتاري” ويحبها حباً جماً وذلك مما شهدته آثار عصره وتكريمه لها علي جميع المستويات, كذلك فإن ولي عهد “رمسيس” كان إبنه الأكبر منها وهو الأمير آمون حر خبش اف وهو الأمير المحارب الذي سيرافق أبوه في معظم حملاته الحربية ومعه أخاه الأصغر با رع حر ونم اف الذي حاز علي لقب أشجع شجعان الجيش بعد معركة قادش وكذلك كري آتوم الذي أصبح كبير كهنة الإله رع في هليوبوليس وأخيراً إبنته ميريت آمون التي ستأخذ لقب الزوجة الملكية العظمي بشكل شرفي بعد وفاة أمها نفرتاري.

خع إم واست , المتحف الجديد , برلين
خع إم واست , المتحف الجديد , برلين

 

أما أبناؤه من آست نفرت فحصلوا علي الفرص بدورهم فالأمير “رمسيس” (الصغير) أصبح ولي عهد بعد وفاة أخاه, وبنت عنات أصبحت زوجة ملكية عظمي بشكل شرفي بعد وفاة نفرتاري مع أختها ميريت آمون أما الأمير خع إم واست فأصبح كاهناً في مدينة منف وتدرج في السلك الكهنوتي للإله بتاح حتي أصبح كبير كهنة بتاح في مدينة منف, وأخيراً الأمير مرنبتاح الذي جلس علي عرش مصر خلفاً لوالده وهو الإبن الثالث عشر لرمسيس في ترتيب أبناؤه جميعاً.

الأمير خع إم واست

إسمه يعني الذي أشرق في المدينة والمدينة هنا هي طيبة أو الأقصر حالياً, وهو رابع أبناء رمسيس في الترتيب وقد ولد في عصر جده الملك “سيتي الأول”, ومع توجهات رمسيس الحربية الواضحة في بداية حكمه فكان أولاده معه في طليعة القوات بدورهم, ومن أول التصويرات المبكرة للأمير “خع إم واست” في عصر رمسيس هو تصويره هو وأخاه الأكبر “آمون حر خبش اف” علي جدران معبد بيت الوالي خلف رمسيس وهم عل متن عجلاتهم الحربية, وقد كانت تلك الحملة علي بلاد النوبة ويظهر الأميران بخصلات شعر جانبية تمثل الأطفال في مصر القديمة ومن الواضح أن تلك الحملة كانت لربما في أوائل عهد رمسيس الثاني أو حتي في أواخر عهد “سيتي الأول” ورمسيس نفسه لا يزال ولي عهد لعرش مصر , وهو ما يفسر ظهور الأمراء في تلك الجدارية في هذه السن الصغيرة وكان وقتها الأمير “خع إم واست” لا يتعدي الأربع سنوات بأي حال من الاحوال.

وعلي الرغم من ان هذا الظهور كان شرفياً بالنسبة للأمير الصغير إلا أنه لا يمنع حدوثه بالفعل وأن رمسيس إصطحب ولداه الصغار في المعركة مع إبعادهم عن الساحة الامامية للقتال, ولكنه يخبرنا بأمر آخر وهو أن رمسيس كان يحضر أولاده ليكونوا في طليعة المقاتلين في الجيش المصري وهو ما ستخبرنا عنه بقية نصوص عصر رمسيس.

خع إم واست الأمير المحارب

لم يكن هذا الظهور الشرفي هو نهاية المطاف بالنسبة لأولاد رمسيس, فقد تكرر ظهورهم في مراحلهم العمرية في مناسبات أخري وعلي رأسها معركة قادش الشهيرة, والتي شارك فيها أبناء رمسيس فنجد الأمير آمون حر خبش اف يحذر القوات المصرية من هجوم الحيثيين, والأمير با رع حر ونم إف يأخذ حريم القصر الملكي لمنطقة آمنة بعيداً عن المعركة ومعهم اخاهم “خع إم واست” الذي ظهر في مناظر أخري كان أهمها وهو يقود الأمراء الأجانب الأسري لوالده ولآلهة مصر بعد قادش.

ومن ثم سيتكرر ظهور الأمراء ومعهم خع إم واست فيما عرف بإسم معركة دابور الأولى والثانية والتي حاصرت فيها قوات رمسيس القلعة ويظهر الأمراء في دور واضح وهم يصرعون ويأسرون قوات الأعداء بل وفي الصفوف الأولي للتسلل لداخل القلعة.

الأمير الكاهن

مع حلول حوالي العام 16 من عصر رمسيس الثاني وكنتيجة مباشرة لتوقيع معاهدة السلام مع الحيثيين, نجد أن رمسيس إتجه للجانب الداخلي أكثر من ساحات القتال والمعتركات الدولية, ومعه بعض من ابناؤه, فنجد أن رمسيس قد ألحق إبنه مري أتوم بالسلك الكهنوتي للإله رع في مدينة هليوبوليس أما أميرنا خع إم واست فقد إلتحق بكهنوت الإله بتاح في مدينة منف وحصل علي لقب كاهن “سم” ( رتبة كهنوتية في معبد بتاح), وترك الجندية لإخوة آخرين ليكملوا المسيرة.

إنشاء السرابيوم

مع إلتحاق ذلك الأمير النجيب بالسلك الكهنوتي لمدينة منف العريقة نجد أنه كان قراراً صائبا, فقد وجد الأمير نفسه في ذلك بل أنه كرس حياته كلها لمدينة منف, قد غير المنظومة بالكامل لتصبح في أزهي عصورها بل أنه قام بتغيير حفر إسمه في التاريخ المصري وإلى الأبد, فقبل خع إم واست كان من المعتاد في مصر القديمة أن تكون هناك دفنات للصور المقدسة للإله, وباختصار يمكننا أن نلخص ذلك في الآتي: في مدينة منف كان تجسيد الإله بتاح هو العجل “حبو” والذي يعرف حالياً بإسم العجل أبيس, وكان يتم إختياره طبقاً لمعايير كهنوتية ونبؤة تحدد ثور بعينه بخصائص معينة ليتم إختياره, فلابد أن يكون علي جبهته علامة بيضاء علي شكل مثلث, شكل ابيض لجناح نسر مصري علي ظهره, علامة جعران تحت لسانه, هلال علي جانبه الأيمن وأن تكون خصله شعر ذيله مزدوجة, وكان إختيار هذا العجل المقدس واحداً من أصعب المهام الطقسية نظراً لتلك الشروط غاية في الصعوبة , ولكن المصريين وياللعجب كانوا يعثرون علي عجل بهذه المواصفات ومن ثم يعتنوا به هو وأمه حتي تحين لحظة وفاته ويتم دفنه في جبانة مدينة منف (سقارة).

كانت تلك الدفنات قبل خع إم واست بسيطة فهي عبارة عن بئر دفن تحت الأرض يعلوه مقصورة توضح تاريخ دفن ذلك العجل, ولكن خع إم واست كان له رأي آخر, فبعد دفن عجلان في الاعوام السادس عشر والثلاثون وبعدما شهد خع إم واست دفنتان للعجل أبيس, نجد أنه تم تشييد مدفن جماعي لتلك العجول عبارة عن نفق به غرف جانبية (كهوف) يتم دفن كل عجل بداخلها, وهو ما سنعرفه الآن بإسم السرابيوم ذلك البناء العظيم الذي كان ذلك الأمير السبب في تشييده, ومن بعد خع إم واست أصبح تقليد كهنوت بتاح في منف أن تكون الدفنات بهذه الطريقة وقد إستمر المصريون القدماء في ذلك التقليد حتي العصور اليونانية الرومانية.

الأمير ولي العهد

لم يقتصر دور الأمير خع إم واست علي أعماله الكهنوتية فقط ولكنه كان مشرفاً علي أهم عيد مصري علي الإطلاق, وهو عيد “سد” او اليوبيل وتجديد شباب الملك نفسه, وكان يستغرق التحضير لذلك العيد شهوراً طويلة ويبلغ مدة الإحتفال به حوالي 17 يوم علي أقل تقدير, وقد أشرف الأمير علي العديد من مراسم ذلك العيد بعدما أام رمسيس لنفسه الكثير من اليوبيلات ولم يلتزم بفترة الثلاثون عاماً.

مع تقدم رمسيس في العمر وكذلك اولاده, نجد أن أولاده باتوا يموتون واحداً بعد الآخر بعدما بلغوا من العمر سن كبيراً فنجد أن أول اولياء العهد كان الأمير “آمون حر خبش اف” الذي توفي في حياة والده, ومن ثم تبعه أخاه الأصغر “رمسيس” (الصغير) الذي أصبح ولياً للعهد بعد أخيه ومن ثم توفي هو الآخر ليمتد عمر رمسيس طويلاً حتي يتوفي أولياء العهد ويحين دور الأمير خع إم واست في العام الخمسون من حكم رمسيس, وهذا يعني أن خع إم واست كان يقترب من الستون عاماً وقتها, وفي تلك الفترة نجد أن خع إم واست لم يغادر مدينة منف التي خدم فيها الفترة الأطول من حياته وقد خلف خع إم واست الكاهن الأكبر للإله بتاح المدعو “حوي” في المنصب الكهنوتي  ليتم تتويج مشوار ذلك الأمير الحافل بالإنجازات.

مع حلول العام 55 يتوفي الأمير خع إم واست ويأتي دور الأمير “مرنبتاح” – أخاه الأصغر- الذي سيصبح ولي عهد المملكة المصرية وتامتد فتر ة ولايته للعهد حتي العام 67 من حكم والدهم رمسيس ومن ثم يتم تتويجه ملكاً في نهاية الأمر خلفاً لرمسيس.

ومن المثير للإعجاب في عصر رمسيس الثاني أننا نجد ان زوجته المفضلة كانت نفرتاري وكان أول ولي عهد له هو إبنه الأكبر من نفرتاري, ولكن رمسيس لم يتوان عن منح الفرص لأبناؤه من زوجته الأخري آست نفرت, بل أنه فيما ييخص ولاية العرش نجد أن أبناء آست نفرت كانوا ثلاثة ممن تولوا ولاية العهد وهم رمسيس, ع إم واست, ومرنبتاح, وقد اثبت الزمن أن ابناء تلك الزوجة كانوا هم الاجدر والاكثر تفوقاً في النهاية وعلي رأسهم أميرنا النجيب “خع إم واست” أنجب ابناء رمسيس علي الإطلاق.

مهلا لم تنتهي القص هنا, فخع إم واست هو أول عالم مصريات في التاريخ وهو الأمير الذي سيحكي المصرون الحكايات عنه بعد وفاته بأكثر من ألف عام ,, ولكن هذا مقال آخر.