سر اللسان الذهبي في مومياء الإسكندرية
سر اللسان الذهبي في مومياء الإسكندرية

أعلنت وزارة الآثار المصرية في فبراير 2021 عن كشف أثري مثير في منطقة “تابوزيرس ماجنا”، وكان أبرز ما تم العثور عليه 16 دفنه في مقابر منحوتة في الصخر، وقد كانت تلك الدفنات من طراز الفتحات في الحائط والذى يميز عادات الدفن في عصور الاحتلال اليوناني الروماني في مصر القديمة، الكشف تم على يد البعثة الدوميناكانية، جامعة سانت دومينجو بقيادة عالمة الآثار “كاثرين مارتينيز”.

أما المفاجأة التي كانت في انتظار البعثة هو العثور على مومياء تم انتزاع لسانها ووضع لسان مصنوع من الذهب مكانه، في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الكشوف الأثرية في مصر.

تابوزيرس ماجنا .. أرض الإله أوزير

حقيقة الأمر أن بعثة “كاثرين مارتينيز” تعمل بالمنطقة منذ أعوام كثيرة وقد تم العثور على العديد من المكتشفات عن طريقها في السابق، بل إن الهدف الذى تسعى ورائه “مارتينيز” هو العثور على مقبرة الإسكندر الأكبر بتلك المنطقة.

تابوزيرس ماجنا، أبو صير مريوط.
تابوزيرس ماجنا، أبو صير مريوط.

عرفت تلك المدينة باسم “تابوزيرس ماجنا” والتي تسمى الآن أبو صير مريوط، والاسم اليوناني الروماني وكذلك الذى نعرفه بها الآن يجعلنا تلقائيا نعرف أن تلك المنطقة كان المعبود الرئيسي لها هو الإله أوزير، وهذا هو السبب الحقيقي في تسمية العديد من الأماكن في مصر  باسم “أبو صير” فكلها موروث مصري قديم من الكلمة المصرية القديمة “بر أوزير” والتي تعني بيت – معبد الإله أوزير أو أوزيريس.

أما ارتباط المنطقة بالإسكندر الأكبر وحتى الملكة كليوباترا يرجع لأن آثار تلك المنطقة يعود معظمها لعصور الاحتلال اليوناني الروماني لمصر، والذى كانت فيه الإسكندرية عاصمة لمصر في العصور اليونانية التي بدأت بالإسكندر وانتهت بالملكة كليوباترا السابعة.

الموت والذهب في مصر القديمة

كان للذهب أهمية كبرى في مصر القديمة فكانت أغلى المقتنيات تصنع منه ولا يوجد خير مثال على ذلك من كنوز الملك “توت عنخ آمون” الموجودة بالمتحف المصري في التحرير، وكانت تصنع منه الحلى والتوابيت والمنحوتات وحتى غطاء أصابع أيدي، وأقدام مومياوات الملوك في مصر القديمة كوسيلة سحرية لمنع نفاذ الأرواح الشريرة إلى اطراف المتوفى، حتى النعال التي سيبعث بها الملك في العالم الآخر كانت تصنع من الذهب الخالص بينما نعاله التي استخدمها في الحياة الدنيا مذهبة أيضا.

نعال وأغطية الأطراف من الذهب.
نعال وأغطية الأطراف من الذهب.

طوال العصور المصرية القديمة كانت الكشوف التي تحتوي على استبدال الأعضاء بذهب، أو معالجة الجسد بالذهب قليلة جدًا وذلك نظرًا لعقيدة المصري القديم في ذلك الوقت.

مع احتلال الإسكندر الأكبر لمصر تطورت العقيدة المصرية القديمة لتواكب العصر مع اعتناق الإغريق للمعتقدات المصرية ودمجها مع معتقداتهم لتخرج الديانة المصرية القديمة بشكل مختلف عما كانت عليه في العصور التي سبقتها.

كان من أبرز التغييرات على طقوس الدفن في تلك الفترة هي المقابر الجماعية التي يوضع الجسد بداخلها في فتحات في الصخر، وقد بلغت في بعض الأحيان عدداً هائلا من الدفنات كما هو الحال في منطقة كوم الشقافة التي تحتوى على “كتاكومب” (دفنات جماعية) بعدد كبير وهو السبب الذى جعل علماء الآثار يؤرخون الكشف الجديد بالعصرين اليوناني والروماني فورا.

كذلك شاع استخدام ما يسمى بالكارتوناج وهى بديل الأقنعة الذهبية فكان إطار من البردى وأحيانا القش ثم يغطى بطبقة من الجص ويغطى هذا كلها بإطار القناع الذى يكون مذهباً في بعض الأحيان، على الرغم من استخدام المصريين القدماء لأقنعة الكارتوناج في عصور سابقة إلا أنها شهدت انتشار غير مسبوق في تلك الفترة.

لسان من ذهب للكلام مع الآلهة

تباينت التصريحات والبيانات الصحفية، وحتى المقالات في تفسير العثور على اللسان الذهبي، فيرى البعض أن اللسان الذهبي كان للحديث مع الإله “أوزير” رب تلك المنطقة، ولكننا حتى  الآن بما أننا لا نعلم هوية صاحب المومياء، ولا مكانته ولا ظروف وطبيعة الدفن إن كانت تشير لمكانة عليا أو غيره فلا يمكن حسم الأمور الآن.

مومياء بلسان ذهبي
مومياء بلسان ذهبي

ولكننا نعلم أن سبب خلط الذهب بالأجساد في مصر القديمة كان يرجع لاعتقاد المصريين القدماء أن الآلهة أجسادها من ذهب وعظامها من فضة، وبالمتحف المصري مومياوات عديدة طبقت ذلك المفهوم حرفياً أشهرها مومياء لطفل توفى رضيعاً وتم طلاء جسده بالكامل برقائق ذهبية لمساعدته في بعثه في العالم الآخر ليأخذ مكانه وسط الآلهة والمبرأين.

مومياء لطفل مغطاة بالذهب, المتحف المصرى.
مومياء لطفل مغطاة بالذهب, المتحف المصرى.

إذا كانت استخدام الذهب يخدم فكرة الاندماج الإلهي فلربما كان وضع لسان ذهبي لتلك المومياء ليساعدها على الحديث الإلهي عندما يحاكم في العالم الآخر امام الإله “أوزير” شخصياً الذى كان قاضى الموتى، ليساعد المتوفى على تبرأة نفسه من أي ذنوب اقترفها في هذه الدنيا بينما لا توجد إشارات واضحة في الحضارة المصرية لأهمية اللسان الذهبي إلا ان في المعتقدات اليونانية الرومانية كان اللسان الذهبي هو الثمن الذى يدفعه المتوفى أجرا لخارون ملاح القارب الذى يعبر بهم نهر ستيكس وهو النهر الذى لا يعود منه احد ليصل بهم إلى بوابة العالم الآخر حيث تستقر الأرواح إلى الأبد.

لربما تكشف الأبحاث اللاحقة للكشف عن معلومات أخرى مع فحص المومياء، ونحن في انتظار الأيام القادمة التي ستعطينا تفاصيل من المؤكد أنها ستكون مثيرة.