أشهر آثار مصر على الإطلاق هي أهرامات الجيزة فمن منا لا يعلم خوفو وخفرع ومنكاورع؟

صحيح أن الملك خوفو كان والد الملك خفرع وجد الملك من كاو رع ولكن هناك حلقة مفقودة في عائلة الملك خوفو تضاف إلى ألغاز تلك الفترة.

عائلة الملك خوفو

تولى الملك خوفو عرش مصر خلفاً لوالده الملك سنفرو وقد تزوج أكثر من زوجة أشهرهم الملكة “ميريت إبت اس” أخته نصف الشقيقة وكذلك الملكة “حنوت سن”، وأنجب من الأبناء والبنات ما ضمن عرش مصر واستقرار القصر الملكي بعد وفاته.

كان أكبر أبناء الملك خوفو من زوجته “ميريت إبت اس” هو الأمير “كاوعب” والذى كان مقرراً له أن يتولى عرش مصر خلفاً لأبيه بينما كان له اشقاء أصغر في السن مثل “جدف رع”، ” باو إف رع”، “خفرع”، “جدف حور” وغيرهم من الأمراء أبناء الملك وأشقاء وإخوة ولى العهد “كا وعب”.

الأمير كاوعب ولى العهد.

حكم الملك “خوفو” البلاد من العاصمة منف (ميت رهينة حالياً) ووقع اختياره على هضبة الجيزة لتكون جبانة الأسرة، ومكان بناء أهرامها ومقابرها وبالفعل تم إنشاء الهرم الأكبر ودفن به الملك “خوفو” بعد وفاته.

إلا أن بعد وفاة الملك “خوفو” نجد أن التاريخ يخبرنا بمعلومة غريبة.

جدف رع ملكاً

مع وفاة الملك “خوفو” نجد أن من خلفه على العرش كان الأمير “جدف رع” وليس الأمير “كاوعب”!

ومما زاد من الغموض أن “جدف رع” قد ترك هضبة الجيزة وقرر – لسبب ما – أن يشيد هرمه في منطقة أبو رواش وليس هضبة الجيزة!

الملك جدف رع.
الملك جدف رع.

مما دعم الشكوك أن هناك شيء غير معتاد جرى في تلك الفترة هو روايات المؤرخين مثل “هيرودوت” والتي قالت بان “جدف رع” قتل أخاه “كاوعب” واستولى على العرش ومن ثم هرب بمنشآته إلى أبو رواش ليشيد بها هرمه بعيدًا عن هضبة الجيزة.

وحقيقة الأمر أن الرحالة الكلاسيكيين قد وضعوا الملك خوفو في صورة تقليدية خيالية تصوره ملكاً ظالما حرّم صنع التماثيل في عهده، وأنه بنى  هرمه بالسخرة والعبيد وكذلك أن الأهرامات الصغيرة بجوار هرمه تخص الملكات والأميرات وأنها بنيت بالدعارة حيث ذكر هيرودوت أيضاً أن بنات الملك “خوفو” كن يعملن بالدعارة وطلبن من كل عشيق لهم أن يجلب حجرًا يساهم به في بناء هرمها، هذه الخرافات وغيرها ساعدت على تدعيم فرضية قتل الأمير “جدف رع” لأخيه الأمير “كاوعب” في لعبة العروش في قصر الملك “خوفو”.

أمير مقتول وهرم مفقود

أما في منطقة أبو رواش، إذا قمنا بزيارتها فلن نجد سوى أطلال كانت هرماً يوماً ما، أنفاق داخلية تحت الأرض أصبحت مكشوفة للعيان مع زوال الهرم نفسه من على سطح الأرض، هذا الوضع هو ما وجده الأثريون الأوائل عند العمل بمنطقة أبو رواش.

فقد تم العثور على هرم مهدم، تماثيل مهشمة للملك “جدف رع”، وأنقاضاً لهرم ومبان كانت مجموعة هرمية يوماً ما، وهنا تم تبنى الفرضية الكلاسيكية مرة أخرى بحدوث جريمة قتل في قصر الملك “خوفو” بطلها هو الأمير “جدف رع” الذى اغتصب العرش وأصبح ملكاً.

أطلال هرم أبو رواش.
أطلال هرم أبو رواش.

 

الملك البريء

مع تقدم الزمن استطاع العلم أن يعثر على أدلة تمكننا ولأول مرة من تغيير الواقع التاريخي الذى إعتاد ترديده المؤرخين، فعلى سبيل المثال تم نفى فكرة بناء الأهرامات المصرية بالسخرة بعد اكتشاف مقبرة العمال بناة الأهرام بهضبة الجيزة والتي أثبتت أنها كانت لعمال يعملون بأجر كريم ويتلقون رعاية طبية وغذاء مناسب، وكذلك مكتشفات عصر الملك “خوفو” جعلت رواية بناء الأهرامات الصغيرة بالدعارة أشبه بدعابة سمجة لا صدى لها.

أما أهم ما تم التوصل إليه بخصوص قصتنا فكان العديد من الأدلة التي تنفى تلك الفرضية.

في مصر القديمة كان الملك القادم على عرش مصر هو من يدفن الملك المتوفى السابق، وفى حالة الملك “خوفو” نجد أن من أشرف على طقوس دفنه كان الملك “جدف رع”، ومما أثبت أن عملية تداول السلطة وقتها كانت سليمة هو عدم محو اسم الملك “جدف رع” من على واحد من اهم آثار الملك “خوفو” وهو إحدى الحفر التي عثر بداخلها على المراكب العملاقة للملك “خوفو”، فبداخلها عثر على اسم الملك “جدف رع” بداخل خرطوش باعتباره ملكاً متوجاً.

أما أهم الأدلة فتتعلق بعائلة الأمير “كاوعب” نفسه، فإحدى بناته هي “مر س عنخ الثالثة” والتي أصبحت ملكة على مصر بزواجها من الملك “خفرع”، تلك الملكة قد توفت في وقت لاحق بعد وفاة الملك “جدف رع”، ونجد في مقبرتها بهضبة الجيزة اسم الملك “جدف رع” منقوشاً ومعه اسم أبيها الأمير “كاوعب”، فكيف لها أن تضع اسم قاتل أبيها بداخل مقبرتها؟ بل وبجوار اسم أبيها نفسه؟

مقبرة الملكة "مرس عنخ الثالثة" بهضبة الجيزة.
مقبرة الملكة “مرس عنخ الثالثة” بهضبة الجيزة.

أما سبب تهدم هرم الملك “جدف رع” في أبو رواش، فيعطينا عالم الآثار الإنجليزي “فلندرز بترى” لمحة عما حدث، فيذكر أنه في عصر محمد على باشا كانت تخرج يومياً حمولة مائتي جمل محملة بالحجارة من المسروقة من المنطقة لاستخدامها في البناء في أماكن قريبة، أضاف لذلك الاكتشافات الأثرية التي أكدت أن عملية هدم هرم هذا الملك بدأت في العصور الرومانية واستمرت حتى عصور قريبة أشهرها عصر محمد على.

في نهاية الأمر حسمت تلك القضية التي لطالما أثارت حيرة العلماء لوقت طويل، والتي يمكن أن تعطينا درساً آخر وهو أن ما يدونه المؤرخون لربما يعتمد على الهوى أو الخيال في معظم الأحيان ويتبق فقط آثار مصر لتحكي لنا عن تاريخها الحقيقي.