كان الزواج من أولويات المصري القديم نظراً للأهمية القصوي للأسرة وكذلك رغبة الأب في أن يرثه إبناً سواء كان منصباً أو وظيفة أو حتي يحمل إسمه ويكون إرثه بعد رحيله عن عالمنا, إلا أن مصر القديمة قد شهدت تبايناً واضحاً ما بين عادات الزواج لدي الملوك والقصر الملكي وبين بقية طبقات المجتمع سواء كانوا من النبلاء أو العامة.
لماذا لم يزوج أمنحتب الثالث إبنته لملك بابل؟
عرفت طبقة الملوك وسكان القصر الملكي الزواج بين الإخوة لحفظ الدم الملكي وضمان إستقرار العرش لدم مصري خالص, وقد كان هناك تقليداً متعارفاً عليه في القصر الملكي وهو عدم جواز الأميرات بازواج أجانب, وقد كان للمصريون القدماء سبباً وجيهاً في ذلك, فزواج الاجنبي بأميرة من القصر الملكي سيعني بالتبعية أن إبن تلك الأميرة إن كان ولداً فلربما يكون له أحقية في المطالبة بعرش مصر لاحقاً وهو ما سيسبب مشكلة دينية وسياسية بخصوص تداول الحكم في مصر القديمة, وقد كانت هناك واقعة شهيرة في عصر الملك “امنحتب الثالث” والتي كشفت عنها الرسالة التي تحمل رقم 4 فيما سمي بمجموعة رسائل العمارنة والتي أرسلها الملك “كادشمان إنليل الأول” ملك بابل.
وانت يا أخي عندما كتبت لك أطلب إبنتك للزواج كتبت لي قائلا ” منذ الأزل ولم تمنح إبنة ملك مصر لأحد (أجنبي)” لم لا؟ أنت الملك تفعل ما تريد, من الذي سيتحدث عن ذلك؟
عندما علمت بتلك الرسالة أكتب إلى أخي قائلا: لربما هناك إبنة جميلة لشخص “مصري” جاهزة للزواج, أرسل لي إمرأة جميلة وكأنها إبنتك, من الذي سيشكك حينها أنها إبنة الملك؟
وعلي الرغم من ذلك فقد تمسكت بقرارك ولم ترسل أحدا!
ملك بابل كادشمان إنليل الأول أرشيف العمارنة EA4
تحكي تلك الرسالة الإستثنائية ردة فعل الملك أمنحتب الثالث عندما طلب منه ملك بابل أن يرسل إبنته ليتزوجها, ولكن أمنحتب رفض, فألح ملك بابل طالباً من أمنحتب الثالث أن يرسل أى إمرأة مصرية وسيتظاهروا بانه إبنة أمنحتب الثالث ولكن حتي هذا لم يحدث وقوبل طلب ملك بابل بالرفض التام, وهو ما يوضح تماماً السياسة المصرية الصارمة بشان الزواج الملكي, ولكن علي جانب آخر فنجد أن ملوك مصر قد تزوجوا بأميرات أجانب وعلي رأسهم أمنحتب الثالث نفسه, وكذلك نجد الملك رمسيس الثاني الذي تزوج إثنتان من بنات الملك “خاتوسيل الثالث” ملك الحيثيين, وقد كانت تلك الزيجات غرضها سياسي بحت مع تمسك المصريون بموقفهم الثابت من عدم إختلاط الدم الملكي بدم أجنبي فنجد علي سبيل المثال خاتوسيل الثالث يبعث لرمسيس الثاني بعد زواجه من إبنته ليسأله إن كانت أنجبت منه أبناء أم لا؟ بل ويذكر لرمسيس أنه لو أنجبت إبنته من رمسيس طفلاً فسيجعله ولي عهد مملكته!
وهو نوع من المداهنة السياسة من جانب خاتوسيل الذي لربما كان يطمح في أن تنجب إبنته من رمسيس أبناً وبضربة حظ لربما يصبح ولي العهد, وعلي الرغم من عدم حدوث ذلك وعدم إنجاب رمسيس من الأميرة الحيثية إلا أن خاتوسيل قد أرسل إبنة أخري لرمسيس ولكن كان مصيرها مثل سابقتها وتم إرسالهم للحريم الملكي في “مر ور” (الفيوم حالياً) بعيداً عن العاصمة وعن دهاليز القصر الملكي.
الزواج لدي عامة الشعب
وعلي النقيض الآخر فنجد أن الشعب المصري القديم كانت عاداته في الزواج مختلفة عن ملوكه, فلا توجد حالات مسجلة للعامة تزوج فيها الإخوة، وكانت تلك الممارسة مقصورة علي القصر الملكي للأسباب التي ذكرناها سابقاً.
وقد كان الزواج في مصر القديمة عادة يتم مع البلوغ مع ضمان المقبل علي الزواج وظيفة ومصدر رزق يستطيع أن يعول به أسرة
یا بنى , اتخذ لنفسك زوجة و أنت لا تزال شابا
لتنجب لك ولدا
احرص على أن تنجب ولدك و أنت لا تزال صغیرا فى السن
عسى أن تعیش لتراه قد صار رجلا
ان الأبناء ھم بھجة قلب الرجل , و ھم عزوتهمن تعاليم الحكيم المصري آني
وقد كان الزواج بسيطاً في مراسمه , فكان الزوجان ينتقلان للمعيشة سوياً ويمكن أن يحررا عقداً يضمن للزوجين حقوقهما في حالة الطلاق, وقد تعددت النصوص التي تتحدث عن حقوق الزوج والزوجة في مصر القديمة وياتي علي رأسها تعاليم الحكيم “آني” وكذلك بتاح حتب وكانت تلك النصائح يتم تداولها عبر الأجيال كنصائح للمتزوجين في مصر القديمة لتحدد طبيعة علاقة الرجل بزوجته.
ومن بعض عقود الزواج التي نجت من مصر القديمة نجد أن العقد قد تضمن أن يقدم الزوج لزوجته مكيالاً من القمح بشكل يومي والزيوت شهرياً علي أن يعولها بشكل كامل بل أنه يتكفل بنفقات زينتها والعناية بجمالها.
لا تمثل دور الرئیس مع زوجتك فى بیتھا
اذا كنت تعرف أنھا ماھرة فى عملھا
و لا تقول : “أین هذا وذاك , أحضریه لنا”
اذا كانت قد وضعته فى مكانه الصحيح
و اجعل عینك تلاحظ فى صمت
حتى یمكنك أن تتعرف علي أعمالها الجيدة
ساعدها في عملھا , فان ذلك سیسعدھا
و بذلك یتجنب الرجل الشجار في منزله.من تعاليم الحكيم المصري آني
تعدد الزوجات بين النبلاء
مما تخبرنا المصادر الأثرية في مصر القديمة هو تعدد الزوجات لدي عامة الشعب ( الطبقات الأدني من القصر الملكي) , فقد أعطتنا المصادر التاريخية معلومات عن وجود تعدد زوجات لدي طبقة النبلاء في مصر القديمة بينما كانت شحيحة جدا فيما يتعلق بعامة الشعب.
وبالنسبة للنبلاء كان هناك نوعان لتعدد الزوجات أولهما كان إتخاذ النبيل لزوجة رئيسية يكون لها إمتيازات عن بقية زوجاته ومهام تكلف بها هي دوناً عن غيرها بل أنها كانت له سلطة علي الزوجات الأخريات فيما يتعلق بشئون المنزل وترتيباته, وهو ما يتضح من نقوش الدولة القديمة التي تصور زوجات معينة للنبلاء تصور مساوية لزوجها في الحجم بالجدارية وكذلك يتم تصويرها أكثر قرباً لزوجها فتحتضنه علي سبيل المثال أو تحيط خصره بيديها او تضعها علي كتفه, أما النوع الثاني فكان المساواة بين جميع الزوجات مع وجود زوجة رئيسية ولكنها لا تحوز علي أى إمتيازات عن بقية الزوجات.
عقود الزواج في مصر القديمة
كان الزواج يتم بثلاث خطوات أساسية في مصر القديمة , تبدأ بالقبول ورضا الطرفين بأن يتزوج كلاً منهما الآخر, وقد وصلت لنا نصوصاً من مصر القديمة عن رسائل متبادلة وأشعار غزل ما بين العشاق أخبرتنا بذهاب الشاب لمنتزل الفتاة ليطلبها من أبويها, ويي تلك المرحلة دفع “المهر” وهو مبلغ من المال يتعهد بدفعه الرجل وتتحدد قيمة ذلك المبلغ حسب مكانة الفتاة الإجتماعية وكان المهر في مصر القديمة يتألف من ذهب وفضة وكذلك مواداً غذائية وأراضي, وفي بعض الأحيان نجد أن المهر لم يتم تحديد قيمته مع تعهد الزوج بدفعه, ومن ثم تأتي مرحلة ثالثة وهي هدية الأب لإبنته في حالة الزواج , وقد تنوعت تلك الهداياً ما بين ذهباً وفضة وأراضي وكان أشهر تلك الهدايا هي المنازل لأسباب سنذكرها لاحقاً.
وقد كان الزواج يتم في مصر القديمة بعقود موثقة تحتوي علي بنود أساسية وحتي بعض البنود الفرعية وشروط من الطرفين, فكان العقد يتكون من تاريخ الزواج, إشهاره, طرفي العقد, ومن ثم بند الزواج الذي يعلن فيه المتزوج إتخاذ فلانة زوجة, ثم يتم ذكر قيمة المهر يلي ذلك إلتزامات الزوج من توفير معيشة كريمة لزوجته وتزويدها بصفة دورية لما تتطلبه من مأكل ومشرب وكسوة وحتي مصاريف الزينة, وقد تضمن ذلك الباب في بعض الأحيان الشرط الجزائي في حالة الطلاق, ويلي ذلك البند ضمانات ذلك الزواج ثم بند الإنفصال وشروطه يليه بند الأطفال وتقسيم الممتلكات في حالة الإنجاب ثم إلتزام الزوج بعد الإفتراء علي زوجته كذباً ليقاضيها, ثم تدون قائمة المنقولات كما نعرفها حديثاً بنفس الشكل علي أن تتضمن تفنيد الممتلكات المشتركة وكذلك الممتلكات الموروثة ويلي ذللك بنوداً أخري يتفق عليها الطرفان منها الإلتزام بالمؤخر وإلتزام الزوج بالدفاع عن حقوق زوجته في حال قاضاها أحدهم ونجد أن البعض أضاف بنوداً تأمينية بقدر أكبر تقضي بأحقية الزوجة لكافة ممتلكات زوجها وكذلك توقيعه علي وثيقة توزاي قيمة ما دفعته الزوجة , وبعدها ختام العقد وتوقيع الشهود.
شرط الطلاق عند الزواج بأخري
“لقد أعطيت ورضي بذلك قلبي ,مالا لكي تجعلني لك زوجة , ولن تتخذ لنفسك أمرأة آخري كزوجة لك”
يعود النص السابق لعصر الملك “بسماتيك الثالث” حوالي 525 ق.م, وهو وثيقة بين زوجة وزوجها تشترط فيه عدم الزواج بأخري.
ومن أشهر العقود التي نجت من مصر القديمة نجد ذلك العقد الذي يعود إلى عصر الملك نختنبو الثاني حوالي 340ق.م بالإضافة إلى عقود أخري في عصور تالية وقد كانت عقود الزواج في مصر القديمة تتضمن تفاصيل غاية في الدقة تضمنت مهراً للزوجة وحددت شروط الإرتباط والإنفصال وكذلك الوضع في حالة إنجاب الأطفال وضمان حمياتهم, كما تضمن ذلك المنقولات التي ساهمت بها الزوجة وكذلك التي ساهم بها الزوج وتطرقت العقود أيضاً إلى تعويض في حالة إنفصال الزوجين وتضمنت تلك العقود شهوداً عليها.
الطلاق في مصر القديمة
ان الزنا لجرم عظیم
یستحق الموت إذا إرتكبه المرء
ثم يتم إعلام ذلك للجميع
لأن إرتكاب تلك الخطيئة يسهل علي الإنسان بعدها أن يرتكب كل ذنبمن تعاليم الحكيم المصري آني
تعددت أسباب الطلاق في مصر القديمة, علي أننا يمكن أن نستنتج أن الخيانة الزوجية كانت جرماً يتحتم معه الطلاق أيما إقترفه أحد الطرفين , وقد تمتع الطرفان بالحق في الطلاق وكانت هناك بعض النصوص من مصر القديمة تخبرنا بوضع شروط جزائية في حالة الطلاق فإذا طلق الرجل زوجته نص العقد في بعض الأحيان علي دفعه لغرامة مالية كبيرة بالإضافة إلى أحقيتها في نصيب من كل ما كسبه أثناء حياته معها, وإذا كانت المرأة هي المطلقة فإنها تدفع بالمثل صداقها , بل أن هناك نصاً يذكر بإلتزام إمرأة بدفع تسعة أمثال صداقها في حالة أن أحبت رجلاً غير زوحها بالإضافة إلى ثلث ما تملكه , وإن لم تكن تلك النصوص قاعدة ثابتة أو لها أسباب فالرغبة في الطلاق نفسها كانت تستوجب الغرامة في بعض الأحيان.
وقد لجأ بعض الأهالي لتأمين مستقبل بناتهن عن طريق هبات تمنح لهن عند الزواج فنجد أباً يمنح إبنته منزلاً بمناسبة زواجها وذلك ليكون ملاذا لها في حالة الطلاق أو تخلي زوجها عنها.
أسباب الطلاق في مصر القديمة
لم تصل لنا أسباب محددة للطلاق في مصر القديمة علي أننا كما ذكرنا يمكن أن نستنتج أن الخيانة الزوجية كانت سبباً قاطعاً للطلاق, فإن خانت الزوجة زوجها فذلك يتطلب الطلاق والعقوبة, وكذلك للزوجة الحق في التطليق إذا دأب زوجها عيل الخيانة أو التقليل منها, كذلك فعدم إنجاب الأطفال في بعض الأحيان كان سبباً للإنفصال وإن لجأ البعض في تلك الحالة إلى التبني الذي كان معروفاً وشائعاً في مصر القديمة كبديل لعدم إنجاب الأطفال, كذلك نجد أسبابا منها عدم رغبة أحد الطرفين في الإستمرار بالحياة الزوجية ورغبته في بدء حياة جديدة, ومما يلفت الإنتباه أن الزواج والطلاق في مصر القديمة كان شأناً مدنياً يخص الزوج والزوجة لا شأن للتشريع بها, فقد إعترف القانون المصري بحق التقاضي بدون أي رقابة علي هذا الحق.
ستة عشر شاهداً للزواج وأربعة للطلاق
ومن المثير للدهشة أن عقود الزواج كان عدد الشهود عليها في أحيان كثيرا ستة عشر شخصاً وكما كان هناك عقوداً للزواج كانت هناك عقوداً للطلاق ويبغ عدد شهودها أربعة شهود, وقد كان للطلاق هو الآخر إجراءات شكلية منها تدوين وثيقة لتوثيقه , ومما يمكننا أن نستنتجه من جعل عدد شهود الطلاق أربعة فقط هو أنه لم يكن شيئاً مستحباً في مصر القديمة.