أسرار العملات المصرية والآثار المصرية المرسومة عليها
أسرار العملات المصرية والآثار المصرية المرسومة عليها

للعملات الورقية المصرية الحالية بريق خاص ورونق مختلف عن عملات العالم، لا أخفى عليكم القول أنى أعتبرها أجمل أشكال العملات الورقية في العالم أجمع، السبب هو ان تصميم تلك العملات يعكس الإرث الحضاري الهائل للحضارة المصرية على مر العصور، سنستعرض معا بعض قصص الآثار المصرية على العملات الورقية الحالية.

رمسيس الثانى والخمسون قرشاً

خمسون قرشاً
خمسون قرشاً

 

على ظهر الخمسين قرش الورقية يوجد صورة النصف العلوى لواحد من اجمل تماثيل الملك رمسيس الثانى على الإطلاق، هذا التمثال الذى يصوره في شبابه يرتدى تاج “خبرش” الأزرق الذى يزينه الكوبرا الملكية ويمسك بيده اليمنى صولجان يسمى صوجان”حقا” ويرمز للحكم، بينما هو يرتدى رداء غاية فى الأناقة مصنوع من الكتان، يعد هذا التمثال هو أحد أجمل تماثيل عصر رمسيس الثانى وموجود حالياً بمتحف تورين للآثار المصرية، إبطاليا، وهناك بالمتحف المصري تمثال مشابه له ولكنه في حالة سيئة ومهشم للغاية.

وبالأسفل على اليمين نجد خرطوش الملك “رمسيس الثانى” وبداخله لقب تتويجه وهو “وسر ماعت رع ستب إن رع” (الخرطوش هو شكل بيضاوى يكتب فيه إسم الملوك والملكات).

 

أبو سمبل والجنيه

الجنيه المصرى.
الجنيه المصرى.

 

تظهر واجهة معبد أبو سمبل الكبير على الورقة فئة الجنيه, وهو المعبد الذى شيده رمسيس الثانى في بلاد النوبة ومعه معبد آخر صغير كرسه لزوجته “نفرتارى” والإلهة حتحور, وعلى جانبي الواجهة يوجد خرطوشين مكتوب بأحدهما اسم رمسيس الثانى والآخر اسم زوجته نفرتارى، بدأ العمل في تلك المعابد في السنوات الأولى من فترة حكم رمسيس الثانى كتقليد مصري قديم ببسط النفوذ المصري على بلاد النوبة وإرساله رسائل للمحليين هناك بقوة وسلطان مصر كما كان لهذان المعبدان غرض اقتصادي واضح فالقرابين المقدمة له هناك ستساعد على إنعاش خزائنه وترسيخ الجزء العقائدي المرجو منه المعبد.

ولهذا المعبد العديد من القصص المثيرة أهمها الزلزال الذى حدث في عصر رمسيس الثانى وتسبب في خسار فادحة بالمعبد بل وسقوط التمثال الثانى من اليسار ولم يفلح المرممون المصريون وقتها من فعل شيء بخصوصه فتركوه كما هو، كما أن ذلك المعبد يشهد ظاهرة استثنائية تحدث مرتان من كل عام في 22 فبراير و 22 أكتوبر حيث تشق أشعة الشمس طريقها إلى داخل المعبد لتشرق على وجه تمثال الملك رمسيس الثانى بداخل قدس أقداس المعبد وهو يجلس بجوار آلهة مصر الكبار “آمون”، “رع حور آختى” ، بتاح.

وقد كان موعد تلك الظاهرة في الأصل هو يومي 21 فبراير و 21 أكتوبر وقد تأخرت لمدة يوم كامل بعد نقل المعبد في الستينيات لتفادى غرقه هو وآثار النوبة مع بناء السد العالي، وقد تعددت معابد رمسيس الثانى في النوبة ولم يشيد أي ملك مصري أي معبد بالنوبة لفترة تقارب الألف عام بعد رحيل رمسيس عن الحياة، ويعد معبد أبو سمبل الكبير هو المعبد الوحيد الذى لم يسكنه الأحياء في العصور الحديثة فلم يسكنه الناس ولم يتحول لدير كباقي معابد مصر القديمة وقد كشف عنه المغامر الإيطالي النصاب “جيوفانى بلزونى” بعدما أزاح عنه الرمال لينتشله من غياهب النسيان في عام 1817.

 

حابى والخمسة جنيه

الخمسة جنيهات.
الخمسة جنيهات.

أما على ظهر ورقة فئة الخمسة جنيهات، فنجد منظر يمثل روح الفيضان الإله حعبى ممسكا بمائدة عليها عطايا النيل ويظهر فى هيئته المعتادة من جسد مترهل بعض الشيء ليعبر عن خصوبة وخير الفيضان بينما في الأسفل على اليسار نجد منظر للحياة اليومية والزراعة، وعلى اليمين منظر آخر من الحياة اليومية للمصري القديم يمثل الصيد في أحراش الدلتا وبجوارهم عملية نقل تمثال بداخل مقصورة، ويعرف الإله حابى في مناسبات كثيرة بأنه إله الفيضان وهو ما ليس دقيقاً تماما حيث أن “حعبى” (ووهو إسمه المصرية القديم) يعبر أكثر عن روح الفيضان المحملة بالخير لذلك يصور دوماً بتبك الهيئة المعبرة عن الخير والرخاء الذى يجلبه الفيضان لمصر.

 

عشرة جنيهات ومعجزة خفرع

العشرة جنيهات.
العشرة جنيهات.

أما على ظهر زرقة فئة العشرة جنيهات فنجد واحد من أكمل التماثيل المصرية والموجود بالمتحف المصري وهو تمثال الملك خفرع صاحب الهرم الأوسط بهضبة الجيزة، الصورة تمثل الجزء العلوى من التمثال فى منظر جانبي يصور الملك وخلفه الإله حورس إله الملوك والملكية فى مصر القديمة يحتضن رأس الملك بجناحيه ليرعاه ويحميه، تم العثور على هذا التمثال بداخل حفرة بمبعد الوادي الخاص بالملك في هضبة الجيزة.

ولهذا التمثال أهمية حيث يعتبره علماء الآثار أكمل تمثال تم نحته على الإطلاق وهو مصنوع من حجر النايس (القريب من الديوريت) ويمثل الملك جالسا على العرش يحيط بجانبي العرش منظرين للإله حابى في منظر متقابل كرمز لتوحيد القطرين، بينما خلف الملك يحيط به الإله حورس بجناحيه ولا يظهر الإله حورس أبدا للمشاهد إلا إذا نظر من الجانب أو من الخلف ، وقد فسر علماء الآثار هذا التمثال بانه تجسيد لعقيدة الإله (اوزير) أوزوريس إله الموتى وقاضيهم، حيث أن العرش هو العلامة الهيروغليفية التى تعبر عن الإلهة إيزيس، والملك خفرع هنا في التمثال يمثل المتوفى وكل متوفى في مصر القديمة هو أوزوريس، بينما الإله حورس يحيط برأس الملك فتصبح رسالة هذا التمثال هي الثالوث المقدس لعائلة أوزوريس.

 

العشرون جنيها

العشرون جنيهاً.
العشرون جنيهاً.

العشرون جنيها غنية بمنظرين فريدين الأول هو الملك سنوسرت الأول يفتتح مائدة القرابين في طقسة تسمى الضرب أربع مرات، فنجده واقفاً بالزي الملكي والنقبة القصيرة يرتدى تاج الجنوب الأبيض ويمسك بيده صولجان “سخم” ليفتتح مائدة القرابين، وقد صور ذلك المنظر على جدران المقصورة البيضاء بمعبد الكرنك والتى شيدها الملك سنوسرت الأول بداخل المعبد وهى واحدة من أقدم آثار مجمع معابد الكرنك.

أسفل الملك سنوسرت نجد  منظرين للمك “بطلميوس الثانى” وهو يتوج من رموز الجنوب والشمال ممثلتان في هيئة امرأتين، والثاني يمثله أمام الإلهة سشات إلهة الإحصاء في مصر القديمة ومعها الإله حورس.

بينما على اليسار نجد منظر للملك “رمسيس الثانى” على عجلته الحربية فى وهو من مناظر معبد بيت الوالي في النوبة والذى صور على جدرانه إحدى حملات رمسيس على النوبة بصحبة اثنان من أبناءه.

 

حورس والخمسون جنيهاً

الخمسون جنيهاً.
الخمسون جنيهاً.

يبدو أن مصمم العملة فئة الخمسون جنيهاً كان معجباً بالإله “حورس البحديتى” سيد مدينة إدفو، فالمعبد مصور قطاع منه على الجزء الأكبر من العملة بينما فى الأعلى توجد صورة لقرص الشمس المجنح وهو رمز الإله حورس البحديتى بينما أقصى اليسار نموذج لمركب مصري قديم كبير الحجم، معبد إدفو هو واحد من أكمل المعابد المصرية القديمة من حيث اكتمال عناصره المعمارية وقد تم إنشاؤه في العصور البطلمية على أنقاض معبد أقدم منه كان مشيداً في العصور المصرية القديمة وقد كرس لعبادة الإله “حورس البحديتى” والذى يعنى اسمه حورس المنتمى لمدينة بحدت وهى إدفو حالياً.

 

المائة جنيه والشاهد على الزمان

المائة جنيه.
المائة جنيه.

يستطيع أي شخص بسهولة أن يميز ما هو مصور على الورقة فئة المائة جنيه، فعليها توجد صورة أشهر تماثيل الحضارة المصرية على الإطلاق وهو تمثال أبو الهول القابع بهضبة الجيزة يحرس أهراماتها منذ آلاف السنين، وقد اختلف العلماء في تحديد هوية الملك الذى يحمل وجه أبو الهول، فهل هو الملك خفرع ؟ ام هو الملك خوفو وقد قام أحد أبناؤه إما خفرع وإما جدف رع بنحت التمثال يحمل ملامحه تكريماً له؟

أما أروع الأشياء التي صورت على تلك الورقة هي الجملة الموجودة على اليسار والمكتوبة بالخط الهيروغليفي وتقول : كمت حج 100، وتعنى : مائة (وحدة نقدية) مصرية، أي أنه لو بعث أحد المصريين القدماء من مرقده سيستطيع قراءة ما هو مكتوب وسيعرف أن هذه عملة تدل على النقود.

 

كاتب مجهول على المائتى جنيه

المائتى جنيه.
المائتي جنيه.

أشهر تمثال لكاتب مصري على الإطلاق هو تمثال الكاتب الذى لا نعرف اسمه والمصور على المائتي جنيه، يوجد هذا التمثال بالمتحف المصري وقد عثر عليه بمنطقة آثار سقارة، وعلى اليمين بجوار الكاتب نجد لفتة رائعة متمثلة في جملة مكتوبة بداخل خرطوش تقول : حتبو كمت وتعنى: مصر السلام (مصر راضية)، كان وظيفة الكاتب واحدة من أهم الوظائف في مصر القديمة إن لم تكن أهمها على الإطلاق .

ولفظ كاتب هو لفظ خادع بعض الشيء، فكل التماثيل التي صورت هيئة الكاتب في مصر القديمة لم تكن لكتبة فعليين، تعلم الكتابة في مصر القديمة كان أولى خطوات العلم والتدرج في المناصب والحظوة.

وكذلك فإن الكتبة في مصر القديمة كانوا درجات فهناك كتبة شون الغلال وكتبة المقاطعات وحتى الكتبة بالقصر الملكي، كما غالبية الموظفين المصريين العاملين بالحكومة في المهن الإدارية كانوا من الكتبة، لذلك فكانت وظيفة الكاتب هي الأهم في مصر القديمة وهى السبيل في التدرج الوظيفي وصولاً إلى أرفع مناصب الدولة وهو منصب الوزير.

 

ختام

لربما يتفق معي القارئ في رأيي الذى طرحته في بداية المقال عن جمال العملات المصرية وبراعة مصمميها الذين أوصلوا حتى رسائل بلغتنا القديمة عبر تلك العملات وليس فقط مجرد صور عشوائية لآثارنا وتاريخنا المصري القديم العريق، ومما هو ملفت للنظر تكرار آثار رمسيس الثانى على عملاتنا ولم لا فهو خير سفير لحضارة مصر بأكملها والملك الذى خلبت آثاره لب العباد.