استعرضنا في مقالات سابقة مصادر المعرفة العلمية لتاريخ مصر القديم كما تطرقنا إلى نظرة اليهود والإغريق والآسيويون إلي تاريخ مصر القديم، ولكن هذا كله يعد لا شيء بجوار المصادر العربية التي تحدثت عن مصر قديماً وعن تاريخها، وترجع أهمية تلك الكتابات ليس إلي محتواها وإنما إلي الارتباط الوثيق بل والتشابك ما بين الثقافة المصرية الحالية والثقافة العربية وعلي رأسها اللغة العربية.

مصر والعرب

إذا كانت مصر قد عرفت تعاملات تجارية بل وصدامات عسكرية وحتي احتلالات من شعوب العالم القديم فقد مر عليها الكثير وكان العرب أحدثهم, فعلي سبيل المثال نجد أن مؤرخاً مثل هيرودوت – مع تحفظنا علي كتاباته كما ذكرنا سابقاً- قد ذكر أنه زار الجزيرة العربية بالفعل وكان ما دونه ليس بالكثير أو الملفت للنظر فكتاباته حكت عن بدو رحل وبيئة صحراوية قاسية وهو أمر طبيعي لأان هيرودوت نفسه توفي قبل أربعمائة عام ويزيد علي مبلاد المسيح.

أسفار هيرودوت في مصر
أسفار هيرودوت في مصر

إلا أن الملفت للنظر مما سنعرفه لاحقاً أن وبما أن العرب أبناء القارة الآسيوية التي كانت قوافل التجارة تجوبها براً وبحراً عبر الصحاري والبحار فكان من الطبيعي أن ينتقل يصبح ذلك التراث الآسيوي متداولاً في شبه الجزيرة من جملة ما كان يتم تداوله هناك بالإضافة إلى معتقداتهم وروياتهم الخاصة بهم، إلا أنه علي الرغم من ذلك لم يكن ذلك كافياً لتداول تلك الروايات أو حتي تدوينها فنحن هنا نتكلم عن عالم ما قبل الإسلام.

وقد بدأت علاقة مصر بالعرب في فترة متأخرة جداً من تاريخها وكان جل تلك العلاقات في العصور البيزنطية مع طرق التجارة عبر البحر الأحمر وهو الذي جعل عمرو ابن العاص وبذكاء شديد يتخذ من أهل اليمن نواة الجيش الذي دخل مصر في النهاية وذلك لمعرفتهم بدروب مصر بحكم معرفتهم التجارية ولذلك وحتي يومنا هذا فإن أقرب اللهجات للمصرية هي اللهجة اليمنية.

 

مصر قبل الإسلام مباشرة

في العصور الرومانية شهدت مصر تصاعداً للصوت اليهودي المتمثل في يهود الإسكندرية وعلي رأسهم “يوسف متياهو” او يوسيفوس فلافيوس الذي حول تاريخ اليهود من مجرد مادة للسخرية إلى مجلدات مكتوبة ومناظرات مع غيره من الفلاسفة ونجح وبشكل ما هو وآخرون في حجر مكان في الركب الحضاري بل وفي تاريخ مصر فأصبحت الرواية اليهودية لتاريخ مصر احد الروايات المتداولة عن مصر القديمة.

يوسفيفوس فلافيوس
يوسفيفوس فلافيوس

ويمكننا إلى حد ما أن نرجح وجود تأثير يهودي قوي علي التراث المعرفي العربي بمصر وذلك لأن يهود الجزيرة العربية كانوا يعيشون وسط المجتمعات العربية وفي قلبها وفي نفس البيئة بينما جزء منهم بمصر يتواصلون معه من حين لآخر عبر القدس, ومن ضمن ذلك كانت مروياتهم عن تاريخ مصر القديم.

 

مصر والعرب والإسلام

لا ينكر عاقل أن دخول العرب المسلمون لمصر لم يعقبه إنتشار سريع وتوغل للإسلام ولكنه وجد طريقه إلى المجتمع المصري رويداً رويداً ومن ثم ومع تحول اللغة العربية إلى اللغة الرسمية لمصر فقد أصبح الإسلام هو الخيار الأمثل أمام المصريين بعد مرور فترة من الزمان بدأت مع تعريب الدواوين في العصر الأموي ومن ثم التنوع الثقافي المهول في العصور العباسية وتغير طبقات المجتمع مما جعل العربية تلقي رواجاً هائلاً وكذلك الإسلام حتي أصبحت مصر في النهاية وفي لحظات فارقة من التاريخ هي حامية العالم الإسلامي بل والمدافعة عن العالم أجمع ضد غزوات كثيرة سترد علي أرضها.

 

العرب يحكمون مصر

مع إنتشار الإسلام وكذلك الكتب المتعلقة بالدين الإسلامي نجد أن علماء الدين والفقهاء المبكرين لم يكتفوا بكتابة الكتب الدينية كالتفسير والفقه والحديث وإنما إتجهوا إتجاها آخر وهو الكتب التاريخية والتي تحكي تاريخ الأمم السابقة ومن ضمنها مصر, وقد بدأ هذا الإتجاه مبكراً جداً فبعد أن كانت بعض المرويات تتناقل من شفاه لأخري عبر الجزيرة العربية نجد انها ولأول مرة يتم جعها وتدوينها في كتب من الحجم العملاق.

فعلي سبيل الثال نجد أن من الكتب الرائدة في هذا المجال هو تاريخ الملوك والأمم المعروف ب “تاريخ الطبري” والذي تناول فيه تاريخ مصر منذ ما قبل الطوفان وحتي دخول العرب المسلمون ثم ما عاصره هو بنفسه في حياته, ومن ثم توالت الكتابات تؤكد القديم بل وتضيف عليه بعض الأحداث الإضافية من هنا وهناك.

وعلي الرغم من ان تلك الكتابات كثيراً منها ليس لها أى قدسية دينية ولا تستند علي نصوص مقدسة من أى شكل إلا انها أصبحت رواية “شبه رسمية” عن تاريخ مصر القديم, حتي وصل إلينا القسم الأكبر بجميع الروايات السابقة وما زاد عليها علي يد المقريزي صاحب كتاب الخطط المقريزية، والوضع هنا ختلف فالمقريزي وعلي الرغم من أن أصوله كما يروي علماء العرب والمسلمون ان أصوله ليست مصرية وإنما كان أبوه من بعلبك في لبنان حالياً ولكن في النهاية فالمقريزي ولد وتوفي في مصر والتغيير هنا أن من تبني تلك المرويات وتولي سردها كان مصرياً هذا المرة, وعلي الرغم من انه ليس المثال الوحيد ولكنه الأشهر وكذلك فإن الفترة الزمنية التي دون فيها كتاباته أقرب نسبياً من سابقيه لأنه عاش حياته في ظل دولتي المماليك “البحرية, والبرجية”.

المقريزي
المقريزي

ولربما يتوقف القاريء هنا ويختلط عليه الأمر، فلم كل هذا التمهيد وما الذي كتبه المؤرخون من وجهة نظر عربية وإسلامية عن تاريخ مصر لندقق فيه بهذا الشكل؟

كيف رأي العرب تاريخ مصر القديم؟

تستند تلك الروايات كلها علي مرويات يزعم كاتبوها أنهم نقلوها عن فلان الذي نقل بدوره عن فلان آخر فجميعهم وعلي رأسهم المبكرين مثل  الإمام الطبري نفسه لم يكونوا هم أصحاب تلك الروايات وإنما مجرد ناقلين لها، ومن المهم معرفة الخلفية المعرفية التي إستند إلها العرب في روايتهم لتاريخ مصر وكذلك حتي في البحث عن آثار وكنوز الملوك المصريين.

الطبري
الطبري

والوضع في مصر وقتها كان منتهياً من ناحية اللغة المصرية القديمة التي لم يكن هناك احد يستطيع قراءة خطوطها الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية علي الإطلاق ومنذ عصور مبكرة ففي العصور الفتية للمسيحية الرومانية لم يستطع القساسوة والرهبان الذين إتخذوا من المعابد المصرية ملاذا وكنائس قراءة حرف من اللغة المصرية القديمة وإستمر الوضع كذلك مع البيزنطيين وكذلك العرب، وقد أطلق العرب علي الكتابة الهيروغليفية لغة العصافير نظراً لما كان مصوراً من علامات تحمل أشكال طيور وحيوانات إلى ما آخره.

وقد إعتقد العرب ان المصريون القدماء “فراعنة” سحرة مشركون صنعوا المعجزات وكانت لهم كنوزا مخفية يكمن الوصول إلى طريقها عن تلك الكتابات “الطلاسم”  التي ما ان يتم فكها حتي يصل الباحث إلى “كنزه”, لذلك كان محور تلك الروايات عن تاريخ مصر يعتمد علي تلك النقطة في السرد والتحليل.

 

التاريخ الخرافي لمصر

تبدأ المرويات العربية عن تاريخ مصر بما قبل الطوفان مباشرة وكان ملخص تلك القصص الخيالية :

قبل الطوفان

هي  أن مصر كان إسمها “جزلة” وبعد الطوفان أصبح إسمها مصر وذلك الإسم مشتق من من من شخصين حملا إسم مصرايم, الأول هو مصر بن مركابيل الذي ينتهي نسبه لآدم, أو مصرايم إبن نقراوش الجبار إبن بيصر إبن حام إبن نوح، ونجد ان الإختلافات علي ذلك كانت طفيفة فنجد إبن اياس يذكر أنها لم تكن “جزلة” وإنما “زجلة”.

مقياس النيل

أول ملك بني مقياساً للنيل كان يدعي خصليم الذي وضع عنده تمثالان من النحاس لنسرين ذكر وأنثي , فعندما يبدأ الفيضان يذهب هو والكهنة لقياس منسوب المياه ويقرأ الكهنة التعاويذ فيصفر أحد التمثالين, فإذا صفر الذكر يكون المنسوب مناسب والفيضان غزير, وإذا صفرت الأنثي فهذا نذير بالقحط والجفاف.

بناء الأهرامات

تنوعت روايات بناء الأهرامات فالبعض نسبها لشداد إبن عاد والعماليق وآخرون لملك ذو إسم خرافي وهو سوريد ابن سلهوق إبن سرياق إبن ترميل بن قدرشان بن هوصال, وقيل أنه من ملوك ما قبل الطوفان ممن سكنوا الأشمونين, وأن ذلك الملك قد بني الأهرام للنجاة من الطوفان حيث علم بحدوثه قبلها بثلاثمائة عام، وقد ذكروا أيضا أن حكيماً إسمه “فيلمون” هو من نمبأ بذلك, وقد وضع سوريد في الأهرامات كل تاريخ الملوك ومصر المكتوب في لوح القدر حتي نهاية الزمان وأخفي به طلاسم وأموال وكل العلوم المعروفة, إلا أن الطوفان قد أتي وكان الملك سكراناً فلم يلحق أن يختبيء به.

هرمس والأهرامات

يذكر إبن تغري أن من بني الأهرامات هو “هرمس” الذي يطلق عليه العبرانيون أخنوخ والمسلمين إدريس هو من بني الأهرامات ووضع بها كل الأسرار وهذه القصة هي أصل الخرافة المنتشرة حالياً التي تربط بين النبي إدريس والإله أوزوريس.

بعد الطوفان

يذكر العرب أن مصر الثالث “مصر بن بيصر بن حام بن نوح” هو أول ملوك مصر بعد الطوفان, وقد تجوز إبنة الحكيم “فيلمون” – الذي تنبأ بالطوفان- فأنجب منها إبناً يسمي قبطيم وهو الذي جائت منه كلمة قبط , وقد عاش مصرايم حتي سبعمائة عام, أما قبطيم فأنجب قفطاريم وأشمون وأتريب وصا , وهو من سميت علي اسماؤهم مدن مصرية. وخلف قبطيم إبنه قفطاريم الذي بني أهرامات دهشور ومعبد دندرة وفي عصره إكتشف الشياطين تماثلي ما قبل الطوفان فأعادها للمعابد ليكيد بها الناس, ومات قفطاريم ودفن بجوار مدينة إرم ذات العماد ” وهو أصل الخرافة الحالية التي تربط بين الأهرامات وبين قود عاد”

 

طوطيس فى تاريخ مصر الخرافى كان اول الفراعنه، و هو اللى حاول يراود ساره مرات ابراهيم عن نفسها و بعد ما تاب إدى سارة لبنته حوريه اللى بدورها أهدتها هاجر اللى اتجوزها ابراهيم و خلف منها اسماعيل جد العرب.

حورية حكمت مصر بعد أبوها طوطيس و فى عهدها بعت ملك سوريا العملاق جيش على مصر بقياة جيرون لكن فى الأغلب ( الخرافى ) إن العملاق ” الوليد بن دومع ” هو اللى غزا مصر.

العماليق يحكمون مصر: فرعون يوسف

بدأ حكم “العماليق” لمصر بغزو ملك خرافي يدعي “الوليد إبن ذومع” الذي خلفه الريان بن الوليد وهو من عاصر النبي يوسف, وقد ترك الحكم لأحد رجاله ويدعي “قفطير” والذي عرفه العرب بانه العزيز, وعندما مات الريان جلس يوسف مكانه في سدة الحكم ” أى أنهم رأوا أن يوسف قد حكم مصر”.

فرعون موسي

أما فرعون موسي فكان لذلك قصة عجيبة وهي أنه كان رجلا يدعي الوليد إبن مصعب وإسمه أيضاً “طلما إبن قومس” وكان أصله من مدينة حوران وكان يعمل عطاراً فتراكمت عليه الديون وترك بلده وهرب إلى مصر , أما عن أوصافه فكان أعور, قصير القامة, يعرج وذقنه طولها سبعة أشبار, وعندما هرب إلي مصر حكمها وظل في الحكم ثلاثمائة أو اربعمائة عام حتي أصابه الجنون فقال “أنا ربكم الأعلي” وغرق هو وقومه اثناء مطاردة موسي , والجدير بالذكر أن تلك الكتب أرفقت إحصاء لعدد السحرة في ذلك العصر وأعظوهم رقم 240.000.

ختام

مع تداول تلك القصص لفترات طويلة من الزمن وإنتشار اللغة العربية أصبحت تلك هي الرواية الرسمية حتي لمصر نفسها عن تاريخها لفترة طويلة من الزمن حتي جائت الحملة الفرنسية التي غيرت كل شيء مع بداية عملية البحث العلمي خلف تاريخ مصر وفك شامبليون لحجر رشيد, وعلي الرغم من ذلك فلا تزال تلك الخرافات تلقي رواجاً حتي يومنا هذا بل أن هناك موروثاً أخطر من ذلك قد إقترن بتلك الروايات لا تزال أصداؤه تتردد حتي الآن والذي يتناول قضية من أين أتي المصريون وما هي أصولهم .. وللحديث بقية.