الهرم الأكبر هو العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب العالم السبع القديمة، وهو الشاهد الحي على عظمة الحضارة المصرية القديمة على مر العصور، ولكن ماذا عن الملك خوفو صاحب هذا البناء الإعجازي؟
من هو الملك خوفو؟
الملك خوفو هو ثاني ملوك الأسرة الرابعة التى بدأت بوالده الملك سنفرو مؤسس الأسرة، التي تعد من أعظم العائلات التي حكمت مصر، وتولى سنفرو عرش مصر بعد وفاة الملك حوني آخر ملوك الأسرة الثالثة، ولم توضح المصادر التاريخية إن كان “سنفرو” هو ابن “حونى” أم لا ولكنها تؤكد أنه تزوج من ابنته المسماة “حتب حر إس”، وبالتالي فقد استمد شرعيته من الزواج بابنة الملك السابق لتبدأ مصر معه عهدا جديدا، وقد كان أكبر أبناء “سنفرو” منها هو “خوفو”.
عائلة الملك سنفرو
كان الملك سنفرو من أشهر شخصيات مصر القديمة التى ظلت ذكراها تتردد لآلاف الأعوام حتى بعد وفاته وذلك عرفناه من النصوص التي تلت عهده، والأدعية التي تركها الزوار عند آثاره وأهراماته يدعون له بالرحمة، ويصفونه بالملك العادل.
اختلفت المصادر التاريخية فى تقدير فترة حكم سنفرو التي ترواحت ما بين 24 و48 عاما بدون رقم محدد وإن كان علماء الآثار يميلون إلى أن أقل فترة لحكمه كانت 27 عاما وعلى أية حال فهذا الأمر لم يحسم بعد.
ما يهمنا هو ذرية “سنفرو” التي اشتملت على الأمير خوفو الذي سيتولى العرش خلفا لأبيه: الأمير عنخ إف، الأمير كا نفر، الأمير رع حتب، الأمير نفر ماعت، وغيرهم من البنات.
هذه الذرية ستكون كلها من أشهر شخصيات مصر القديمة خلفا لأبيهم الذي اعتمد عليهم في إدارة أركان الدولة واستحقوا مناصبهم بالفعل.
سنفرو أبو الأهرامات
من أشهر المنشآت التي شيدها “سنفرو” كان إكماله لهرم الملك “حوني” في منطقة “ميدوم”، ويميل أغلب علماء الآثار إلى أن ذلك الهرم بنى بالكامل فى عصر “سنفرو”، أعقب ذلك مشروع هرم آخر فى منطقة دهشور وهو الهرم الذي أطلق عليه “الهرم المنحني”، وهو أضخم الأهرامات المصرية من حيث الكتلة وقد أطلق عليه الهرم المنحنى لأن زاوية بناء الهرم تغيرت فى منتصف المشروع من 54 درجة إلى 43 درجة لتعطيه شكله المميز الذى أكسبه اسمه المشهور “الهرم المنحني”.
وعلى ما يبدو فإن هذا التغيير كان نتيجة خطأ هندسي سيؤدي استكماله بالزاوية القديمة إلى انهيار الممرات الداخلية للهرم وتغيير شكله من الخارج ليصبح أشبه بالبرج وليس الهرم، وعلى أية حال اكتمل بناء هذا الهرم ومن ثم بدأ “سنفرو” فى مشروع آخر شمال “الهرم المنحني” ليبدأ في بناء هرم جديد سيطلق عليه “الهرم الأحمر”، نجحت تلك المحاولة ليخرج إلى النور أول هرم كامل في التاريخ، وما يهمنا في الموضوع أن مهندس الهرم كان ابن الملك سنفرو “كا نفر” أو ابنه الآخر المسمى “نفر ماعت”.
خوفو والهرم الأكبر
تولى الملك خوفو عرش مصر خلفا لأبيه وتزوج أخته غير الشقيقة “ميريت إيت إس” والتي يعني اسمها بـ العامية المصرية (حبيبة أبوها)، وكانت زوجته الرئيسية والتي ستنجب له ولي العهد، كما تزوج من أخت أخرى له وهي الملكة “حنوت سن”.
استغل “خوفو” الخبرات التي كانت في عصر والده، واعتمد على المهندس “حم اون” ليكون قائد مشروع بناء الهرم الأكبر، كان “حم أون” هو ابن “نفر ماعت” شقيق “خوفو”، أي أن الملك “خوفو” هو عمه، كما اشترك أيضا في المشروع أخو الملك “خوفو” غير الشقيق والمدعو “عنخ إف”، ما يعنى أن هذا المشروع أشرف عليه أفراد عائلة “سنفرو” و”خوفو”. كما كان أيضا الأمير “رع حتب” قائدا للجيش في عصر أبيه “سنفرو” وأخيه “خوفو”.
مؤامرات داخل القصر؟
كان ولي عهد الملك خوفو هو الأمير “كا وعب” أكبر أبنائه، ومن بعده الأمير “جدف رع” ثم الأمير “خفرع”، وتوفى “كا وعب” في ظروف غامضة وتولى “جدف رع” العرش خلفا لأبيه “خوفو”.
وعلى عكس المتداول فإن خليفة الملك “خوفو” الفعلي على العرش هو “جد إف رع” وليس “خفرع”، وبنى “جدف رع” هرما في منطقة “أبو رواش” بدلا من الجيزة، هذا الهرم الذي تم تدميره بالكامل بداية من العصور الرومانية وحتى عصر محمد علي بعد استخدام أحجاره كمحجر، في عصر محمد علي وحده كان يخرج من الموقع 300 جمل محمل بالحجارة طبقا لرواية عالم الآثار “فلندرز بتري” الذى يذكر رؤيته لذلك بنفسه.
وعندما بدأت البعثات الأثارية في العمل بأبو رواش, تم العثور على بقايا تماثيل الملك “جدف رع”، بينما الهرم مدمر تماما ليتم افتراض أن “جدف رع” قتل أخاه” كا وعب” واستولى على العرش.
فشل نظرية المؤامرة
لطالما كانت نظريات المؤامرة تجذب خيال القارئ وتعطى للتاريخ طابع المغامرات، ولكن الواقع الأثري أثبت خطأ نظرية المؤامرة بداخل قصر “خوفو” مع اكتشاف مراكب الملك خوفو التي دفنت بجوار الهرم الأكبر وفيها عثر على خراطيش الملك “جدف إف رع” باعتباره الوريث الشرعى للعرش الذى أشرف على جنازة والده، ما يعنى إقرار الحكومة والعائلة الملكية لذلك.
وكان الدليل الحاسم على شرعية “جدف رع” وجود جدارية تحمل صورته بداخل مقبرة ابنة كا وعب “مرس عنخ الثالثة” والتي شيدت بعد وفاة “جدف رع” نفسه، وكانت “مرس عنخ الثالثة” زوجة للملك خفرع.
خرافات عن الملك خوفو
من أغرب الروايات التى تناولت عصر الملك خوفو هي ما دونه المؤرخ اليهودى يوسفيوس فلافيوس، فيما قال إنه نقلاً عن المؤرخ المصرى مانيتون، إذ ذكر أن خوفو كان ملكا ظالما متجبرا بنى هرمه بالسخرة، بل أنه حرم صنع التماثيل فى عصره.
ولاقت هذه الرواية قبول العبرانيين ليستغلها رئيس الوزراء الإسرائيلي موشى ديان مع زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات لإسرائيل ليقول له إن اليهود هم من بنوا الأهرامات.
تحطمت تلك الأسطورة على أرض الواقع عندما تم العثور على قرية ومقابر العمال بناة الأهرام في هضبة الجيزة عام 1988 على يد عالمي الآثار مارك لينر وزاهي حواس ومن هذا الاكتشاف عرفنا أن الأهرامات بنيت عن طريق عمال يتقاضون أجر كريم ومعاملة حسنة ورعاية طبية وتغذية باهظة التكاليف، مما نسف خرافة العبودية إلى الأبد.
أما المؤرخ هيرودوت، فذكر رواية أغرب عندما قال إن الأهرامات الصغيرة المجاورة للهرم الأكبر هي لبنات خوفو (أميرات القصر) وبنيت عن طريق الدعارة، إذ أن بنات الملك كن يطلبن من كل عشيق لهن أن يجلب أحجارا تستخدمه كل أميرة في بناء الهرم الخاص بها.
على الرغم من أن اكتشاف مقبرة العمال بناة الأهرام كان كفيلاً بنسف تلك الفرضية المضحكة إلا أن تفنيدها منطقيا يكفي لنفيها إذ أن عدد أحجار الأهرامات الصغيرة يعني أن كل أميرة ستحتاج إلى ما لا يقل عن آلاف العاشقين لتتمكن كل واحدة منهن من بناء هرمها الخاص. بينما ما نعرفه عن أميرات القصر الملكي أنهن تزوجن من داخل القصر نفسه، وأن منهن من أصبحن ملكات فيما بعد.
أما في داخل مصر وحتى في العصر الحديث لم يسلم خوفو من الخرافات، إذ زعم مهندس مصري يدعى سيد كريم أنه لا يوجد ملك اسمه خوفو من الأصل وأن “خوفو” كلمة تعنى (جل جلاله)، وتبنى هذا الرأي الطبيب الراحل مصطفى محمود فى حلقة من برنامجه “العلم والإيمان”، ومع آلاف النصوص والآثار التى ذكرت اسم خوفو كملك صراحة في التاريخ المصرى ونسبت له الهرم الأكبر، وكذلك مع ما تركه المؤرخون حتى الأجانب منهم عن عصر الملك خوفو، فإن تلك الفرضية أخذت مكانها بجوار الخرافات التي نسجت حول خوفو.
تماثيل الملك خوفو
من أغرب الأشياء عن عصر الملك خوفو هو عدم عثورنا على تماثيل معقولة الحجم له بخلاف تمثال لا يتعدى طوله 7 سنتيمترات موجود بالمتحف المصرى، ورأس تمثال صغيرة موجود فى برلين وأخرى أصغر من العاج.
ويرجح علماء الآثار أن السر فى عدم العثور على تماثيل للملك يكمن ببساطة فى طريقة بناء الهرم الأكبر، إذ أن الأهرامات لم تكن أبنية مستقلة بذاتها وإنما هي مجموعة مبان تسمى “المجموعة الهرمية” تتكون من الهرم، وأمامه المعبد الجنائزى، ومن ثم طريق يسمى الطريق الصاعد الذى ينتهى بمعبد يسمى “معبد الوادي”، هذا التخطيط اتبعه الملكين خفرع ومن كاورع في أهراماتهم بالجيزة، بل أن هذا التحطيط كان ثابتا لجميع الأهرامات المصرية منذ عصر الملك “سنفرو”.
كان المكان الذي توضع به التماثيل الملكية في المجموعة الهرمية هو معبد الوادي، وتم العثور على تماثيل الملوك “خفرع ومنكاورع” فى معابد الوادي الخاصة بأهراماتهم، بينما معبد الوادى الخاص بالملك “خوفو” لا يزال قابعا تحت الأرض أسفل منطقة “نزلة السمان” في انتظار الكشف عنه لربما يتم العثور على تماثيل الملك به في نهاية المطاف.