أمام عدسات التلفزيون ظهرت مومياء مصرية فى مستشفى بمدينة بوليكلينكو بمدينة “ميلان” الإيطالية وهي تخضع لجهاز الأشعة المقطعية CT Scan، تلك المومياء في الأصل من مقتنيات متحف الآثار بمدينة برجامو ، من هو (هي) صاحب المومياء؟ وكيف ذهبت إلى إيطاليا في المقام الأول؟ ولماذا تمت تلك الفحوصات الآن وما الغرض منها؟
مومياء مصرية في مستشفى إيطالي
طبقاً لتصريحات عالمة الآثار “سابينا مالجورا” والتي صاحب الإعلان عن عملية الفحص فإن الأشعة المقطعية توازى عملية تشريح افتراضية للمومياء تسر أغوارها لتخبرنا عن ظروف حياة وممات صاحب المومياء، كذلك تخبرنا عن جنسه لاستطاعتنا دراسة الحوض.
وكذلك مقاييس جسده مثل الطول، كما أننا سنقوم عمليات فحوص أخرى لمعرفة ماهية المواد المستخدمة لتحنيط تلك المومياء بالإضافة إلى استخدام الكاربون المشع لنتأكد أن المومياء هى بالفعل للشخص الذى تتحدث عنه النقوش على التابوت، فالموميوات بشكل عام عبارة عن متحف بيولوجى أو كسولة زمنية وهذا شىء فهمناه نحن علماء المصريات والآثار فى العشرة أعوام الأخيرة فقبل ذلك كان علماء المصريات يهتمون أكثر بالمقتنيات الأثرية مثل تماثيل الأوشابتى، المجوهرات، البرديات، النقوش.. الخ.
المومياء التي لدينا هي لكاهن يدعى “آخت خونسو” وكل معلوماتنا عن تلك المومياء أتت من نقوش التابوت الذي احتوى على الاسم خمسة مرات، ولكننا لسنا متأكدين أن تلك المومياء هى بالفعل للكاهن لأن في الماضي في عصور تجارة الآثار كان من المعتاد نسب مومياء لتابوت مختلف، ولكننا الآن نعلم أن المومياء نفسها يمكن أن تخبرنا بذلك، باختصار ستقربنا دراسة المومياء من الناس في مصر القريبة عن دراسة التماثيل.
من هو صاحب المومياء؟ عنخ خونسو؟
تشير نتائج البحث على الشبكة العنكبوتية إلى معطيات مختلفة رغم عدم توفر معلومات بخلاف الفيديو المصاحب لعملية الفحص وبعض تصريحات من الفريق، فعلى سبيل المثال نجد أن نتائج البحث بالعربية قد ترجمت الإسم إلى “عنخ خونسو”! بينما باللغة الإنجليزية لم تقدم نتائج البحث الكثير باستثناء المذكور فى التقرير الذى ترجمته فى الفقرة الأولى، والذى يشير بوضوح إلى أن إسم صاحب المومياء هو شخص يدعى “آخت خونسو” وليس “عنخ خونسو” وهو ما يظهر بوضوح فى بيانات الفحص بالأشعة المقطعية بالإضافة إلى تصريحات “مالجورا” رئيسة الفريق البحثى، كانت هناك معلومة أخرى فى غاية الأهمية وهى أن صاحب التابوت كان كاهناً للإله آمون فى عصر الأسرة 22 وهى الأسرة المصرية ذات الأصول الليبية التى حكمت مصر.
تزايدت حيرتى أكثر مع هذه المعطيات وبحثت بأكثر من طريقة على الشبكة العنكبوتية عن “عنخ خونسو” و”آخت خونسو” فإزدادت حيرتى أكثر وأكثر حتى إستغرفت فى عملية البحث ساعات طويلة، فلا يوجد موقع لمتحف الآثار بمدينة برجامو، ولم أجد حتى هذه اللحظة توثيق لملابسات إكتشاف المومياء أو معلومات تفيد فى التعرف على هوية صاحب المومياء أو حتى كيفية وصولها لإيطاليا إ، حتى وقعت على خبر غير من الأمور قليلاً.
عنخ خونسو تم إكتشافه سابقا فى 2015؟
فى عام 2015 أعلنت وزارة الآثار المصرية عن إكتشاف تابوت لاحد كهنة الإله آمون رع من الأسرة 22 ويدعى “غنخ إف إن خونسو” وذلك بمقبرة رقم 28 بجبانة العساسيف بالبر الغربى بمدينة الأقصر، تلك المقبرة التى تنتمى فى الأصل للوزير الشهير “امنحتب حوى” الذى خدم فى أواخر عصر الإمبراطور المصرى “أمنحتب الثالث” وشهد الفترة الإنتقالية ما بين حكمه وحكم إبنه “أمنحتب الرابع” الذى سيعرف لاحقاً باسم “إخناتون”.
ووجود تابوت ومومياء “عنخ إف إن خونسو” بتلك المقبرة أمر لا يدعو للدهشة أو الإستغراب فإعادة أستخدام بعض المقابر للدفن فى عصور لاحقة هو أمر عادى تكرر فى حالات مشابهة لمقابر أخرى، كادت نتيجة البحث تلك تجعلنى أتوقف عندها وأعتقد مثلما إعتقد الكثيرون أننا نتكلم عن نفس الشخص وأن هناك أمر غريب حدث هنا.
عنخ خونسو أم آخت خونسو؟
مومياء عنخ إف أن خونسو لا يمكن خروجها من مصر لتكون فى حيازة متحف خارج مصر إلى الأبد نظراً لأن قوانين الآثار لا تسمح بذلك كما أنه لا يوجد أى أخبار تابعة لوزارة الآثار تعلن عن إعارة المومياء لإيطاليا.
كما أن تلك تابوت ومومياء 2015 قام بإكتشافها البعثة الأسبانية التابعة لمعهد دراسات مصر القديمة بالإشتراك مع بعثة مصرية تابعة لوزارة الآثار، أى أن ظهور المومياء فى أسبانيا سيكون أكثر منطقية وهو ما لم يحدث، ومع تقرير “مالجورا” الواضح الذى ذكر فيه أن المومياء لشخص يدعى “آخت خونسو” ساورنى الشك أننا أمام شخصين مختلفين وقد حسم ذلك الشك هو توافر صورة التابوت المكتشف عام 2015 وكذلك التابوت الذى يحتوى على المومياء التى دخلت جهاز الأشعة المقطعية بإيطاليا وأتضح جلياً بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام تابوتين وشخصين مختلفين تماما, وأن سبب تلك البلبلة والتسمية الخاطئة هو عدم التدقيق فى المنشور من الأخبار بشكل عام.
كيف حدث هذا الخلط؟
على الأرجح كان ذلك الخلط نابعاً من نتائج البحث السابقة لكلمة “عنخ خونسو” فيظهر معها إكتشاف 2015 مما جعل الكثيرون يربطون بين صور ذلك الكشف وما بين فحص ميلان فى 2021، كذلك ترجمة “مالجورا” لإسم “آخت خونسو” إلى “حياة الإله خونسو” بينما إسم “آخت خونسو” يترجم إلى أفق الإله خونسو”، كما أن صاحب مومياء 2015 لا يدعى “عنخ خونسو” وإنما “عنخ أف إن خونسو” ومعنى إسمه “حياته من الإله خونسو”، كذلك ففقد تكرر إسم “عنخ إف إن خونسو” كثيرا طوال تاريخ المصرى القديم وكان أشهر من حمل هذا الإسم هو كاهن للإله “مونتو” (إله الحرب) عاش فى عصر الأسرات 25-26 وله لوحة شهيرة بالمتحف المصرى، مع تلك المعطيات الجديدة عاد البحث إلى النقطة صفر مرة أخرى، من هو “آخت خونسو” صاحب المومياء الموجودة فى متحف “برجامو”?
وجود تلك المومياء بالمتحف لا يعنى سوى أنها ذهبت هناك فى زمن ما قبل تجريم تداول الآثار، ولا يوجد حتى موقع لمتحف “برجامو” لمعرفة المزيد، حتى صادفنى تقرير آخر لم يسلط عليه الضوء إطلاقاً قام بكشف السر.
كشف سر المومياء
فى تصريحات ل “سلمى خالد” والتى تم تعريفها بلقب :”المستشار الإعلامى للفريق الإيطالى” ذكرت أن المومياء لشخص يدعى “آخت خونسو” تعود لعصر الأسرة 22 وانها فى حوزة إيطاليا منذ عام 1885، وأن تسليط الضوء مؤخراً على تلك المومياء جاء بسبب عملية تجديد المتحف، وأن تلك المومياء كانت من مقتنيات مخازن المتحف ولم تعرض للجمهور قط من 1885، وهناك بعض المومياوات الأخرى الموجودة أيضا بالمخازن ستخضع للدراسة هى الأخرى بعد الإنتهاء من دراسة مومياء “آخت خونسو” التى ستظهر نتائجها فى الخريف.
بدا لى ذلك التصريح منطقياً مع تاريخ حيازة المتحف للمومياء وهو عام 1885 فى عصر الخديو “سعيد” وهو زمن لم تكن فيه قوانين تجرم بيع وتداول الآثار المصرية والتى تم تجريم تداولها عام 1982 وكذلك إلغاء نظام القسمة الذى يسمح للبعثات الأجنبية بالحصول على نسبة من المكتشفات الأثرية وهو ما لم يكن ينطبق على العام 2015.
لماذا تم فحص المومياء؟
تبدو إجابة هذا السؤال سهلة وبسيطة، فالبحث العلمى لا يحتاج أسباب ورائه فكما ذكر فريق العمل فإن فحص تلك المومياء كان غرضه الدراسة والتأكد من هويتها ومعرفة ظروف معيشة صاحبها ومماته وهى إجابة مقنعة لا غبار عليها، ولكن ماهو الدافع لهذه العملية؟ وماذا ستجنى من ثمار على متحف “برجامو”؟
فى عام 2014 حدث موقف مشابه فى متحف “بولتون” – المملكة المتحدة وهو فحص مومياء بنفس الأسلوب كان قد عثر عليها فى تابوت لسيدة ، وقد أظهرت نتيجة البحث أن المومياء لرجل وتم توثيق تلك العملية فى فيلم وثائقى تم إذاعته وإعلان نتيجة مذهلة وهى أن صاحب المومياء بذلك التابوت هو رجل وليس أى رجل ، بل أنه من المحتمل أن يكون احد أبناء الملك “رمسيس الثانى” شخصياً.
ما حدث فى “برجامو” يكاد يتطابق مع “بولتون” وهى إتجاه المتحف للتجديد وجذب الزائرين، فلا يوجد أفضل من الآثار المصرية لخلق عملية البروباجندا اللازمة لجذب الإنتباه للمتحف نفسه وتسويق عمليات البحث التى يتولى المتحف الإشراف عليها وهى سياسة معروفة ومتبعة لمؤسسات الآثار عالمياً وليس فى برجامو فقط.
لماذا يفحص العلماء المومياوات؟
أما عمليات فحص المومياوات بالأشعة المقطعية CT SCAN فهى عملية شديدة الإحترافية والدقة تستطيع أن تخبرنا أضعاف ما تخبرنا به الآثا نفسها فاستخدام تلك التقنية قد ساهم بشكل كبير فى الكشف عن العديد من الأسرار المتعلقة بتاريخ مصر وملوكها، فسابقاً وبداخل مختبر المتحف المصرى بالتحرير بدأ مشروع فحص المومياوات الملكية بتقنية CT SCAN وكذلك الحمض النووى DNA وأسفرت تلك الفحوصات عن نتائج مذهلة أهمها الكشف عن بنوة الملك “توت عنخ آمون” للملك “إخناتون” كذلك فإن الأشعة المقطعية هى التى أثبتت هوية الملكة “حتشبسوت” بعدما تم مطابقة مومياؤها (المجهولة وقتها) بسن تم العثور عليه فى أحد الأوانى الكانوبية (اوانى الأحشاء) الخاصة بالملكة ليتم مطابقتها بالمومياء وتكشف أخيرا عن هوية حتشبسوت.
وعلى أية حال لا يعلم أحد حتى الآن نتائج ذلك الفحص وما سيسفر عنه ولذلك لا يسعنا سوى الإنتظار.