فليحيا الثور القوي محبوب الماعت, ملك مصر العليا والسفلي “قوة ماعت رع, المختار من رع”, إبن رع: رمسيس محبوب آمون, محبوب رع حور آختي الإله العظيم, محبوب آمون ملك الآلهة
“من ألقاب رمسيس بمعبد أبو سمبل”
في نفس الموعد ومع شروق شمس 22 فبراير وأكتوبر من كل عام تحدث الظاهرة الفريدة لتعامد الشمس على قدس أقداس معبد أبو سمبل لكبير الشي شيده رمسيس الثاني في النوبة, تقطع الشمس مسافة تقدر بحوالي سبعون متراً لتصل إلى قدس أقداس المعبد لتنير وجه رمسيس وحوله الآلهة “رع حور آختي, آمون, بتاح” وتستمر الإشراقة لحوالي 20-25 دقيقة حتي تنتهي تماما ويعود كل شيء لسابق عهده فى إنتظار الموعد القادم لتكرارها.
إذا كان المصريون القدماء قد قاموا بالتجهيز لتلك الظاهرة وتنفيذها عن قصد وعلم، فكيف إستطعنا إكتشافها في العصر الحديث؟
أبو سمبل تحت الرمال
كانت أول محاولة علمية لتوثيق الآثار المصرية هي التي قامت بها الحملة الفرنسية ومجمعها العلمي, فكتاب وصف مصر هو أول كتاب علمي شامل يقدم وصفاً لآثار مصر ومواقعها, إلا أن تلك الموسوعة لم تحتو على كل الآثار المصرية لان كثير منها كان تحت الرمال.
من أغرب الأشياء التي لم تذكر في الموسوعة هو معبد أبو سمبل والذي لم يدون عنه الفرنسيون شيئاً, وذلك ولأنه – وياللعجب- كان المعبد مغمورا بالرمال ولم تصل الحملة الفرنسية إلي تلك المسافة جنوباً لتوثيق ذلك المعبد ورحلت الحملة الفرنسية عن مصر تاركة ورائها شغفاً بالآثار المصرية كان نتيجته الحتمية الكشف عن كل آثارها.
الشيخ إبراهيم وأصل تسمية أبو سمبل.
“يوهان لودفيج بوكهاردت” أو الشيخ إبراهيم, وهو رحالة ومستشرق سويسري كان يتحدث العربية بطلاقة ويرتدي زياً شرقياً معظم الوقت مما جعل الأهالي تطلق عليه الشيخ إبراهيم.
فى مارس 1813 يصل الشيخ إبراهيم إلي منطقة أبو سمبل ويعثر علي المعبد الذي طالته يد الزمن واطنان الرمال, وجد الشيخ إبراهيم نفسه امام التماثيل العملاقة الأربعة بواجهة المعبد الكبير ولكنها مغطاة بالرمال, ولم يتمكن من العثور علي المدخل بل أنه لم سيتطع تحديد إذا كانت تلك التماثيل جالسة أم واقفة.
وتروي بعض المصادر أن أصل تسمية أبو سمبل يعود لرحلة الشيخ إبراهيم حيث قاده إلي تلك المنطقة صبي حمل الإسم فتم تسمية المنطقة علي إسمه.
مع عودته إلي القاهرة حرص الشيخ إبراهيم على نقل خبراته ومعلوماته للمهتمين بالآثار المصرية وكانوا كثر في ذلك العصر الذي حاول فيه محمد علي إستمالة الأوربيون لتحقيق نهضة عصرية بمصر وكانت الآثار المصرية هي الورقة الرابحة التي لعب بها محمد علي لدفعهم علي مساعدته.
هنري سولت: العصر الذهبي لسرقة الآثار المصرية
في تلك الفترة كان الصراع علي الآثار المصرية محموماً بين قناصل الدول الأوربية وتصدر ذلك السباق فرنسا وإنجترا ودخلت معهم جميع الدول الاوروبية علي إستحياء.
كان أول قنصل بريطاني لمصر هو “هنري سولت” والذي – وكعادة عصره- عمل مقاولاً للآثار من الباطن, فكان يبحث عن شخص يستطيع أن ينهب الآثار المصرية بحنكة وبراعة ويستطيع التصرف في المواقف الصعبة,باختصار كان يبحث عن بهلوان بلا أخلاق.
ربطت علاقة صداقة وعمل الشيخ إبراهيم وهنري سولت وقتها, وتزامن ذلك مع وصول إيطالي يائس إلي مصر وهو “جيوفاني باتيستا بلزوني” الذي عرض مشروعاً متعلقاً بالري علي محمد علي ولكنه قوبل بالرفض وأصبح بلزوني بلا عمل حتي وقع في طريق الشيخ إبراهيم والذي رأي فيه دهاء وفراسة وإنعدام أخلاق ليجعله الرجل المناسب لتولي مهام وأعمال سولت.
الريس مجنون
هو جيوفاني باتيستا بلزوني الإيطالي الذي ينحدر من مدينة بادوفا لأب يعمل حلاقاً وله من الأخوة الكثيرون تنقل بلزوني بين المهنة تلو الأخري والبلد تلو الأخر في أوروبا بسجل من الفشل وحتي الجرائم, حتي إستقر به الحال ليعمل “رجل إستعراضات” في السيرك, ساعدت هيئة وقامة بلزوني التي تجاوزت المتران بقليل علي شغل تلك الوظيفة, كان يعمل بالسيرك مثل من يشتهرون بمصر بجملة” اللي يحب النبي يصقف”, وأوقعته الصدفة بأحد كشافي حكومة محمد علي والذي كان بوابة سفره لمصر.
مع فشل مشاريعه حتي بمصر, قبل بلزوني عرض سولت والشيخ إبراهيم ليعمل في سرقة وتهريب الآثار وكانت أولي المهام التي أوكلها له سولت هو نقل النصف العلوي من تمثال رمسيس الثاني بمعبد الرامسيوم والذي فشلت جهود السابقين في نقله, ولكن بلزوني – وياللعجب- أتمم المهمة بنجاح!
بعد سباق محموم مع الزمن ومنافسة فرنسية تولي قيادتها إيطالي آخر وهو برناردينو دروفيتي ينجح بلزوني في شحن تمثال رمسيس الثاني بعد سبعة عشر يوما وقبل حلول الفيضان ليراه الجبرتي وقتها ويدون لنا في سطوره ما رأي.
“وأحضروا (تلك الطائفة من الإفرنج الإنكليز) أيضًا رأس صنم كبير دفعوا في أجرة السفينة التي أحضروه فيها ستة عشر كيسًا، منها ثلاثمائة وعشرون ألف نصف فضة وأرسلوها إلى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها؛ وذلك عندهم من جملة المتاجر في الأشياء الغريبة، ولما سمعت بالصور المذكورة فذهبت… إلى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الأزبكية، وشاهدت ما ذكرته وتعجبنا من صناعتهم وتشبههم وصقالة أبدانهم الباقية على مر السنين والقرون التي لا يعلم قدرها إلا علام الغيوب .
الجبرتي
أطلق الأهالي علي بلزونى “المجنون” لجنون أفكاره في سرقة الآثار والتي شملت التكسير والتهشيم وحتي الإقتراحات العجيبة, وتوالت نجاحات بلزوني في الأقصر حتي إستطاع أن يسرق لحساب هنري سولت مجموعة ضخمة جدا من الآثار المصرية التي تم شحنها جميعاً للمتحف البريطاني.
إكتشاف معبد أبو سمبل
لا يزال حتي يومنا هذا توقيع بلزوني بمعبد أبو سمبل والذي يحمل تاريخ إكتشافه لمعبد أبو سمبل, وهو 1 أغسطس 1817 وكان وقتها بصحبة ضابطان إنجليزيان وهما جيمس مانجليس وتشارلز إربي واللذان دونا إسميهما بدورهما هناك.
مع وصول بلزونى للنوبة تنقل بين المعابد وقام بسرقة وشحن كل ما طالته يداه حتي وصل إلى معبد أبو سمبل, وهناك وجد أن ما ذكره الشيخ إبراهيم صحيحاً, فالمعبد مغطي بالرمال بالكامل والمدخل أيضاً مغمور, وقد ساعدت الأقدار التي غمرت أبو سمبل بالرمال في حمايته من تحويله إلي دير أو كنيسة في العصور المسيحية لأن المعبد غرق في الرمال قبل ظهور المسيحية نفسها ليكون المعبد الوحيد في النوبة باكملها الذي لم يتحول علي كنيسة وساعد ذلك علي حفظه بشكل مدهش.
بعد مناوشات مع الأهالي وفشله في إقناعهم بالعمل معه, ثم قبولهم ومفاوضاتهم علي السعر ثم إستلامهم المبلغ وتركه بعد فترة قليلة يعمل وحيداً لحلول شهر رمضان, ينجح بلزوني العنيد في كشف مدخل معبد أبو سمبل, لتطأ قدماه تلك الأرض المنسية من آلاف السنين.
لم يجد بلزوني كنوزاً في أبو سمبل, ولكنه عثر علي واحد من اجمل معابد مصر علي الإطلاق، يعود بلزوني للقاهرة ومعه رسومات قام برسمها بنفسه من أبو سمبل وكذلك مخطط وخريطة للمعبد كانت الاولي من نوعها علي الإطلاق.
وكان إكتشاف بلزوني هو واحد من سلسلة إكتشافات كبيرة قام بها نهب فيه ما إستطاع إليه سبيلاً ولكنه كان في إنتظاره مفاجأة مذهلة غيرت كل شيء, عند عودة بلزوني للقاهرة بعد مرة أخيرة بالأقصر ذهب للقنصلية وبينما يتفقد مكتب هنري سولت وجد الصناديق التي أرسلها هو كلها تحمل إسم “هنري سولت” بل أن الصحف والمجلات المجلوبة من بريطانيا كلها تمدح جهود سولت ولا يوجد أى ذكر لبلزوني علي الإطلاق, وهو ما آثار جنون بلزوني وجعله يقطع علاقته بسولت ويحاول إثبات نفسه وإسمه فقام بإكتشاف مدخل هرم خفرع وترك توقيع بحجرة الدفن ثم خاض رحلة إخيرة إلي الواحات لتكون سطور آخر مغامراته في مصر.
أميليا إدواردز: إكتشاف ظاهرة التعامد
فى شتاء 1873–1874 تقوم الكاتبة البريطانية “أميليا إدواردز” بزيارة مصر وكان من ضمن زيارتها معبد أبو سمبل الكبير, وقد نجحت بفطنة مدهشة في إكتشاف ظاهرة تعامد الشمس علي قدس أقداس المعبد ومن ثم قامت بنشر رحلتها إلي مصر في كتاب أطلقت عليه : ألف ميل فوق النيل ليصبح هذا الكتاب هو أكثر كتبها مبيعاً وأشهرها علي الإطلاق.
مع إكتشاف أميليا إدوارز لتلك الظاهرة بدأت قصة إحتفالات الشمس بأبو سمبل والتي لا زالت مستمرة حتي يومنا هذا, وحقيقة الأمر أن إكتشاف إدواردز قد لفت نظر الباحثين إلي أهمية البحث عن البعد الفلكي والهندسي في المعابد المصرية ليكتشفوا في النهاية أن جميع المعابد المصرية قد شيدت مثل أبو سمبل يقترن بها ظواهر فلكية وظواهر لتعامد الشمس وهو ما غير معرفتنا عن الآثار المصرية بشكل كبير.
لماذا تتعامد الشمس علي معبد أبو سمبل في ذلك الموعد؟
لم يختار المصريون القدماء تاريخ التعامد من فراغ, وإنما كان مقصوداً تماماً ولكن المفاجئة أنه لا يوجد تفسير حاسم لتلك الظاهرة حتي يومنا هذا, وكالعادة فتح ذلك باب الخرافات علي مصراعيه , فمن أشهر القصص المرتبطة بظاهرة التعامد هو أنه يحدث في يومي ميلاد وتتويج الملك رمسيس الثاني, وهو المغلوط جملة وتفصيلا فلا يوجد سجل للمواليد في مصر القديمة وحتي الملوك, أى أننا لا نعلم ماهو تاريخ ميلاد رمسيس أو حتي غيره, أما عن التتويج فكان طبقاً لوثائق عصر رمسيس الثاني في يونيو تقريباً بتواريخ اليوم, وهو ما ليس لا علاقة بالتعامد علي الإطلاق, ولكن هذا لم يكن نهاية المطاف فتوالت التفسيرات واحدة تلو الأخري بل أن الفرضيات القديمة تم تعديلها فنجد من يقول أنه تاريخ ميلاده أو تتويجه او تأليهه لنفسه وهكذا ..
إلا أن أقرب التفسيرات المنطقية لتلك الظاهرة هو أن التعامد كان يحدث قديماً قبل نقل المعبد يومي 21 أكتوبر 21 فبراير من نفس العام, وهما التواريخ التي تعلن بدأ فصل برت (الشتاء والزراعة) وشمو (الصيف والحصاد), أى أن تلك الظاهرة كانت بمثابة إعلان فلكي لسكان المنطقة ببدء المواسم.
تعامد الشمس بالمتحف المصري الكبير
مع حلول 21 أكتوبر 2020 تكللت جهود فريق العمل بالمتحف المصري الكبير مع تداول وكالات الأنباء لأخبار تعامد الشمس علي تمثال الملك رمسيس الثاني الموجود بالبهو العظيم، وهو الذي تكرر مرتان في فبراير واكتوبر 2021 لعلن المتحف المصري الكبير عن نجاح إعادة تطبيق ظاهرة التعامد علي وجه رمسيس الثاني ولكن في مواعيدها الصحيحة هذه المرة.