فى أواخر عام 1890 يصل أربع أصدقاء إنجليز لمصر كان من بينهم شخص يدعي “توماس دوجلاس موراي” و”آرثر ويلر” وهناك عرض عليهم شراء تابوت مصري قديم بداخله مومياء , لم يكونوا يعلموا أنه على جدران معبد تلك المومياء هناك كتابة تقول أن من يقلق راحتها ستسبب لها المشاكل, وبالفعل حصل “موراي” على التابوت وفى أثناء نقلهم للتابوت من الأقصر للقاهرة وعلى متن المركب وبينما كانوا يمضون الوقت فى إصطياد البط انفجرت البندقية فى يد “موراي”, عاندت الرياح المركب ووصلت للقاهرة بعد عشرة أيام كاملة.
وهناك كان الوقت فات على إنقاذ ذرع “موراي” التى بترت فى النهاية, لم تكن هذه نهاية الحظ السيء فآرثر ويلر هو الآخر تلقي خبر إفلاس البنك الذي كان به مدخراته !
تولي نقل التابوت لشحنه إلي بريطانيا من العمال توفي منهم إثنان بعد مرور خمسة أيام، وبعد الوصول لبريطانيا يدرك “موراي” أن هناك شيئاً مريباً يجري, فقام باهداء التابوت لصديقة شخصية له تعمل صحفية وفي خلال إسبوع توفت أمها وتركها خطيبها وبنهاية الإسبوع توفت هي الأخري!
وهنا قرر “موراي” إهداء التابوت للمتحف البريطاني مجاناً، ولم تتوقف الأحداث عند هذا الحد فموظف المتحف المسئول عن إستلام التابوت توفي ومن بعده أمين المتحف، حتى المصور الذي أراد إلتقاط صورة للتابوت توفي هو الآخر!
ومن هنا أصبح التابوت حديث الساعة فى الصحف البريطانية التي إلتقطت طرف الخيط وكان من أشهر من بحثوا وراء ذلك التابوت هو صحفي مشهور يدعي “برترام فليتشر روبينسون” ولكنه توفي بعد ثلاثة أعوام هو الآخر !
اللعنة تغرق تيتانيك وإمبراطورة إيرلندا
وكالعادة لم يجد مالكو التابوت (المتحف البريطاني) حلاً سوي التخلص من التابوت وقرروا إهداؤه لمتحف “نيويورك” فى الولايات المتحدة مجاناً.
كانت وسيلة نقل التابوت من بريطانيا للولايات المتحدة هى السفينة الأشهر “تيتانيك” وهنا حدث المصير المحتم لكل من تعامل مع التابوت فغرقت السفينة “تايتانيك” إلا أن التابوت نجا بمعجزة من تلك الكارثة، فقد أكد شهود العيان أن التابوت تم وضعه على متن قارب نجاة فى اللحظات الأخيرة لتغرق “تيتانيك” وتستمر اللعنة.
وكانت آخر فصول القصة مع ظهور التابوت مرة أخري على متن السفينة “إمبراطورة أيرلندا” empress of ireland والتي لم تنجو هي الأخرى من اللعنة فغرقت بدورها، ليستقر التابوت والمومياء فى القاع ويتبقي غطاء التابوت بالمتحف البريطاني شاهداً على تلك القصة العجيبة والتي سميت بلعنة الكاهنة “آمن رع”.
سرالمومياء
كانت تلك القصة أشهر من نار على علم فى بريطانيا منذ مائة عام, فى هذا الزمن كان هناك هوس بالحضارة المصرية القديمة فكانت تقام جلسات علنية لفك المومياوات المجلوبة من مصر وعرض فك لفائفها أمام الجمهور كنوع من أنواع العجائب والإستعراض، كانت المومياوات المصرية تطحن وتتحول إلى مسحوق أطلق عليه بني المومياوات mummy brown كان يستخدم كبديل للون البني فى الرسم وأحيانا كان يوضع فى محلول ويشربه الناس كنوع من أنواع الفياجرا.
كان الهوس بالحضارة المصرية عبارة عن سيرك كبير وكثير من الإستعراضيين لذلك كانت تلك البيئة خصبة جداً لتقبل أي أساطير عن مصر القديمة، ومنها الخرافة التي ذكرتها فى الفقرات الأولى من المقال والمتعلقة بلعنة المومياء.
نعم عزيزي القاريء !
تلك القصة خرافية مفبركة بالكامل ، والمقال ها هنا لتفنيد تلك الخرافة وتتبعها.
كيف إنتشرت خرافة لعنة المومياء؟
من قام بفبركة تلك القصة هو “دوجلاس موراي” بطل القصة نفسه، ومعه صحفي شهير فى تلك الفترة يدعي “ويليام توماس ستيد”، وقد جمعتهما إهتمامات مشتركة وهي البحث وراء الخوارقيات والظواهر الماورائية، كما كانا أعضاء فى جمعية تقوم بتحضير الأرواح والتواصل مع العفاريت وما شابه.
بدأت القصة عندما زار الإثنان المتحف البريطاني وعند رؤيتهما للتابوت أصدرا بياناً صحفياً غاية فى الغرابة وهي أن وجه صاجبة التابوت يبدو أنه لروح معذبة سوف تسبب المشاكل !
ومن هنا بدأ الأسطورة تولد مع تداول الصحافة للقصة التي بدأت فى التشكل والتشعب وظهور تفاصيل أخري لها مع مرور الوقت، تلك القصة التي بدأت مع أواخر 1890 ولا زالت متداولة حتي يومنا هذا ويزداد عليها تفاصيل جديدة حتي هذه اللحظة.
تلك القصة ظهر منها عدة نسخ، واحدة منها من بطولة “موراي” ونسخة أخري من بطولة “آرثر ويلر” الذي أهدي التابوت للمتحف البريطاني بعدما أشتراه ممن سرقوه من مصر، إنتهت نسخة من القصة بغرق تيتانيك بينما نسخة أخرري إمتدت حتي غرق السفنية إمبراطورة أيرلندا، ونسخ أخري وتفاصيل اخري زادت مع مرور الوقت.
مر الزمن ونجيت القصة حتي يومنا هذا حتي وصلت لمنصات التواصل الإجتماعي والتي بها فجوة زمنية جعلت ضغط زر الإعجاب أو المشاركة خياراً معتاداً عند قراءة أى خرافة.
حقيقة التابوت الملعون
الأثر الذى تتردد تلك الأسطورة بشانه ليس بتابوت ! بل أنه لا توجد مومياء من الأساس!
الأثر عبارة عن غطاء تابوت داخلي لسيدة مصرية تحمل رقم 22542 بالمتحف البريطاني قاعة رقم 2, وهى معروضة بالمتحف منذ عام 1889 من إهداء آرثر ويلير ولا يزال موجود بالمتحف البريطاني حتي يومنا هذا.
يؤرخ هذا التابوت بعصر الأسرة 21 من تاريخ مصر القديم نظراً لسماته الفنية ولم يحتوي هذا الغطاء على أى نقوش تخبرنا عن هوية صاحبته فلا نعرف من هي حتى الآن، كما ان مكان بقية التابوت ومومياؤه مكانها غير معروف على الأرجح سرق هذا الغطاء من مصر كما هو منفصلا عن تابوته.
قام عالم الآثار الإنجليزي الشهير إرنست والاس بدج أمين المتحف البريطاني بنشر معلومات عن غطاء التابوت ونقوشه واستنتج ان صاحبته كاهنة بمعبد الكرنك فأطلق عليها كاهنة “آمون رع” وهو اللقب الذى تبناه مروجو تلك الخرافة فاطلقوا عليها كاهنة آمن رع وأحيانا الكاهنة آمن رع، إلا أن كل هذا كان إستنتاج “بدج” نفسه ولا يوجد عليه دليل حاسم فلا نعرف إسم أو هوية صاحبة هذا الغطاء بشكل حاسم.
مع مرور الأيام لم يتوقف “موراي” و”ستيد” عن هوسهما بترويج الخرافات بل أنهما طلبا من إدارة المتحف البريطاني عقد جلسة تحضير أرواح بقاعات العرض المتحفي وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من إدارة المتحف بشكل قاطع، مع غرق سفينة تيتانيك إتضح أنه كان من بين ركابها “ويليام توماس ستيد” أحد مروجي خرافة لعنة التابوت وعلى الأرجح كان هذا سبب إضافة تفصيلة غرق تيتانيك إلى قصة اللعنة لاحقاً.
مع حلول عام 1934 كانت خرافة لعنة التابوت قد أصبحت مزعجة جداً لعلماء الآثار وللمتحف البريطاني فأصدر “والاس بدج” بياناً ينفي فيه أى لعنات عن هذا الأثر ويؤكد أنه لم يخرج من المتحف البريطاني للولايات المتحدة ولم يكن على متن سفينة تيتانيك, بل انه لم يخرج من المتحف البريطاني ولا مرة.
قام “بدج” بتحميل “موراي” و”ستيد” المسؤلية عن نشر تلك الخرافات وذكرهما بالإسم نظراً لتاريخهما المعروف وقتها.
نهاية أسطورة لعنة المومياء
لم يقبع هذا الغطاء بالمتحف البريطاني كثيرا ففي عام 1990 خرج فى معرض لإستراليا ولم يحدث شيء, وبعدها ما بين عامي 2003 و2007 زار ثلاث دول وهم الصين واليابان وتايوان في سلسلة معارض فى مدن مختلفة بتلك الدولة ولم يحدث شيء أيضاً، وفى 2015 تم نقل التابوت لمعرض آخر بسنغافورة ولكن هذه المرة … لم يحدث شيء أيضاً
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد فالمتحف البريطاني لديه ارشيف اليكتروني يوثق القطع المعروضة فعلي سبيل المثال إذا قمت بزيارة موقع المتحف البريطاني وبحثت عن رقم القطعة 22542 فستجد غطاء التابوت موثقاً توثيق كامل منذ حصول المتحف البريطاني عليه.
ستجد أيضا كيفية حصول المتحف عليه, عمليات الترميم التي خضع لها وكذلك تاريخ عرضه والمعارض التي عرض ذلك التابوت بها فى جميع أنحاء العالم في الدول المذكورة بالفقرة السابقة، بل ان وصف تلك القطعة على الموقع يحتوي على نفي القصة الخرافية المتعلقة باللعنة مع التأكيد بانها مجرد إشاعات وخرافات.
فى كتابه موسوعة المومياوات encyclopedia of mummies قام عالم المصريات الإميركي “بوب براير” bob brier بنفي تلك القصة وتفسيرها في فقرة مختصرة ونسبها لموراي وستيد مروجي ومخترعي القصة، وغيرها من الكتب والأبحاث والنشرات والدوريات العلمية التي تنسف خرافات اللعنات المصاجبة للآثار المصرية القديمة من جذورها، ولكن هذا لم يمنع تصديقها وترويجها حتي الآن.
لماذا تنتشر الخرافة؟
الخيال البشري سلعة رائجة على مر العصور فالخوف من المجهول والخوراقيات والخرافات موضوع رائج سينتهي الإهتمام به مع نهاية حضارة البشر, بل أن الأفلام المبنية على أحداث حقيقية لا تقدم الواقع كما هو فلا بد أن يزيد عليها تفاصيل لغرض التشويق وجذب الجمهور.
لدي البعض ثقافة الإنكار فمهما قمت بالشرح والنفي والتوضيح فسيتمسك البعض بالخرافة ويكذب حتي حقائق ملموسة أو مرئية ولا يوجد أبلغ على هذا الموقف من المشهد العبقري فى فيلم البيضة والحجر للراحل أحمد زكي عندما أراد مسئول سياسي استشارته فى مسألة معنية فخاف هو من هذا المسئول وإعترف له فورا أنه دجال !
فماذا فعل الرجل؟ أنكر بالطبع ما يقول “تعظي” (احمد زكي) وإعتقد انه يخدعه لمصالح شخصية، أى أنه تمسك بالخرافة رغم أن مروجها نفسه هو من انكرها, لذلك فإذا قام “موراي” و”ستيد” مروجي خرافة لعنة المومياء من قبريهما وأنكرا القصة فستجد بعض من مصدقيها يكذبونهم هم من اجل التمسك بالخرافة نفسها.
العلم ليس الغرض منه إقناع الناس به، وكذلك نفي الخرافات الغير علمية ليست مهمة العلم لأنه الخرافة عكس العلم تماماً فلا هي معتمدة على دليل مادي ولا يمكن تفنيدها بأسلوب علمي, علي سبيل المثال تجد القصص عن العفاريت التي تحرس المقابر المصرية القديمة ذات رواج مدهش تحول لدي البعض لقناعات مطلقة لا يمكن المساس بها بينما هي فى حقيقة الأمر مجرد خرافات طفولية ساذجة.
خلاصة القول أن الإنسان لديه مطلق الحرية فى تصديق ما يشاء سواء كان علماً ام خرافة، إلا أن تصديق الملايين للخرافات لا يجعل منها علماً حتي ولو كان معتنقى الخرافات أغلبية وبالمثل فأنكار الملايين للعلم لا يعني تغييره ففي كل الظروف يظل العلم علم والخرافة خرافة.