لربما نستطيع أن نستهل هذا المقال بالجمل المعهودة وهي أن المرأة في مصر القديمة تمثل الأم والاخت والزوجة والداعمة لأسرتها, ولكن هذا كان دور المرأة في جميعغ المجتمعات القديمة وحتي الحديثة وليس مصر القديمة فحسب, ولكن مصر القديمة كان لها نظرة خاصة دوناً عن باقي الشعوب في نظرتهم للمرأة المصرية سواء بين شعوب العالم القديم أو حتي متفوقة علي مجتمعات حالية.
المرأة في الفن المصري القديم
الفن هو مرآة الشعوب والحضارة المصرية القديمة كانت أبرز حضارات بنو البشر التي برعت في الفن والتصوير الفني من تماثيل وجداريات, ومن أشهر الأوضاع التي صورها المصري القديم للمرأة بصفتها الزوجة هو تصويرها مع زوجها في أوضاع متعددة كان أشهرها هو وضع الإحتضان, وقد كان ذلك الوضع يصور الزوجة إما تحتضن زوجها وكأنها الداعم له والتي تدفعه للأمام وقد إشتهر ذلك الوضع بأشكال متعددة بين العامة والفنون في مصر القديمة.
ومن أشهر تلك التماثيل التي تمثل فكرة إحتضان المرأة لزوجها, نجد تمثال الملك “من كاو رع” وزوجته الملكة “خع مر نبتي الثانية؟” والموجود بمتحف بوسطن للفنون وهي تقف بجوار زوجها مساوية له في الحجم تحتضنه بالكامل تدعمه , وترسل تلك الطريقة في التصوير رسائل عدة وهي أن المرأة كانت مساوية للرجل في التصوير لم يختلف حجمها عنه, وما يثير الإنتباه هو الوضع الذي تم تصويرها فيه والذي يعبر عن دورها في حياة الرجل كالداعمة له رفيقة حياته.
بينما مع العامة لم يختلف الوضع كثيرا فنجد أمثلة كثيرة على ذلك الوضع منذ عصور قديمة, فنجد مثلا الموظف بتاح خنوي وزوجته في وضع مشابه لوضع الملك منكاورع وزوجته الملكة , بينما نجد إستثناءات جديرة بالإعجاب وأشهرها تمثال الموظف “سنب” والذي كان من ذوي الهمم “قزم” بينما زوجته ليست منهم ولكن عند تصويرها مع زوجته صورت جالسة بجواره تحتضنه في وضع الجلوس بينما أطفالهم أسفل قدمي أبيهم ليخرج لنا الفنان المصري القديم تحفة فنية تعبر عن أسرة مصرية محبة منذ آلاف السنين.
وقد إستمر ذلك الوضع في التاريخ المصري القديم لآلاف السنين , ففي الدولة الحديثة علي سبيل المثال نجد قائد الجيش الجنرال “حورمحب” وتمثاله الشهير بالمتحف البريطاني الذي يمثله مع زوجته آمنيا , وقد بلغ الفنان في دقة تصوير القائد وزوجته مبلغاً عظيما عندما ظهرت تجلس بجواره ويدها اليمني تطوقه بينما يها اليسري تحتضن يده اليسري ليس فقط ليصورها كاعمة له ولكن ليشير للحب الجم الذي يكناه لبعضهم البعض.
لربما تبدو تلك الكلمات بها شيء من المبالغات أو حتي الإسهاب ولكن لا تنس عزيزي القاريء أن الفن هو مرآة الشعوب وأنه لم يكن ينتج عن فراغ وإنما كان غرضه |يصال رسائل أرادها صاحب العمل ونفذها له الفنان.
إلا ان هذا لم يكن الوضع الوحيد الذي تم تصوير المرأة فيه في مصر القديمة مع زوجها, ففي بعض التماثيل تم تصوير المرأة تحتضن ساق زوجها وتصور في حجم أصغر منه وهو ما كان يعكس جانباً آخر من دور المرأة في المجتمع القديم سنكتشفه مع باقي سطور هذا المقال, ومن المثير للدهشة وجود تماثيل لزوجات من مصر القديمة صوروا بجوار أزواجهم بحجم مماثل في بعض التماثيل بينما في تماثيل أخري صوروا بحجم أصغر وتعددت تلك التماثيل ما بين عامة وملوك مثل تمثال الموظف “إروكابتاح” وعائلته, وكذلك أحد تماثيل الملك امنحتب والملكة “”تي” والدي الملك “إخناتون”
ألقاب المرأة ودورها في مصر القديمة
مما سيمكننا عن معرفة نظرة المجتمع المصري القديم للمرأة هو ألقابها ودورها بالتحديد, ومن أهم ما ميز المرأة في مصر القديمة أن الأهل عند إنجابهم لأنثي كانوا يبتهجون عكس شعوب كثيرة كانت تري في الأنثي العار بل أن إنجاب الإناث كان مصدراً للبهجة والسرور, وقد عكس ذلك الأسماء التي أطلقها المصريون القدماء على بناتهن مثل: وبت نفرت (بشيرة السعد), “نحتني” التي كنت أرجوها, “ميريت إيت اس , سنت إيت إس” محبوبة أبيها, أخت أبيها, حنوت سن ومعناه سيدتهم (ستهم) وغيرها من الأسماء التي عكست البهجة والسرور.
وقد لقب المصري القديم المرأة ب “نبت حت” (ست الدار) بل أن هذا اللقب هو الإسم المصري القديم للإلهة “نفتيس”, وكذلك المحبوبة, محبوبة زوجها, وقد كان الأزواج ينادون زوجاتهم في مصر القديمة بلقب “أختي” وهو الذي لا يزال مستخدماً حتي الآن في مصر المعاصرة كموروث من مصر القديمة, ولم يكن هذا اللقب يعني بالتبعية أنها أخته, وقد تم تصوير النساء في مصر القديمة بناء علي هذه الأدوار جميعاً لذلك تعددت طرق تصويرها , سواء تابعة لزوجها أو مساوية له.
إلهات مصر القديمة
لم تكن النساء عضوات فاعلات في المجتمع المصري القديم فحسب وإنما كانت من ضمن العالم الإلهي منذ البداية كتفاً بكتف مع الآلهة الذكور, سواء كانت لتك الآلهة تمثل الامومة وحتي الكون نفسه مثل الإله “نوت” سيدة السماء وكذلك الإلهة “نيث” إلهة الحروب وتجسيد ملكات مصر القديمة, بل أن الأمر تعدي ذل حتي وصل للإلهة “سخمت” أقوي الآلهة المصرية القديمة علي الإطلاق.
نساء غيرن التاريخ
أكثر الأشياء التي ستعكس مدي حقوق ونفوذ النساء في مصر القديمة هو المناصب التي تقلدها هاته النساء, فعلي سبيل كانت أوساط علم المصريات تعترف بأول ملكة في التاريخ علي أنها الملكة المصرية “مرنيث” من الأسرة الاولي والتي من المرجح أنها تولت العرش منفردة أو كوصية عليه علي أقل تقدير, إلا أن ظهور كشف جديد قد غير تلك المعلومة ولكنه لم يخرج ذلك السبق من مصر فقد كانت أول ملكة في التاريخ هي الملكة “نيت حتب” من الأسرة الأولي أيضاً.
وهو ما يعكس مكانة رفيعة للمرأة المصرية منذ عصور مبكرة, وقد توالي ذلك طوال التاريخ المصري القديم, فعلي سبيل المثال وفي عصر بناة الاهرام نجد الطبيبة المصرية “بسشت” والتي حملت لقب “كبيرة الأطباء” فلم تكن طبيبة فحسب وإنما كانت مسؤلة عن طاقم طبي , لتصبح أول طبيبة مسجلة في التاريخ وقد قام بهذا الكشف العالم المصري الشهير “سليم حسن” عندما إكتشف مقبرة إبنها المدعو “آخت حتب” والتي سجل على جدرانها إسم ولقب أمه “كبير الأطباء” وهو ما جعلها أول طبيبة أنثي مسجلة في التاريخ, أول مشرفة علي أنثي علي مؤسسة طبية في التاريخ.
السيدة نبت :أقوي نساء عصرها
أما في عصر الأسرة السادسة فقد حدث إستثناء فريد من نوعه في الهيكل الإداري لمصر القديمة, ففي عصر الملك “ببي الأول” الأسرة السادسة ظهرت, تلك السيدة والتي يعني إسمها: السيدة ,وكانت أقوي نساء عصرها فقد كانت “نبت” حماة الملك “ببي الأول” وقد أنجبت كلا من الملكات “عنخ اس ان ببي الأول والثانية” واللتان كانتا أمهات الملوك مرنرع نمتي ساف, وببي الثاني أى أن تلك المرأة كانت أم ملكات وجدة ملوك, وفي عصر زوج إبنتها ببي الأول حصلت “نبت” علي لقب “ثاتي” وهو الوزير, وذلك اللقب معادل لرئيس وزراء حالياً وكان أعلي منصب تنفيذي في الدولة المصرية وقتها, ومن المثير للدهشة أن ذلك المنصب لم تحصل عليه إمرأة في مصر القديمة إلا بعد ألف وخمسائة عام من وفاة “نبت” وذلك في عصر الأسرة السادسة والعشرون.
حقوق المرأة العادية في مصر القديمة
أما عن حقوق النساء في منصر القديمة فلم تتمتع بها نساء لا قبلها ولا ممن عاصروها, بل أن حقوق المرأة في مصر القديمة تفوق بعض المجتمعات الحالية,فبما أنها سيدة الدار إذا توفي الزوج ينتقل إليها الأبناء الذين لم يبلغوا سن الرشد, وكان لها حق إدارة طقوس العبادة بل وتصبح كاهنة في المعبد, ويمكن لها إجراء أى نوع من التسويات القانونية ولها حق أن تكون المتعاقد في عقود الزواج والطلاق, بل أن النساء في مصر القديمة كان يمكنهن التبني والمقاضاة وكذلك إقامة دعوي أما المحاكم بدون أن يمثلها أحد أو يوكل عنها أى شخص, كما كانت للنساء الحق في رفع الدعاوي القاضية العلنية أمام المحاكم, بل أن حق التقاضي للمرأة كان يصل إلى أنه يمكن أن تقاضي أبويها لحماية ممتلكاتها.
وإذا تزوجت المرأة فانها تتمتع باستقلالية مالية وقانونية كاملة, وتستطيع شغل وظائف الرجال بدون تمييز او تحيز, وختاما للحقوق كانت للمرأة الحق في الشهادة أمام المحاكم متساوية مع الرجل,كانت مصر هي البلد الوحيد في العالم القديم الذي إعترف للمرأة مبكراً بوضع قانوني تتساوي فيه مع الرجل.
أما عن عمل المرأة الرئيسي فكان في الأغلب لدي الطبقة الفقيرة العمل بجوار زوجها في الحقل, بينما الطبقات المتوسطة والعليا فأغلب النساء كانت مهمتهم غدارة أعمال المنزل وتربية الأطفال, ويبلغ مجموع البرديات الإدارية التي تتحدث عن الأعمال الخاصة بالنساء 13 تفيد بتوثيق عمل النساء في السلك الإداري للدولة المصرية بدرجات متفاوتة.
وقد حصلت النساء علي أجر مماثل للرجال مقابل إنجاز نفس العمل, مما يعكس مواطنة كاملة بينهما, وقد عملت الناسء بكل المهن تقريباً فكانت مديرة, سيدة أعمال, رئيسة مخازن وكذلك مفتشة طعام وخزانة ومشرفة علي الملابس وكما ذكرنا آنفا عملت بالسلك الطبي وحتي الكهنوتي.
صفات المرأة المصرية القديمة
من أكثر الأمور إثارة للإنتباه هو تصوير النساء في جداريات مصر القديمة, فكانت النساء تظهر بهيئة جميلة رقيقة , تهتم كثيرا بمظهرها الارجي فتستعمل مساحيق التجميل بل أن النساء المصرية القديمة هن أول من إستخدماو مساحيق التجميل في التاريخ, وقد كانت تلك الأدوات من الهدايا الثمينة من الرجال للنساء.
وقد كان للنساء حرية الملبس في جميع الأحيان فارتدت النساء في مصر القديمة أزياء عديدة تبدأ من الأردية التي تغطي الذراعين والقدمين , وحتي الأزياء الشفافة أو حتي كشف الصدر, فلم يكن هناك وازع مجتمعي أو عقائدي يمنع الناسء من ملبس معين أو غيره, فكانت النساء تتزين وترتدي ما تشاء بينما تحميها قوة القانون في حالة المضايقات أو التحرش.