مغامرات سنوهي المصري في بلاد الآسيويين
مغامرات سنوهي المصري في بلاد الآسيويين

 

سنوحي وحابي وتي تيشيري ايوة ايوة سنوحي وحابي وتي تيشيري..

رغم شقاوتي وصغر سني هية هية هية هية..

ولاحد في يوم زعل مني هية هية هية هية..

بفرح والعب بس بذاكر هية هية هية هية..

وبحب صحابي ومدرستيي والدنيا الحلوة تغنيلنا..

بتلك الكلمات بدأ مسلسل الرسوم المتحركة “سنوحي” والذي تم بثه عام 2007 في رمضان لأول مرة والذي يحكي عن مغامرات طفل مصري قديم يدعي “سنوحي” يخوض المغامرات مع أصدقائه الواحدة تلو الأخري, وقد حاز ذلك المسلسل علي شهرة واسعة في ذلك الوقت وبدأ الكثرون يتسائلون إن كان “سنوحي” شخصية حقيقة أم لا؟

من هو “سنوحي” المصري؟ وما هي قصته؟ ولماذا تثير قصته دهشة المؤرخين؟

هذا هو ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

إبن الجميزة

“سنوحي” أو “سنوهي” هو تحوير الإسم المصري القديم “سا-نهيت” والذي يعني إبن الجميزة (إبن شجرة الجميزة) والتي كان لها إرتباطاً مقدساً بالإلهة “حتحور” ربة الجمال والامومة في مصر القديمة والتي كان من ألقابها “سيدة الجميزة”, وعلي عكس المسلسل فإن لسنوحي هذا قصة دونها الأدب المصري القديم بالتفاصيل المملة, بل أنه في تاريخ السينما لم يكن هذا هو أول ظهور لإسم “سنوهي” ففي فيلم حمل إسم “المصري” من إنتاج عام 1957 كان بطل الفيلم طبيباً مصرياً يدعي “سنوهي” أيضاً, وهو ما سنعود إليه لاحقاً في المقال.

قصة سنوهي, بردية برلين
قصة سنوهي, بردية برلين

ظهرت اول وثيقة لقصة “سنوهي”حوالى 1800 ق.م وتعود أحداثها إلى عصر الأسرة الثانية عشر المصرية بعد وفاة الملك أمنمحات الأول, وقد توفرت العديد من نسخ تلك القصة في برديات من نفس العصر أو حتي عصور لاحقة, ومن أشهر مصادر تلك القصة “اوستراكا” ( وهي كلمة تعني شقفة فخار أو كسرة حجرية) موجودة بالمتحف المصري وهي أكبر أوستاركا تم إكتشافها علي الإطلاق ومكتوبة بالخط الهيراطيقي للغة المصرية القديمة, وقد وصل الكمال الأدبي لذلك النص أن وصفه المؤرخون بأن كاتب تلك القصة يستحق لقب “شكسبير” مصر القديمة بغض النظر عن إن كانت تلك القصة حقيقية أم لا, وقد ذاع صيت تلك القصة في التاريخ المصري القديم وتم تداولها لأزمان طويلة وعلى نطاق واسع بل أن الأوستراكا المذكورة سلفاً قد تم العثور عليها في مقبرة شخص يدعي “سنو-تم”

قصة سنوهي: طار الصقر إلى جنات العلا

الحاكم, الأمير, مدير أملاك الملك في بلاد الآسيويين, صديق الملك, محبوبه, الرفيق “سنوهي” يقول:

كنت رفيقاً يتبع مولاه, خادماً للحريم الملكي للسيدة العظمي, التي يكثر الناس من مديحها, الزوجة الملكية ل “سنوسرت”, والإبنة الملكية لأمنمحات, المبجلة.

العام الثلاثون, الشهر الثالث, فصل الفيضان, اليوم السابع

رحل الإله إلى أفقه, ملك الوجهين القبلي والبحري “سحتب إيب رع” (امنمحات الأول), طار إلى السماء, وإتحد مع الشمس وإمتزج جسم الإله بمن خلقه.

سكن القصر وقلوب الناس الحزن, اغلقت البوابة الكبيرة, جلس رجال البلاط وقد وضعوا رؤؤرسهم فوق ركبهم وحزن الناس.

تبدأ قصة “سنوهي” برثاء الملك “امنمحات الأول” وتحديد هوية “سنوهي” كموظف مرموق في القصر الملكي, ومن ثم يذكر واقعة غاية في الأهمية وهي إرسال الملك سنوسرت الأول (خليفة أمنمحات الأول) جيشاً إلى بلاد التحنو (ليبيا حالياً) وقد رافقه سنوهي في تلك الحملة والتي كانت أغراضها تأديبية لتهدئة الأوضاع والسيطرة علي أى تمرد, ونجحت نجاحاً مبهراً فعادت بالعديد من الغنائم.

سنوهي يهرب من مصر

تتطور الأمور عندما وصلت رسالة من القصر الملكي تخطر بوفاة الملك, ومن ثم يخبرنا سنوحي بأن سمع ما جعل قلبه يهلع وذراعاه تتدلي ومما تسبب في أن تضرب القشعريرة كل جسده, ومن ثم نجد “سنوهي” يعدو هرباً ليختبيء بين شجرتين حتي لا يقابل أى عابر علي الطريق.

الملك أمنمحات الأول
الملك أمنمحات الأول

لا نعرف تحديداً لماذا هرب “سنوهي”, وماذا كان متعلقاً بوفاة الملك “امنمحات” يجعله يقبل علي ذلك, إلا أن القصة تمضي بأن “سنوهي” توجه إلى جنوب بلاد “رتنو” (كنعان), ويعطينا لمحة عما سمع قائلاً : لم تكن في نيتي الوصول إلى القصر, ظننت أن النزاع سيبدأ, ولم أكن أعتقد أني قادر عيل الحياة بعد كل هذا.

يستمر سنوهي في رحلته ليعبر “ماتي” (لربما بحيرة مريوط), وبالقرب من الجميزة , يتوقف “سنوهي” عند جزيرة “سنفرو”( مكان غير معروف) ليقضي ليلته بها.

في الصباح يستكمل رحلته حتي يقابل رجلاً وصفه سنوهي أنه كان خائفاً منه, ولكن في حقيقة الأمر كان “سنوهي” هو الخائف,  حتي يصل إلى رأس الدلتا ليعبر النيل في قارب حتي يمر شرق محجر “سيدة الجبل الأحمر” ( بالقرب من العباسية حالياً), وفي النهاية يصل “سنوهي” إلى “جبل الأمير” (قلعة سنوسرت الأول عند وادي الطميلات) والذي تم تشييده لصد هجمات البدو وسحق ساكني الرمال كما وصفهم النص.

سنوهي يواجه الموت

عند الوصول إلى القلعة يجد “سنوهي” نفسه فى مأزق, قالقلعة عليها حراس يتناوبون المراقبة, وبمعجزة ما يستطيع “سنوهي” المرور بعدما خبيء نفسه بين الحشائش, بعد عبور الحدود يصل إلى جزيرة تدعي “كم ور” (حالياً عند برزخ السويس) وهناك يتوه في الصحراء ويبدأ جسده في التهالك أمام العطش والقيظ حتي يستسلم سنوهي في النهاية لمصيره قائلا “هذا هو طعم الموت”!

الملك سنوسرت الأول
الملك سنوسرت الأول

ولكن المعجزة تحدث فيمر عليه بعض البدو الرحالة , فيسمع سنوهي من بين آلامه خوار الماشية ويري البدو فيقابل شيخهم الذي تعرف عليه لانه زار مصر من قبل, فأكرموا وفادته وأعطوه الماء والزاد وأحسنوا معاملته.

أمير رتنو يستضيف سنوهي

يمضي سنوهي في مغامرته فتسلمه بلد للأخري حتي يصل إلى جبيل ثم يمر ب “كومي” حتي يصل أخيراً إلى أرض “رتنو” الجنوبية ( فلسطين وسوريا حالياً شرق جبيل علي الطريق الرئيسي بين الشاطيء ودمشق), وصل سنوهي إلى رتنو عندما تواصل معه أميرها المدعو “عاموننشي” وطلب منه المجيء إلى هناك مغرياً إياه بأنه سيجد هناك راحة البال والجسد والأهم أنه سيستمع إلى لغة بلاده لان هناك الكثير من المصريين الذين يعيشون هناك, وكانوا هم من أعلموا الأمير بمكان “سنوهي”.

لماذا أتيت إلى هنا؟

عندما وصل سنوهي إلى حضرة الأمير “عاموننشي” كان أول ما سأله هو سبب مجيئه إلى تلك البلاد وتركه لمصر, فقص عليه “سنوهي” فاة الملك “أمنمحات الأول”  ومن ثم تأثير ذلك الخبر عليه وهربه مذعورا, وبعدها يسأله الأمير عن حالة مصر بعد وفاة الملك, فيستكرد قائلاً بان إبنه “سنوسرت” أخذ مكانه, ويستمر ذلك الجزء من القصة بواحدة من أروع الأوصاف الشعرية في الأدب المصري القديم في مديح الملك “سنوسرت الأول”

إن بلده يحبه أكثر مما يحب نفسه

يبتهج به الناس أكثر من إبتهاجهم بإلههم

يمر به الرحال ويسعدون به

إنه ملك وقد غزا منذ ان كان (في رحم أمه)

ومنذ ولادته أصبح ذلك هدفه

 إنه من يضاعف عدد الذين يولدون في أيامه

إنه لا مثيل له, هبة الإله

ما أسعد البلاد التي يحكمها

إنه هو الذي يمد حدودها

سيهزم البلاد الجنوبية

ولن يضنيه التفكير في البلاد الشمالية

لأنه ولد في هذه الدنيا ليهزم ال”ساشو” (البدو)

ويقضي علي من يسكنون فوق الرمال

وتنتهي قصيدة المديح بطلب من “سنوهي” لكي يكتب الأمير إلى الملك “سنوسرت” ليؤكد له ولاءه وتفانيه ليكون بلده موالياً له.

سنوهي شيخ القبيلة

تمضي القصة ونجد الأمير يدعو “سنوهي” للإقامة معه, بل أننا نجد أن الأمير يفضله علي ابنائه ويزوجه كبري بناته وأعطاه جزءاً من مملكته علي الحدود وعينه زعيماً علي أحد القبائل, ويمضي سنوهي واصفاً تلك المنطقة بانها كانت تدعي “يا” بها تيناً وعنباً, نبيذها أكثر من الماء, عسلها وفيراً وزيتها كثير, بها شعيراً وقمحاً وماشية من كل الأنواع, أما الهبات التي كان يتلقاها “سنوهي” من أتباعه فحدث ولا حرج.

الرتنو كما تم تصويرهم في مقبرة من الاسرة 18
الرتنو كما تم تصويرهم في مقبرة من الاسرة 18

وتمضي السنوات ويكبر أبناء “سنوهي” ويصبح كل واحد منهم زعيماً لقومه, إلا أن الحنين لمصر كان طاغياً لديه فلم ينفك أن يفكر فيها كل يوم من حياته , فنجده يستضيف جميع المبعوثين المسافرين من وإلى مصر, كان يجد فيهم وطنه فيستضيفهم ويكرم وفادتهم.

سنوهي يحارب الهكسوس

بمرور الوقت أصبح “سنوهي” أشهر شخص في “رتنو” كلها, وأصبح أمير رتنو يعتمد عليه في كل المهام الصعبة, ونفهم من سياق القصة حدوث قلاقل في البلاد وأخذ زعماء القبائل يهاجمون الناس فعينه أمير رتنو قائداً لجنوده واحتفظ بذلك المنصب في كل حملة قام بها الجيش مما رفع مكانة سنوهي أكثر فأكثر.

من المثير للإهتمام هو ذلك الجزء من النص الذي استخدم فيه الكاتب لفظة ” حقاوو خاسوت” وتعني حكام البلاد الأجنبية ( حكام الأراضي الخاسئة) , وهو مشتق من كلمتين الأولى: حقا وتعني حاكم مضاف لها واو في نهايتها لتعبر عن الجمع, والأخري خاسوت وهي جمع خاست وتعني أرض أجنبية/ صحراوية/هالكة , وقد استخدم ذلك لوصف زعماء القبائل التي قاد ضدها سنوهي الحملات, وتلك الكلمة لاحقاً التي سيتم اشتقاق كلمة “هكسوس” منها, وبعد ذلك النص من النصوص المبكرة التي ورد فيها لفظ “حقاوو-خاسوت”.

الرتنو يقدمون العطايا للملك تحتمس الثالث, مقبرة رخميرع
الرتنو يقدمون العطايا للملك تحتمس الثالث, مقبرة رخميرع

ولربما كان نص سنوهي إشارة إلى القالق التي ضربت آسيا باكملها وخاصة منطقة سوريا مع الهجرات المتعاقبة من وسط آسيا إليها وهو ما يمكن أن يشير لبداية تجمعات الهكسوس الذين تركزوا فيما بعد في منطقة “رتنو” بأكملها شمالاً وجنوباً لتصبح أكبر معاقل الهكسوس فيما بعد ونقطة إنطلاقهم تجاه مصر لاحقاً.

 

بطل الأبطال يتحدي سنوهي

نتيجة للنجاحات التي حققها “سنوهي” في أرض “رتنو” كان من الطبيعي أن تظهر منافسة تريد أن تنال منه وتستحوذ علي مكانته, وقد تحقق ذلك بالفعل مع تحدي علني لبطل من أبطال “رتنو”, محارب قوي الشكيمة عرف بقوته وجبروته وأخضع له الناس طلب نزال “سنوهي” وأقسم علي أن يقتله ويستولي علي كل ما يملك, وهنا إستدعاه أمير “رتنو” عارضاً عليه ما يحدث

الحقيقة أنني لا أعرفه

لست من ذويه

لم أذهب يوماً إلى مضرب خيامه

هل فتحت يوماً بابه؟

هل هدمت سوره؟

لا!

إنه الحقد

لأنه يراني أنفذ ما تطلب

كان رد “سنوهي”دبلوماسياً, وإستمر وزاد علي كلامه مشبهاً نفسه بثور غريب في قطيع يهاجمونه, لم ينس سنوهي أبداً ان يتذكر أنه أجنبي في تلك البلاد, وعلي الرغم من ذلك فإنه بشجاعة يقبل التحدي, ويقول أنه لا يخشاه.

أمضي سنوهي ليلته يحضر قوسه ويجرب سهام جعبته, أخذ يشحذ خنجره وأسلحته إستعداداً لتلك المواجهة العظيمة, ولما أشرق صباح اليوم التالي حان موعد النزال, تجمع الناس من جميع أنحاء “رتنو” وكانوا يميلون إلى “سنوهي” ويتمنون أن ينتصر, بل ينتقدون فائدة ذلك النزال من الأساس.

كان كل قلب يحترق من اجلي

كانت النساء والرجال يتكلمون

كان كل قلب حزيناً علي

قالوا: أليس هناك رجل شجاع آخر يستطيع قتاله؟

ولكن سبق السيف العذل, وحانت لحظة المواجهة ووقف سنوهي في مواجهة غريمه تحت شمس النهار أما غريمه المغوار , وبدأ النزال بإطلاق غريمه السهام واحداً تلو الأخري تجاه سنوهي الذي ما أن رآاها حتي إستشعر أنها لربما تكون النهاية.

ماذا حدث بعدها؟ وهل إنتصر سنوهي؟

هذا هو ما سنعرفه في المقال القادم.