“سيضرب الموت بجناحية السامين كل من يعكر صفو الملك”
واحدة من أشهر الجمل التي إرتبطت بمقبرة الملك “توت عنخ آمون” لدي متحدثي العربية, ومن ثم إقترنت بمصطلح “لعنة الفراعنة” التي كتب عنها الكثيرون وآمن بها الآلاف حتي أصبحت أحد الجقائق التي لا تقبل الجدل لدي البعض, فمصر القديمة موضوع غامض مثير للخيال وإنجازاتهم جعلت تصديق فعلهم وإنجازهم لأي شيء مقبول ويبقي رواجاً واسعاً.
ما هي لعنة الفراعنة؟ وكيف بدأت؟ وهل هي حقيقة أم خرافة؟
تاريخ لعنة الفراعنة
السمت العام لما يسمي بلعنة الفراعنة يرتبط في معظم الأحوال بالمومياوات المصرية, فكلمة مومياء وحدها تثير الغموض والخيال وينظر له بسطاء التفكير علي أن المومياء جسد يجلب النحس حماه الكهة بالسحر الذي يؤذى من يقترب منها, وقد زاد من تداول هذه الفكرة الروايات والأعمال السينمائية التي تناولت الموضوع بكثير من التكرار في العديد من الأعمال, يظن البعض أن تيمة لعنة الفراعنة إرتبطت باكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون في عام 1922, إلا ان هذا غير صحيح حيث أن ذلك الموضوع له تاريخ قديم جدا يعود لعصور مبكرة
بودرة المومياوات, بني المومياوات
بداية من القرن العاشر الميلادي ظهرت نظرة عجيبة للمومياوات المصرية التي إعتبرها الناس مصدر للعلاج وإستخلاص الدواء, فنجد المؤرخ عبد اللطيف البغدادي يذكر ظهور طبيب يدعي “المجر” كان يصف لمرضاه المصابين بامراض جلدية دواء مصنوع من بودرة عظام المومياوات المصرية!
وتجاوز الأمر ذلك إلى إعتبار أن مسحوق المومياوات كان منشطاً جنسياً غاية في القوة مما جعل ممارسات تدمير المومياوات شيء واسع الإنتشار ب, ولم تكن أوروبا بأفضل حالاً فتذكر المصادر أن والد زوج الإمبراطورة الفرنسية “كاثرين” كانت تصيبه نوبات هستيرية لا تتوقف سوي بعد أن يبتلع مسحوق المومياوات المصرية!
وقد إشتهر مصطلح آخر يعرف باسم “بني المومياوات” Mummy Brown والذي إستخدمه الكثير من الفنانين كصبغة بنية سميت كابوت مورتم وتعني : رأس الميت, حيث كانوا يسحوق جلد وجه المومياوات للحصول علي اللون البني!
تاريخ لعنة الفراعنة
أما عن روايات اللعنات المرتبطة بالمومياوات المصرية فلها تاريخ طويل فنجد الروائي الفرنسي لويس ينشييه يؤلف قصة تقول أنه في عام 1699 إشتري أحد تجار الآثار الأوربيين مومياوتان مصريتان وحملها علي باخرة ليتم شحنها إلى أوروبا, وفي البحر هبت عاصفة عاتية قلبت الباخرة ووغرق معظم محتوياتها وكادت تغرق بأكملها, وزعم التاجر أن السبب في تلك الكارثة هي المومياوات التي تسبب إزعاجها في قلب السفينة فألقى بالمومياوات في البحر!
وعلي الرغم من أن القصة خيالية تماماً إلا أنها لا تزال تثير خيال من يبحث عن الموضوع وينقلها البعض لخانة الواقعة الحقيقة ويعتبرها آخرون كدليل!
ومع حلول القرن التاسع عشر بدأت قصص كثيرة متعلقة بالمومياوات كتبها كتاب كبار لهم وزن مثل برام ستوكر, آرثر كونان دويل وكذلك إدجار آلان بو في قصته القصيرة “محادثات مع مومياء”, وأغرب ما تم تداوله بهذا الشأن هو ربط غرق السفينة تيتانيك بمومياء مصرية كانت على متنها وعرفت تلك القصة بلعنة مومياء آمن-رع بل أن تلك القصة تم إعادة صياغتها مئات المرات حتي تم إضافة تفاصيل عديدة لها وتشعبت حتي أصبحت أسطورة كبيرة لا نهاية لها.
وحقيقة الأمر أن الموضوع كله كان متعلق بغطاء تابوت يحمل رقم
بالمتحف البريطاني ورغم محاولات المتحف نفي تلك الخرافة إلا أنها لا زالت متداولة حتي الآن علي الرغم من عدم وجود حتي مومياء مرتبطة بالقصة !
لعنة الفراعنة في السينما
تعد السينما هي أحد أكثر الأشياء المؤثرة في الأفكار البشرية ومن أشهر التيمات المرتبطة بالمومياوات المصرية في تاريخ السينما هي تيمة المومياء التي تغادر تابوتها للإنتقام والتدمير , وقد تم تناول تلك التيمة مئات المرات أشهرها عام 1932 في فيلم المومياء من بطولة الممثل الشهير “بوريس كارلوف” عندما قرأ أحد علماء الآثار تعويذة من كتاب الموتي بجوار مومياء أطلقوا عليها “إيمحوتب” الذي عاد للحياة بعد قراءة التعويذة.
وبعد ذلك الفيلم توالت العديد من الأفلام التي تروي مواضيع مشابهة مثل : يد, كفن , لعنة المومياء كذلك دماء من مقبرة المومياء وغيرها من العناوين.
إيمحوتب ولعنة المومياء
كذلك نجد في سلسلة الأفلام ساحقة النجاح “المومياء” من بطولة الممثل الأميركي الكندي برندون فريزر The mummy – Brandan Fraser , والطريف في الأمر أن بطل الفيلم كان مومياء شخص يدعي “إيمحوتب” أيضاً مثل فيلم “برويس كارلوف”, وخلال سلسلة الأفلام تم ترسيخ العديد من الأفكار وأهمها المومياء التي تعود للحياة لتنتقم وتدمر بل وتفني العالم.
وعلي الرغم من أن الأفلام الخيالية لا يمكن نقدها من منظور تاريخي لأن صانعيها لم يزعموا أنها مراجع تاريخية أو مستندة علي أحداث حقيقية إلا أن ذلك لم يمنع ترسيخ فكرة اللعنات في أذهان الناس.
لعنة توت عنخ آمون
في عام 1922 أصبح الشغل الشاغل للعالم أجمع هو إكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون علي يد عالم الآثار البريطاني “هوارد كارتر” ومموله ” اللورد كارنرفون”, أبهر ذلك الكشف العالم الذي رأي ولأول مرة كنوزاً مصرية ملكية لا تضاهي وكتبت مئات الصحف عناويناً براقة تتحدث عن الخبر, إلا ان أشهر تلك العناوين لم يكن متعلقاً بالكشف فقط وإنما بمصطلح تم صكه وقتها “لعنة الفراعنة” بعدما حدثت العديد من حالات الوفاة التي تم ربطها بالكشف بعدما نشرت صحفية متحمسة تفسير لتلك اللعنة وكان الجملة التالية: “سيضرب الموت بجناحية السامين كل من يعكر صفو الملك” وتم تداول أن تلك الجملة كانت منقوشة علي جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون وأنها كانت تحذيراً واضحاً للوفيات التي حدثت بعد الكشف, كانت أشهر الوفيات التي رسخت مفهوم اللعنة هي وفاة ” لورد كارنرفون” والذي توفي في ابريل 1923 وعلي الرغم ان ما حدث طبقاً لزوجته “ألمينا كارنرفون” كان لدغة بعوضة تعرض لها في مارس من نفس العام توفي بعدها بشهر بسبب تسمم الدم, وحقيقة الأمر ان الجملة بالخبر نفسه مفبرك ولا تشوبه أى حقيقة سوي وفاة لورد كارنرفون والتي كانت طبيعية.
إرتبط بعد ذلك العديد من الأساطير والروايات التي تفيد بانقطاع الكهرباء في القاهرة وقتها وكذلك وفيات ضربت العمال إلى ما آخره من البهارات الصحفية وخيالات الناس التي جعلت من القصة أسطورة مشوقة تجذب النفس البشرية.
علي أية حال فإن العمل الجامع لتلك الخزعبلات كان الفيلم الوثائقي الذي عرضته القناة الخامسة البريطانية channel 5 والذي كان بعنوان: The Curse of King Tut لعنة الملك توت, وقد شمل العديد من الأحداث التي تم ربطها بالكشف ومن ثم تفسيرها بلعنة الفراعنة, وقد عاصر “هوارد كارتر” نفسه تلك الروايات وظل يحاضر بشان الكشف فترة طويلة جدا بعدها حتي وفاته في عام 1939 , أى أن كارتر عاش لسبعة عشر عاماً بعد الكشف ولم يصب بأي أذي علي الرغم من انه صاحب الكشف وأول من دخل إلى المقبرة وأكثر شخص تعامل مع آثارها لفترة طويلة من الزمن!
بل أن مومياء توت عنخ آمون لم يكن كارتر هو الوجيد الذي تعامل معها, ففي عام 1925 قام هو ودوجلاس دراي أستاذ التشريح بجامعة فؤاد الأول القاهرة حالياً- ومعهم الطبيب المصري صالح بك حمدي مدير القومسيون الطبي بالإسكندرية ومعهم مجموعة من المعاونين بفحص المومياء ولم يحدث لأحد منهم شيء!
بكتيريا قاتلة؟
يفسر البعض ما حدث في إكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بكل بساطة, حيث أن المقبرة نفسها عبارة عن مدفن به الكثير من المواد العضوية مثل الطعام والشراب وحتي المومياء نفسها, ومع تعرض تلك المواد للهواء بعد إغلاقها لآلاف الأعوام فمن الطبيعي أن تكون بيئة خصبة للبكتيريا والامراض التي ستنتقل للإنسان بكل سهولة.
وفي العصر الحديث يلجأ المنقبون وعلماء الآثار لتقنيات مختلفة لتفادي ذلك , سواء بالتعقيم أو بتعريض المكان المكتشف للهواء فترة لتنقيته من البكتيريا والفطريات إلى ما آخره من إجراءات الأمان والتي تثبت نجاحها في كل بعثة وكلهم لا يحدث لهم شيء ولا يصابون بأي لعنات.
وحقيقة الأمر أن مقبرة توت عنخ آمون لم تكن المقبرة الكاملة الوحيدة التي تم كشفها, فلدينا مثلا المقبرة الملكية بجبانة تانيس والتي إكتشفها عالم الآثار الفرنسي “بيير مونتييه” والذي لم يحدث له شيء بعد الكشف, كذلك إكتشاف مقبرة “يويا” و”ثيوي” في وادي الملوك وهما أجداد الملك اخناتون, لدينا أيضا مقبرة الموظف “سن نجم” والتي عثر عليها كاملة في منطقة دير المدينة, وغيرها من المقابر التي أكتشفت كاملة ولم يعاني مكتشوفها من أى متاعب من أى نوع.
السحر واللعنات في مصر القديمة
في الفترة التاريخية المسماة بالدولة الوسطي في مصر القديمة ظهرت نصوص أطلق عليها علماء الآثار نصوص اللعنة, وهي عبارة عن نصوص تهدد من ينتهك المقبرة أو يمسها بأنه سيناله عقاب شديد وستؤذيه الحيوانات المخيفة مثل الثعابين والتماسيح والعقارب وهدف تلك النصوص واضح وهو حماية المقابر من اللصوص, كذلك ظهر ما أطلق عليه “طوبات اللعنة” وهي عبارة عن أربع قوالب من الطوب توزع علي أركان حجرة الدفن وحتي خارج المقبرة, وكما نري فإن المصريون لم يكتفوا بوضع تخطيطات معقدة لمقابرهم بل حاولوا أيضا إستمطار اللعنات علي أى معتدي أو سارق للمقابر, وعلي الرغم من ذلك لم تفلح تلك المحاولات فالغالبية الساحقة من مقابر مصر القديمة تمت سرقتها بل وإشعال النيران في بعضها بدون حدوث أى لعنات, وواقع الأمر أن هذه النصوص لم تتعد الأماني ورغبة المتوفي في أن ينعم في حياة أخري هانئة.
الدجل والشعوذة وناهبو المقابر
بناء علي التراث العربي من المرويات التي وصفت ملوك مصر بالسحرة صانعي العجائب , ترسخت في أذهان متحدثي العربية صورة خيالية تماماً عن مصر القديمة, فنري البعض يتحدث عن جان يحرس المقابر, وهذا الجان دوما غاضب يطلب أضحيات بشرية ويتطلب مشعوذ يطلق علي نفسه (شيخ) ليساعد هؤلاء الواهمين بالكنوز في الحفرؤ والتنقيب, وهؤلاء لم يسمع أحد منهم بقصة كارتر ولا لعنة توت عنخ آمون ولكنهم وصلوا لنفس النتيجة عبر إتجاه مختلف تماماً, والصحف كل يوم تظهر فيها الأخبار عن تنقيب غير شرعي عن الآثار وحفر تنهار فوق أصحابها بل وعمليات قتل لأطفال وبشر بحثاً عن أوهام.
ولهؤلاء يمكن أن نجيب وبكل بساطة, إن كانت تلك الخرافات صحيحة بالفعل فلم لا يستعين المنقبين والأثريين بهؤلاء المشعوذين في التنقيب والبحث العلمي بدلاً من التكاليف الباهظة للمعدات والأيدي العاملة والعاملون بالمواقع الأثرية؟