أعلن البنك المركزي المصري عن تصميم جديد لورق بنكنوت من فئة عشرو وعشرون جنيهاً، وكالعادة ظهر على تلك العملات آثاراً وشخصيات مصرية من تاريخها القديم. العملات المصرية هي أحد الروابط التي تربط المصريين بتاريخهم القديم وتجعله جزء من تعاملاتهم وحياتهم اليومية حيث يرون عليها تاريخهم باستمرار وبشكل يومي. وحقيقة الأمر أن تاريخ العملات المصرية لا يقتصر على التصميمات الحديثة فقط بل كانت طوال تاريخ مصر الحديث علامة مميزة في تاريخ المصريين.
في العادة يتكون التصميم العام للعملات الورقية من وجهين, الأول باللغة العربية وعليه صورة لأثر من الآثار الإسلامية, والوجه الآخر بالإنجليزية وعليه صورة لآثر أو شخصية من مصر القديمة وهو ما سنركز بحثنا عليه في هذا المقال، لم يقتصر وجه الآثار المصرية على صور لتلك الآثار فقط وإنما احتوت العملات المصرية أيضاً على جمل وتعبيرات باللغة المصرية القديمة !
الخمسون قرشاً ورمسيس الثاني
من أشهر العملات الورقية التي قاربت على الانقراض من تعاملات الحياة اليومية هي ورقة البنكنوت فئة الخمسون قرش، ومصور عليها واحد من أشهر تماثيل الملك “رمسيس الثاني” ويمثله في شبابه، هذا التمثال هو واحد من أجمل تماثيل رمسيس إن لم يكن أجملهم على الإطلاق وموجود حالياً بمتحف تورين للآثار المصرية.
تتضمن أيضاً ورقة الخمسون قرشاً كتابة لاسم رمسيس الثاني بداخل (خرطوش ملكي: وهو شكل بيضاوي يكتب بداخله أسماء الملوك والملكات ويعبر عن دائرة الأبدية), بداخل خرطوش رمسيس الثاني نقرأ: وسر ماعت رع ستب إن رع وهو لقب تتويج رمسيس الثاني.
أما على يسار الورقة فنجد جدارية شهيرة للملك “سيتي الأول” والد رمسيس الثاني من على جدران معبد الكرنك تمثله في إحدى حملاته على كنعان، ليجمع التصميم بين رمسيس ووالده في لفتة طيبة من المصمم. وطوال تاريخ إصدار الخمسون قرشاً كان تمثال رمسيس الثاني عنصراً أساسيا عليها وهو يعد أفضل تصميم للخمسون قرشاً على مدار تاريخها.
أبو سمبل على الجنيه
تتضمن ورقة الجنيه أيضاً آثاراً وتصويراً لرمسيس الثاني، فنجد عليها واجهة المعبد الكبير الذى شيده رمسيس في منطقة أبو سمبل بأربع تماثيل ضخمة جالسة تمثل رمسيس نفسه, كذلك فالورقة تحتوى على خرطوشين الأول لرمسيس وبه اسمه: رع مسس مرى إمن (رمسيس محبوب آمون) والآخر لزوجته وحب حياته نفرتارى : نفرت إرى مريت موت (نفرتارى محبوبة الإلهة موت).
وإطار تلك الورقة يحتوى على كلمات مكررة باللغة المصرية القديمة فبالأعلى نقرأ سا رع نب تاوى ( إبن الإله رع, سيد الأرضين) ومن الأسفل نقرأ: دى عنخ ومعناها المعطى الحياة وهى صيغة كانت تأتى مع ألقاب وأسماء ملوك مصر.
لم يكن ظهور أبو سمبل على ورقة الجنيه هو الأول ففي تصميم أقدم للجنيه نجد تمثالين من واجهة المعبد الكبير في أبو سمبل بينما تحتل واجهة المعبد الصغير في أبو سمبل الجزء الرئيسي من الورقة, بينما ألقاب رمسيس الثاني مدونة بالكامل على إطار المعبد الصغير وتقرأ : القوى بماعت رع, الملك المختار من الإله رع, رمسيس محبوب آمون). ويعد هذا التصميم القديم هو أفضل تصميمات الجنيه بلا منازع.
حعبى وخيرات النيل: الخمسة جنيهات
تصميم الخمسة جنيهات يمثل خيرات النيل فى مصر, فنجحد الإله “حعبى” روح الفيضان وبالأسفل مناظر من الحياة اليومية للمصريين القدماء من صيد ونقل تماثيل والعمل بالحقول, ولم يكن هذا التصميم ثابتاً على الخمسة جنيهات فظهر عليها أهرامات الجيزة مرة وفى تصميم آخر الأهرامات والنيل.
أما أفضل تصميمات الخمسة جنيهات فهو تصميم قديم مطابق للتصميم الحالي ولكنه مضاف إليه صورة لأطلال معبد الرامسيوم ( معبد تخليد الذكرى للملك رمسيس الثاني) والموجود بغرب طيبة.
خفرع ملك العشرة جنيهات
اشتهرت العشرة جنيهات بالصورة الأيقونية التي تمثل تمثال الملك خفرع جالساً وهو أحد درر المتحف المصري بالتحرير, هذا التمثال يعد أكمل عمل نجته المصري القديم بل أننا يمكن أن نقول بلا مبالغة أنه أكمل عمل نحته البشر على الإطلاق, وقد ظلت صورة هذا التمثال على العشرة جنيهات معظم الوقت ويمثل التمثال الملك خفرع وهو يرتدى غطاء رأس يدعى (نمس) تعلو شفتاه ابتسامة غامضة بينما الإله حورس الصقر الخارق إله السماء وحامى الملوك يحيط رأس الملك بجناحها من الخلف.
ومن أغرب الأشياء على مدار تاريخ العشرة الجنيهات أن التصميمات الأقدم لها تبدو دوماً أجمل، وأجملها على الإطلاق تصميم قديم لربما هو أفضل تصميم لعملة مصرية على الإطلاق.
فيظهر على ذلك التصميم تمثال الملك خفرع بكامل تفاصيله تقريباً, وعلى اليمين نجد واحدة من أشهر القطع المصرية بالخارج وهو زودياك (أبراج) معبد دندرة والذى كان سقف مقصورة للإله أوزير بمعبد حتحور فى دندرة – قنا, وقد تم خلعه وسرقته ليستقر فى المتحف البريطانى.
أما على اليسار فنجد الأهرامات وقرص الشمس وبالأسفل مستطيلات صغيرة عددها 12 مكتوب بداخلهم شهور وفصول السنة المصرية القديمة.
كانت السنة في مصر القديمة تنقسم إلى 3 فصول وهم آخت: الفيضان، برت: الإنبات، شمو: الحصاد ويتكون كل فصل منهم من أربعة شهور يحمل كل شهر منهم رقم، فعلى سبيل المثال التواريخ تقرأ بالشكل التالي: اليوم كذا، الشهر (الأول، الثاني، الثالث، الرابع)، فصل الشمو، وبنفس الطريقة تتم قراءة أسماء الفصول والشهور الأخرى، وهو ما تحتويه ورقة العشرة جنيهات في ذلك التصميم، لتوثق الفصول الثلاثة والشهور الإثنى عشر.
العشرون جنيه: رمسيس وسنوسرت وإيزيس
كالعادة يظهر الملك رمسيس الثاني مرة أخرى هذه المرة على عجلته الحربية وهذه الجدارية مأخوذة من منظر على جدران معبد بأسوان يسمى بيت الوالي ويمثل الملك رمسيس في إحدى حملاته على النوبة بصحبة أولاده, كذلك يظهر الملك سنوسرت الأول وهو يقوم بافتتاح مائدة قرابين في طقسة تسمى: الشرب أربع مرات, وهذا المنظر مأخوذ من على جدران المقصورة البيضاء بمعبد الكرنك.
يليهم منظرين من معبد حورس في إدفو والأول يمثل أحد ملوك البطالمة أمام الإله حورس والإلهة سشات وهو يقوم بطقسة تسمى طقسة مد الحبل وهى أحد طقوس تأسيس المعابد المصرية القديمة, أما المنظر الآخر فيظهر فيه الملك بطليموس الثامن وهو يتوج بين الإلهتين نخبت وواجيت إلهتى الجنوب والشمال.
ومثل العشرة جنيهات فالتصميمات الأقدم للعشرين جنيهاً أفضل، ففي تصميم أقدم للورقة نجد جدارية للإلهة “آست” ( إيزيس) من على جدران معبد كلابشة في أسوان وقد تم استبدال ذلك المنظر بمنظر سنوسرت الأول من المقصورة البيضاء.
كذلك نجد الإلهة نخبت (أنثى النسر) وهى تحمل علامة تسمى “شن” وهى دائرة الحماية الأبدية.
حورس البحديتى: الخمسون جنيه
تحمل ورقة الخمسون جنيهاً صورة بديعة لمعبد حورس في إدفو, وهذه الصورة عند البحث لن تجدها على الإطلاق لأنها ليست صورة فوتوغرافية بل هى استنساخ من لوحة رسمها رسام إسكتلندي يدعى ديفيد روبرتس نشرت أعماله ما بين عامى 1842 و 1849, وبالأعلى نجد أحد رموز الإله حورس البحدريتى إله مدينة إدفو وهو قرص الشمس المجنح.
والمعبد المصور بالعلامة ينتميان للإله حورس البحديتى وهو إله مدينة إدفو القديمة التى كانت تسمى بحدت ومعنى اسم حورس البحديتى هو حورس المنتمي لبحدت (حورس الإدفوى)
المائة جنيه: رسالة بالهيروغليفية
بخلاف صورة أبو الهول على المائة جنيه وهو أحد أشهر الآثار المصرية على الإطلاق نجد جملة مكتوبة باللغة المصرية القديمة بالأسفل على اليمين وتقرأ: كمت حج 100, ومعناها مائة فضة مصرية, مائة وحدة نقدية مصرية.
إلا أن ذلك التصميم لم يكن هو الأجمل على الإطلاق فهناك تصميم أقدم ظهر فيه الملك توت عنخ آمون على المائة جنيه يعد واحداً من أجمل العملات المصرية فى التاريخ, فتصميم تلك الورقة فريد من نوعه لأنك لا يمكنك رؤية آثار إلا عندما تمسك الورقة بشكل طولي وليس مستعرض, وهى الورقة الوحيدة التي صممت بهذا الشكل.
بالأعلى نجد أحد قلادات الملك توت عنخ آمون والتي عثر عليها بمقبرته ومن ثم القناع الذهبي للملك ومعه اسم توت عنخ آمون بداخل خراطيش : نب خبرو رع توت عنخ آمون حقا أون شماع.
وبالأسفل نجد منظر من على أحد صناديق الملك توت عنخ آمون يمثله هو وزوجته “عنخ سن آمون”.
المائتى جنيه: مصر السلام
على المائتى جنيه نجد صورة لكاتب مصري لا نعرف اسمه، وقد عثر على ذلك التمثال في منطقة آثار سقارة وموجود حالياً بالمتحف المصري، وبالأسفل نجد وبداخل خرطوش الجملة التالية مكتوبة باللغة المصرية القديمة: سلام هي مصر.
توت ورمسيس ملوك العملات المصرية
حصل الملك توت عنخ آمون على نصيب الأسد من الظهور على العملات المصرية, وذلك من خلال تمثال غير شهير للملك سيعرض بالمتحف المصرى الكبير وقد ظهر ذلك التمثال على عملات بداية من فئة الخمسة وعشرون قرشاً وحتى المائة جنيه بشكل متكرر في أكثر من تصميم, ظهر الملك توت تقريباً أكثر من اربعة عشر مرة على العملات المصرية , يليه في الظهور الملك رمسيس الثاني ومن ثم تمثال أبو الهول.
العملات البلاستيكية الجديدة
أما عن التصميمات الجديدة فلأول مرة نجد الملك خفرع يتخلى عن العشرة جنيهات وتظهر مكانه الملكة حتشبسوت, هذا التمثال موجود حالياً بمتحف المتروبلوليتان ففي الولايات المتحدة وهو من مقتنيات معبد حتشبسوت في الدير البحري, وخلف الملكة نرى هرم الملك خوفو.
أما العشرون جنيهاً فلا يزال الملك رمسيس على عجلته الحربية, بينما نجد جدارية للإلهة إيزيس قد ظهرت من قبل على العشرون جنيها في تصميم أقدم, وفى الجدارية تظهر الإلهة إيزيس وفوق رأسها قرون البقرة وبينهما قرص الشمس , وفوق قرص الشمس نجد علامة كرسي العرش وهى العلامة التي تقرأ في اللغة المصرية القديمة: آست وهو اسم الإلهة إيزيس، وكما ذكرت سابقاً فتلك الجدارية موجودة بمعبد كلابشة في أسوان.