المعابد هي واحدة من أبرز الآثار التي تركها المصريون القدماء، لم يوجد مكان في مصر بأكملها إلا وبه معبد وفى بعض الأحيان معابد ضخمة أصبحت أطلالاً أو لم تعد موجودة في العصر الحديث.

لماذا بنى المصري القديم المعابد وماذا كان الغرض منها؟ سنستعرض في هذا المقال باختصار غير مخل أهم أنواع المعابد المصرية على الإطلاق وهى بيوت الإله في عقيدة مصر القديمة أو ما تسمى الفراعنة.

فلسفة بناء المعابد وأنواعها

لم تكن المعابد في مصر القديمة لنفس الأسباب وتؤدى نفس الغرض وتنوعت بشكل عام إلى قسمين: الأول وهو المعابد الطقسية (الإلهية) التي تقام فيها الطقوس والشعائر والعبادات، أما النوع الثانى فكان معابد تخليد الذكرى.

كانت فلسفة البناء في مصر القديمة واضحة ومحددة من حيث الموقع، فكل ما يرتبط بعالم الأحياء يبنى على الضفة الشرقية من نهر النيل حيث تشرق الشمس فكان الشرق هو مدينة الأحياء وبه المدن والقصور وأماكن المعيشة وكذلك المعابد الطقسية، أما الغرب فكان للموتى وبنى فيه المقابر والمباني المتعلقة بها من ملحقات من معابد تخليد الذكرى على سبيل المثال.

كانت هناك استثناءات لذلك بالتأكيد، ففي بعض الأحيان فرضت الظروف على سبيل المثال أن يتم تشييد مقابر “بنى حسن” في المنيا شرق النيل وذلك على ما يبدو لعدم وصول نفوذ أصحاب هذه المقابر إلى الغرب وقد شهدت تلك الفترة من تاريخ مصر والمؤرخة بأواخر الدولة الوسطى قبيل احتلال الهكسوس لمصر اضطرابات سياسية ونزعة حكام الأقاليم للاستقلال بأقاليمهم واعتبار أنفسهم ملوكاً مستقلين على تلك المقاطعات والأقاليم.

مباني وقرى ومجتمعات عمال تشييد المقابر

كذلك فإننا نجد أن مباني إسكان وقرى ومجتمعات العمال الذين عملوا في تشييد المقابر والمباني الجنائزية كانت دوماً غربا النيل لسهولة سير العمل وسرعته، فنجد مقابر العمال بناة الأهرام بداخل هضبة الجيزة نفسها، بل إن ذلك الأمر تكرر في معظم المجموعات الهرمية للملوك بناة الأهرام وهو عصر الدولة القديمة.

ومع تطور الزمن استمرت تلك العادة فنجد قرية العمال بناة الأهرام والمعروفة الآن باسم “دير المدينة” في غرب الأقصر بالقرب من وادى الملوك نفسه، لأن النظام كان ثابتاً لا تشوبه سوى استثناءات بسيطة في ظروف معينة ومنطقية.

قرية عمال دير المدينة.
قرية عمال دير المدينة.

ظهر تعبير آخر في النصوص المصرية القديمة وهو “بت حر تا” (السماء فوق الأرض) أي كما في السماء كما في الأرض، ففلسفة المعمار في مصر القديمة كانت تطبيقاً لما ظنوا أنه في السماء ليشيدوا مثله على الأرض وخاصة في المعابد الطقسية.

 

بيوت الإله

“حوت نتر” وهو تعبير مصري قديم معناه “مستقر أو مكان الإله”، وكذلك “بر نتر” وتعنى: بيت الإله، وهى الكلمة التي أشار لها المصري القديم للمعبد الطقسي الذى تؤدى فيه طقوس العبادة للإله.

ظهرت المعابد الطقسية في مصر القديمة من العصور المبكرة جداً في مصر القديمة، وكان واحد من أقدم المعابد الطقسية المعروفة لنا هو معبد الإله “حورس” الموجود في الكوم الأحمر بمدينة أسوان حالياً.

وهو المعبد الذى عثر فيه على واحد من أشهر الآثار على الإطلاق في مصر القديمة وهو صلاية الملك نعرمر (مينا) موحد القطرين  وهو أثر يعرف أيضا باسم صلاية طحن الكحل وكان يستخدم بالفعل أنواع منها في طحن الكحل والأخرى طقسية ورمزية وهو ما ينطبق على الصلاية الخاصة بـ نعرمر والموجودة بالمتحف المصري بالتحرير.

صلاية نارمر أول ملوك الأسرات، المتحف المصرى.
صلاية نارمر أول ملوك الأسرات، المتحف المصري.

وكل المعابد الطقسية القائمة حتى الآن كانت مبنية على معابد أقدم منها أي أن ارتباط الإله المكرس له المعبد كان دائما منذ عصور قديمة جدا، ففي كل المعابد المصرية يجد علماء الآثار دوماً طبقة أقدم أسفل هذا المعبد تدل على وجود أصل قديم له، أو حتى كان البناء يقوم على أصول قديمة يضاف لها لاحقاً.

الطقوس داخل المعابد المصرية القديمة

وعلى الرغم من استخدامنا لنفس المصطلح : بيت الإله الآن للإشارة لدور العبادة إلا أن فلسفة المعابد الطقسية كانت مختلفة تماماً عما كان في مصر القديمة، فاليوم دور العبادة مفتوحة للجميع والطقوس التي تؤدى فيها بسيطة ومفهومة، إلا أن هذا لم يكن الحال في مصر القديمة.

كانت المعابد المصرية حرفياً هي بيت الإله ومستقره، ففيها يتجسد ويعيش، يستيقظ كل يوم مع إشراقة كل صباح، وكانت الطقوس التي تؤدى في المعبد قائم عليها الهيئة الكهنوتية لذلك المعبد، وقد قسمت تلك الهيئة الكهنوتية إلى رتب، ولم يطلق الإغريق على هذه الهيئة كلمة كهنة وإنما أشاروا إليهم بمصطلح “أنبياء” Prophets

حيث أنهم لاحظوا ان وظائفهم ومهامهم كانت فريدة من نوعها ومتسقة مع ما عرفه الإغريق عن النبوءة والرؤى الإلهية. فأطلقوا عليهم هذا المصطلح، بينما استخدم عالم المصريات الشهير “كنت كتشن” مصطلح مدرسة الآباء المقدسين. للإشارة إلى الهيئة الكهنوتية لمعبد آمون والتي تؤهل الملتحق بها للانضمام إلى السلك الكهنوتي.

رتب كهنة المعابد في مصر القديمة

كان على رأس المعابد كاهناً لقبه البني الأول للإله (كبير الكهنة)، يليه النبي الثانى والثالث والرابع وهكذا، وكان هؤلاء هم صفوة العاملين بالمعبد يرافقهم رتب كهنوتية أخرى وتخصصات بمفهوم أشمل وأوسع. وكان ذلك النظام سائداً في جميع المعابد الطقسية في مصر القديمة.

كانت الطقوس بداخل المعابد المصرية سرية للغاية لا يطلع عليها ويعلمها سوى أهلها. ولم يكن مسموحاً للعامة بدخول المعبد إلا في حالتين:

  1. الحالة الأولى: هو ان يكون الشخص عاملاً بالمعبد نفسه يؤدي دوراً محدداً مثل حمل القرابين وتجهيزها ويستمر عمله لوقت قليل من اليوم. يعود بعدها إلى حياته خارج أسوار المعبد.
  2. الحالة الثانية: هي الأعياد والمناسبات والتي يسمح للعامة فيها بالحضور في الساحات الامامية للمعبد لمشاهدة الموكب الاحتفالي، فيما عدا ذلك لم يكن مسموحاً للعامة بدخول المعبد على الإطلاق.

أي أن مفهوم المعبد يختلف تماماً عن دور العبادة كما نعرفها اليوم جملة وتفصيلاً.

المقاصير في مصر القديمة

بالإضافة إلى المعابد الكبرى كان هناك ما يطلق عليه المقاصير وهى معابد مصغرة او حتى رمزية كانت توجد في جميع ربوع مصر كتصغير للمعابد الكبرى لتسهيل العبادة وجلب القرابين من العامة الذين يؤدونها للمعبد تضرعاً للإله.

وأكبر المعابد الطقسية في مصر على الإطلاق هو مجمع معابد الكرنك، فهو ليس معبداً واحداً بل سلسلة من المعابد الكاملة المتجاورة وقد استمر البناء والتشييد فيه لقرابة الألف عام.

تخطيط المعابد الإلهية

بدأت المعابد في مصر القديمة بمباني متواضعة من الأخشاب والسقف مغطى بالجريد، حتى بدأ المصري القديم في البناء بالحجر على نطاق واسع وسنتخذ من معابد الدولة الحديثة نموذجا للتطبيق في هذه الفقرة :

كان التخطيط العام للمعابد عبارة عن سور خارجي يليه بعض المباني والملحقات ذات الوظائف المختلفة في حرم المعبد، ثم واجهة المعبد نفسه وتسمى صرح، يلى ذلك الصرح صالات أعمدة، ويمكن أن تتكرر الصروح والصالات باختلاف حجم المعبد حتى نصل إلى أهم الأماكن في المعبد على الأقداس وهو “قدس الأقداس”.

كانت الصروح تزينها الاعلام من الخارج، وكذلك مناظر متعددة وفى حالة المعابد الطقسية كانت المناظر تتعدد ما بين الطقوس المختلفة التي تؤدى لخدمة الإله قاطن المعبد، وهناك نوع آخر من المناظر وهو ضرب الملك للأعداء والأسرى أمام الإله.

صالات المعابد المصرية القديمة

تعددت وظائف الصالات ما بين صالات الإشراق وصالات الاحتفال، وكانت صالات المعابد تستند في الغالب على أعمدة وكلها مزينة بمناظر مختلفة، الصالة وبدن الأعمدة نفسها، كما أن المعابد المصرية لم تكن مكرسه حصرياً لإله واحد فقط فهناك معابد كان لها إلهاً رئيسيا وبداخله مقاصير لآلهة أخرى.

وقد ساعد في ذلك وجود أفكار مثل الثالوث الإلهي في مصر القديمة وهو عبارة عن أبن وأم وابن مثل آمون وموت وخونسو فى طيبة، كذلك التاسوع الإلهى مثل تاسوع مدينة عين شمس أو حتى الثامون الإلهى كما في الأشمونين في المنيا.

وكان لكل مدينة كبيرة معبداً كبيرا خاص بها، ولكن ما تبقى لنا من المعابد المصرية هو الموغلة في جنوب البلاد وذلك لعدم توغل الاحتلالات الأجنبية بما فيه الكفاية للجنوب مما قلل من قدرتهم على تدمير المعابد، اما مدينتي عين شمس ومنف فحدث ولا حرج فلم يبق من معابدها حجراً فوق حجر بعد عقود طويلة من التدمير والتطرف والمعاداة.

تخطيط معبد الأقصر من موسوعة وصف مصر.
تخطيط معبد الأقصر من موسوعة وصف مصر.

 

قدس الأقداس داخل معابد مصر القديمة

إذا نظرنا إلى قدس الأقداس بداخل كل معبد فهو أهم أماكن المعبد، وكانت المعابد المصرية تبنى من الداخل للخارج أي أن قدس الأقداس كان هو أول ما يتم الشروع فى بناؤه وبعد ذلك تتعدد الصالات والصروح.

باختصار فإن أقدم جزء في كل المعابد الإلهية المصرية هو قدس أقداسها، لذلك عند وجود أي إضافات بأي معبد مصري فهي تتم من الخارج وكانت هذه هي الفكرة التي قامت عليها توسعة معبد الكرنك.

حتى تحول إلى أكبر مجمع ديني في العالم من حيث المساحة وأصبح سلسلة متصلة من المعابد رغم أنه مكرس للثالوث الطيبى آمون وزوجته موت وابنهما خونسو، إلا أنه احتوى على معابد كاملة لآلهة أخرى.

بل ان إخناتون نفسه الذى عرف بمعاداته للتقاليد الدينية المصرية القديمة كانت أولى إنشاءاته بعد توليه الحكم هو معبد لإلهه آتون بداخل مجمع الكرنك.

مجمع معابد الكرنك.
مجمع معابد الكرنك.

 

بالإضافة إلى ذلك المخطط العام كانت هناك أماكن لسكن الكهنة وغرف لحفظ الأدوات المستخدمة في الطقوس. وأماكن للقرابين وتجهيزها وكذلك البحيرة المقدسة التي يتم الاغتسال فيها يوميا.

كما أن المعبد كان يمثل قوى اقتصادية لا يستهان بها وله العديد من الأوقاف والأراضي والممتلكات التي تدبر شئونه بالإضافة إلى القرابين التي يجلبها ذوى الحوائج.

كان قدس أقداس المعبد يحتوى على مقصورة صغيرة تحوى تمثال الإله يتم فتحها كل يوم لأول مرة في الصباح لتأدية طقوس الصباح.

مع تكرار تلك الطقوس أكثر من مرة خلال اليوم وكانت الطقوس متمحورة حول تقديم القرابين وتلاوة التعاويذ.

أما دخول قدس الأقداس فكان مسموحا فقط لكبير الكهنة نائباً عن الملك، أو شخص من السلك الكهنوتي ينوب عنهم.

كانت فلسفة الخدمة في قدس الأقداس قائمة على حفظ الاستقرار والناموس الكوني. فاعتقد المصريون القدماء أنه بدون تلك الطقوس لن ينتظم الكون.

صلوات المعابد في مصر القديمة

ولربما يواجه الانهيار الحتمي باختلال تلك النواميس أما أشهر الصلوات التي وصلت لنا من المعابد المصرية القديمة كصيغة ثابتة فيقول د.عبد الحليم نور الدين، عالم المصريات، رحمة الله عليه في موسوعته الديانة المصرية القديمة.

يدخل الكاهن “قدس الأقداس بالمعبد وقد غشيه الظلام لأن الشمعة قد انطفأت، فيبدلها وينشر النور ،يفضى الكاهن بعد ذلك إلى الناووس، فيكسر الختم ويشد المزلاج ليفتحه
فيمثل هذا انتصارا على “ست” العدو الأبدي ل “حورس” ووالده “أوزير” ..
وبعد ذلك يفتح الكاهن الأبواب ويكشف عن التمثال بداخل الناووس ويقوم للصلاة مرخيا ذراعيه على جانبيه في خضوع واحترام مكرراََ دعاءه اربع مرات ليبلغ آفاق الوجود الأربعة :

إنني أمجد جلالتك بتلك الكلمات المختارة بصلوات تزيد من جلالك في اسمائك العظمى ,
وفى تجليك المقدس الذى أشرقت به أول أيام الدنيا.