مع انطلاق موكب المومياوات الملكية متجهاً إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط أصبحت الحضارة المصرية هي حديث العالم أجمع من جديد، تناول الإعلام محور الحدث وهو مومياوات ملوك وملكات مصر ومن أشهر ما تم تداوله كان مومياء الملكة تى التي توفت في سن متقدمة بعض الشيء وتم تحنيطها ومع مرور آلاف السنين بقى الجسد محفوظاً فى حالة جيدة جداً مع حالة مذهلة لشعر الملكة لفتت انتباه الكثيرين، وأصبح السؤال الشاغل للكثيرين هو ماذا استخدمت النساء المصريات للعناية بشعورهن؟ في البداية دعونا نتعرف على الملكة “تى”.
من هي الملكة تى؟
كانت “تى” في بداية حياتها فتاة من عامة الشعب نتنمى لمركز أخميم حالياً بمحافظة سوهاج، وهى المدينة المصرية القديمة والتي كانت مركزاً لعبادة إله الخصوبة المصري “مِين”، كانت ابنة لقائد عسكري مصري يدعى “يويا” ومنشدة بالمعبد تدعى “ثيويى أو تويا”، وقد عاشا في عصر الإمبراطور المصري أمنحتب الثالث التي بلغت مصر مبلغ غير مسبوق من السلطان والنفوذ فى عصره، يعتقد أن أمنحتب الثالث كان لقاؤه الأول بمحبوبته “تى” في إحدى الاحتفالات بمدينة أخميم ومن ثم أعجب بها وتزوجها.
لم يكتف الإمبراطور بذلك ولكنه قام بترقية زوجته لتكون “حمت نسوت ورت” ويعنى: الزوجة الملكية العظمى وهو ما سيجعلها أم ولى العهد الذى سيحكم عرش مصر خلفاً لأبيه في سابقة فريدة من نوعها اتخذ فيها أقوى شخصيات العالم القديم وقتها فتاة من عامة الشعب وجعلها السيدة الأولى في مصر.
لم يكتف أمنحتب بكل هذا فحسب ولكنه قام بإعلان زواجه من “تى” في الكثير من المناسبات كان أشهرها الجعارين التذكارية وهى منحوتات على هيئة الجعران كتب عليها نصوص تذكر زواجه بمحبوبته تى وإسم والديها، وأحد أشهر تلك الجعارين هو الجعران الموجود حالياً بمعبد الكرنك والذى يطوف البعض حوله طلباً للحظ السعيد حت حتى الآن، وكانت رمزية إستخدام الجعران فى التعبير عن حب امنحتب ل تى له بعد دينى حيث ان الجعران هو احد هيئات الإله رع إله الشمس يمثل الشمس عند شروقها، فمع شروق كل شمس يوم جديد تتجدد معه قصة حبهما.
تى: أم الملك
انجبت تى لزوجها أمنحتب ولداً أطلقوا عليه “تحتمس” وتم إرساله إلى الشمال ليتم تأهيله كهنوتيا وعسكرياً وغدارياً وتربوياً ليكون ملك مصر القادم، وقد ترقى تحتمس فى المناصب شمالاً حتى حصل على منصب كبير كهنة الإله بتاح فى مدينة منف العريقة، بل أنه حاز على لقب كبير كهنة مصر السفلى.
وتأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، يتوفى الأمير تحتمس ليصبح مكانه شاغراً وبضربة حظ يصبح أخاه الأصغر المدعو امنحتب مثل أبيهم هو المرشح لتولى عرش الإمبراطورية وهو ما حدث بالفعل.
ويرحل “أمنحتب الثالث” عن دنيانا ويصبح الأمير أمنحتب الصغير هو ملك مصر، وهو الأمير الذى سيغير اسمه لاحقاً ليصبح إخناتون ويقود ثورة دينينة في مصر ستؤدى في النهاية إلى دخول البلاد إلى نفق مظلم ومجاعات وحروب أهلية وتهديد مصر نفسها من أخطار خارجية.
لعبت الملكة تى دوراً هاماً في حياة زوجها فكانت الرسائل تصل إلى القصر الملكي للإمبراطور وتذكر زوجته العظمى “تى” بل أنها كانت توجه لها رسائل في بعض الأحيان وتقوم بالرد عليها، وهو ما حدث أيضاُ فى رسائل التعازي لوفاة زوجها فانهمرت الرسائل تعزى أمنحتب الصغير وقتها ورسائل أخرى موجه لامه الملكة تى.
وفى عصر إخناتون لعبت تى دوراً هاما فى تلك الفترة فكانت الناصحة لابنها في بعض الأمور ولكنها لم تنجح في النهاية في تصحيح الأوضاع وترحل عن عالمنا تاركة ابنها على العرش الذى انتهت فترته في نهاية المطاف بكوارث داخلية على جميع الأصعدة.
سر مومياء الملكة تى
بعد وفاة إخناتون أصبحت تلك الأسرة مكروهة طوال التاريخ المصري وعمل الكثير من الملوك على محو ذكراهم باعتبار أن تلك الفترة كانت من أسوأ فترات تاريخ البلاد والتي لا بد أن لا تتكرر مرة أخرى.
يعتقد أن الملكة “تى” تم دفنها في البداية فى المقبرة الملكية الموجودة بعاصمة إخناتون وهى مدينة تل العمارنة حالياً التي كانت يطلق عليها قديماً آخت إتن: أفق الإله آتون، وهى المقبرة الأسرية التي شيدها إخناتون له ولزوجته نفرتيتي وبناتهما الست وكذلك أمه الملكة تى.
وقد تم اكتشاف تلك المقبرة إلا أنه مع اكتشاف تلك المقبرة لم يتم العثور على مومياوات الأسرة بداخلها ليظهر لغز جديد متعلق بمكان دفنهم، هل سرقت تلك المقبرة وتم تدمير المومياوات الموجودة بداخلها؟ ربما لم تدفن الأسرة بتلك المقبرة ؟
ظلت تلك التساؤلات هي الشغل الشاغل للعديد من علماء الآثار، ومع حلول عام 1898 اكتشف عالم الآثار الفرنسي “فيكتور لوريت” خبيئة مومياوات ومقتنيات فى المقبرة رقم 35 الخاصة بالإمبراطور أمنحتب الثانى، ومن ضمن تلك المومياوات كانت مومياء لسيدة متقدمة في السن تم إطلاق: السيدة الأكبر سناً عليها وظلت هويتها مجهلة حتى حلول العام 2010.
شعر الملكة يكشف سرها
كان الملك أمنحتب الثانى هو جد الملك أمنحتب الثالث لذلك ربط البعض ما بين تلك الخبيئة وما بين أسرة أمنحتب الثالث وإخناتون، وفى عام 1976 تم مقارنة خصلة شعر وجدت في مقبرة الملك توت عنخ آمون مع شعر مومياء السيدة الأكبر سناً ليحصل العلماء على تطابق مدهش يؤكد أن تلك الخصلة تنتمى لتلك المومياء، وليتم تحديد هويتها بالملكة تى جدة الملك توت عنخ آمون، وفى عام 2010 قام فريق بحثى بقيادة د.زاهى حواس، وزير الآثار المصري الأسبق، بعمل فحوصات حمض نووي على مومياء السيدة الأكبر سناً كانت نتيجته النهائية أن مومياء السيدة الأكبر سناً هي الملكة “تى” أم الملك إخناتون وجدة الملك توت عنخ آمون ليتم تأكيد المعلومة بشكل حاسم هذه المرة.
مع هذا الاكتشاف عاد اسم الملكي تى ليتردد وبقوة فى الأوساط العالمية وتم تسليط الضوء على موميائها التى كان شعرها فى حالة مذهلة من الحفظ وكان أيضاً هو مفتاح كشف سر هوية المومياء.
سر شعر الملكة تى
حالياً اصبح الشغل الشاغل للكثيرين هو حالة الحفظ المذهلة التي كان عليها شعر الملكة، فماذا استخدم المصريون القدماء لتحقيق عملية الحفظ المتقنة التي رأيناها.
فى البداية فإن الملكة قد توفيت في حوالى الخمسينيات من عمرها أي أنها كانت في سن متقدمة نوعاً ما وقت الوفاة، وما نراه حالياً هو الجسد بعد عملية التحنيط التي قام بها المحنطون المصريون من آلاف السنين.
كانت عملية التحنيط تشمل معالجة الجسد بملح النطرون لمدة أربعون يوماً ومن ثم دهان الجسد بالزيوت العطرية ومواد كيميائية مستخرجة من الطبيعة، وكان من ضمن ما نعرفه مما استخدموه لحفظ شعر الملكة هو الحناء وشحوم الحيوانات وبعض انواع الزيوت.