في خطوة جريئة اتخذ صناع الدراما المصرية قراراً بعمل مسلسل لقصة كفاح شعب مصر في مواجهة احتلال الهكسوس بقيادة عائلة الملك سقنن رع التى نجحت خلال جيلين في طرد الهكسوس من مصر حتى تحقق النصر مع ابنه الملك أحمس الذى طردهم خارج البلاد.
التاريخ ما بين الدراما والحقائق التاريخية
يظن البعض أنه من المبكر جداً إبداء رأى بخصوص العمل خاصة أنه لا يزال فى مرحلة التصوير ولكن الصور من موقع التصوير يتم نشرها تباعاً بل أن بوستر المسلسل الرسمي تم إصداره بالفعل.
في البداية لا بد أن نقف جميعاً على أرضية ثابتة وهى أن الغالبية العظمى من المجتمع المصري ليس لديها اهتمام حقيقي بتاريخ مصر القديم، مما يجعل مساحة تصحيح أي خطأ تاريخي أشبه بخروج عن النص وعن المتعارف عليه مجتمعياً فيبدو المنتقد وكأنه يتحدث عن موضوع عجيب أو خارج إطار المتعارف عليه.
خرجت أنباء إطلاق العمل منذ شهور عدة ووقع اختيار المنتجين على الممثل عمرو يوسف لآداء دور الملك أحمس الأكبر قاهر الهكسوس، وتم إعلان أن العمل سيقوم على رواية كفاح طيبة للأديب العالمي نجيب محفوظ وهى رواية تاريخية تحمل قدراً كبيراً من الخيال عن فترة احتلال الهكسوس لمصر.
مع الإعلان الأول لم يكن لدى أى تحفظات على العمل ففي النهاية لم تكن هناك أي أخبار غير ذلك، وإن كانت الرواية تحمل مبالغات تاريخية وأحداث مغلوطة ولكن في نهاية الأمر فالموضوع يعتمد على الخيال بشكل أكبر من خلال الإطار التاريخي وإن كانت هناك بعض المغالطات المنطقية بها مثل قصة حب الملك أحمس وإبنة ملك الهكسوس وكذلك تصوير شخصية الملك كامس الذى كان محارباً وطنياً لا يشق له غبار فظهر على العكس من خلال أحداث الرواية وغيرها من الأشياء التي يمكن تفاديها ببعض التعديلات مع ظهور العمل للشاشات.
من سيء إلى أسوأ
مع توالى الأخبار عن العمل وبدأ التصوير فيه بدا ظاهراً للعيان أن هناك شيء ما خطأ، فنجد بطل المسلسل الممثل عمرو يوسف يظهر بلحية، الأزياء لا تتسق مع الأزياء المصرية القديمة وكذلك بعضها مسروق من أفلام أمريكية مثل الخروج (آلهة وملوك) لريدلى سكوت، وغيرها من الأخطاء.
وهنا تظهر غرابة النقد لدى الجمهور المصري، فالحديث في مثل هذه الأمور والتفاصيل يبدو للإنسان العادي وكأنه فلسفة غير محمودة أو (فزلكة) بالمصطلح المصري الدارج، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماماً.
حقيقة الأمر أن تلك التحفظات منطقية ومشروعة تماماً، ففي البداية كانت القاعدة العامة للمصريين القدماء وخاصة الملوك هي حلاقة اللحية بشكل كامل واستبدال تلك اللحية بأخرى مستعارة في الطقوس والمراسم المدنية، وجميع جداريات المعابد المصرية تشهد على ذلك، فلم يظهر ملوكاً ملتحين في جداريات أو غيره، وهذا لأن تلك العادة تعارض التقاليد المصرية القديمة نفسها.
أما الملك أحمس نفسه فلدينا من الجداريات والمناظر وحتى مومياء الملك ما يمكننا من معرفة صفاته الجسدية وكذلك ملامحه بشكل حاسم ودقيق وهو ما يمكن معالجته بالمكياج في حالة الممثل عمرو يوسف، وهو ما لم يحدث.
الوضع باختصار يشبه كأن يقوم أحدهم بصناعة عمل درامي عن الرئيس الراحل أنور السادات ويظهره بشعر غزير وبشرة بيضاء، أو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فيظهره بلا شارب مثلا وهكذا .. وهذا ما لم يحدث مع الراحل أحمد زكى الذى جسد الشخصيتين باقتدار وقام صناع العمل بمساعدته عن طريق الماكياج والأزياء، وهو شيء بديهي كان لا بد أن يحدث في مسلسل الملك أحمس.
أما النقاط الأخرى المثيرة للجدل فكمل ذكرت الأزياء المأخوذة من أعمال (عالمية)، حتى بوستر المسلسل نجد في أسفله عبارة مكتوبة بالهيروغليفية تقول ( حقا إيعح مس) وترجمتها: الحاكم أحمس، في حين أن الكلمة المصرية القديمة للإشارة إلى الملك كانت في معظم الأحوال (نسو) وتعنى ملك، أما كلمة حقا هى بالفعل تعنى حاكم ولكنها لفظ ارتبط في فترة المسلسل التاريخية بالهكسوس أنفسهم، فكلمة هكسوس مشتقة من الكلمة المصرية القديمة (حقا خاسوت) وتعنى: حكام الأراضي الخاسئة، لذلك فإن استخدام تلك الكلمة إن كان مقصوداً فهو يضع الكثير من علامات الاستفهام حول العمل والرسائل المرجوة منه.
لن أتطرق إلى أحداث المسلسل التي لا يعلمها أحد حتى الآن، ولكن ما ذكرته في ذلك المقال يمكن تداركه في رأيي وبسهولة ولا عيب في تفادى تلك الأخطاء أفضل من المضي قدماً في عمل إن سارت كل جوانبه بهذا الشكل فستحمل الدولة المصرية عبء تصحيح أخطاؤه لاحقاً في عقول المشاهدين الذين تقترن الحقائق في أذهانهم بما يروه على الشاشات.
اقرأ أيضًا هنا: لماذا قطع المصريين القدماء أيدى والأعضاء الذكورية للأعداء في المعارك؟