من هو الملك مينا موحد القطرين؟
من هو الملك مينا موحد القطرين؟

من منا لم يسمع بالملك “مينا” الذى وحد الشمال والجنوب وأسس الدولة المصرية؟

من منا لم يتردد على مسامعه الإسم سواء فى المناهج الدراسية أو حتى من خلال القراءة؟

مصر تدين بالكثير لهذا الملك تحديداً ولكن ماذا نعلم عنه حقيقة؟

مينا أم مِنى ؟

حسناً، الكل يعرف الملك باسم مينا وهو الاسم المنتشر في ربوع مصر ويحمله الكثير من المصريين حتى الآن، ولكن هذا لم يكن اسمه الذى عُرف به في حياته فإذا تخيلنا أننا سافرنا بالزمن لمصر القديمة ورددنا كلمة واحدة (مينا) فلن يفهم احد ما نريد أن نقول!

كيف نشأ الاسم إذاً؟

لنعد بالوراء إلى عصر الملك رمسيس الثانى لنزور المعبد الذى شيده هو ووالده سيتى الأول في مدينة أبيدوس، في هذا المعبد تحديداً يوجد ما يسمى بغرفة الأجداد وفيها سجل الملك رمسيس اسم 76 ملكاً حكموا مصر قبل أبيه سيتى الأول.

إسم مِنى من قائمة معبد أبيدوس.
اسم مِنى من قائمة معبد أبيدوس.

بدأت القائمة باسم مِنى وانتهت باسم سيتى الأول، وخرج من تلك القائمة الملكة حتشبسوت وكذلك إخناتون وعائلته لأسباب دينية، عودة إلى اسم مِنى الذى بدأت به القائمة، هذا الاسم الذى يعني في اللغة المصرية القديمة: المؤسس، المثبت وفى بعض الترجمات الحديثة لربما يعنى الاسم شخص ما!

سنعود للترجمة الأخيرة لاحقاً وسنكتفى بان نعرف إن اسم مِنى هو الذى تم تحويره في اليونانية إلى مينيس ثم تحول إلى مينا في بلادنا ومن هنا نشا ذلك الاسم الذى نعرفه.

نارمر أم نعرمر؟

صلاية نارمر، المتحف المصرى.
صلاية نارمر، المتحف المصرى.

بالعودة إلى الوراء للعصور المبكرة في تاريخ مصر نجد إن قبل الأسرات المصرية كانت هناك مراحل حضارية متعددة ولكن كانت أغلبها متركزاً في مناطق جغرافية بعينها نذكر منها البدارى، دير تاسا، حلوان، ونقادة.

 

كانت نقادة هي أهم مراحل عصر ما قبل الأسرات المصرية وقد انقسمت إلى ثلاث مراحل حضارة هم نقادة 1،2،3، يعد الملك مينا هو آخر ملوك نقادة 3 حيث شهدت مصر بعده تحولاً دراماتيكياً فظهر لأول مرة كحاكم لدولة موحدة تشمل شمال مصر وجنوبها ويشهد على ذلك الأثر الفريد في المتحف المصري والمعروف بصلاية نارمر والذى ظهر فيها الملك على وجهى الصلاية مرة بالتاج الأبيض لمملكة الجنوب والأخرى بالتاج الأحمر لمملكة الشمال.

وقد عرفت تلك الصلاية هذا الملك باسم “نعرمر” وهو الذى يمكن ترجمته إلى: القرموط الخارق، القرموط الشرس، الذى يقهر سمك القرموط وغيرها من الترجمات التي لم تحسم معنى الاسم الذى يتكون من مقطعين المقطع الأول وهو سمك القرموط وينطق نِعر والمقطع الثانى هو الإزميل وينطق مِر فيصبح لدينا حقيقة مؤكدة وهو أن الملك صاحب الأثر يدعى نعرمر.

 

ربط علماء الآثار بين الملك نعرمر وبين مِنى باعتبارهم شخص واحد، أما اسم نارمر فهو تحوير إغريقى آخر لاسم نعرمر.

مينا هو عحا المحارب؟

إذا أتفقنا ضمنياً أن نعرمر هو مينا، ظهر لعلماء الآثار اسم آخر مرتبط بتلك الفترة وهو الملك عحا (اسمه يعنى المحارب) وقد ذهب بعض علماء الآثار استنادا على أدلة متعددة أن مينا هو عحا، أو بمعنى أصح أننا أمام أسماء متعددة لشخص واحد مما وضع علماء الآثار في حيرة من أمرهم.

بقايا إناء عليه إسم الملك عحا.
بقايا إناء عليه اسم الملك حور عحا.

حسم هذا الأمر بعض الشيء هو مصدر مبكر جداً وهو عبارة عن أختام في منطقة أبيدوس تعود لعصر الأسرة الأولى يؤرخ فيها ملوكها الذين تلوا نعرمر على عرش مصر بأن نعرمر هو الملك الأول.

مما جعل علماء الآثار يذهبون إلى ان مينا هو مِنى هو نعرمر، وأن عجا هو خليفته على عرش مصر وبذلك تم وضع حل مؤقت للمشكلة، وعودة إلى ترجمة اسم مِنى بانه شخص ما يرجح بعض علماء الآثار أن المصريين القدماء أنفسهم عند تدوينهم لقوائم الملوك لم يكن لديهم اسم الملك نعرمر فأطلقوا عليه شخص ما وذلك لان الفترة الزمنية بين عصر رمسيس الثانى ونعرمر ما يزيد عن 1900 عام مرت فيهما مصر بثورة شعبية واحتلال الهكسوس لمصر وشهدت عملية تدمير واسعة لآثار وتراث مصر في تلك العصور ومن هنا أتت وجهة نظر تلك الفرضية التي لا أقرها ولكن أطرحها على سبيل النقاش.

توحيد القطرين

ترجع أصول الملك نعرمر إلى مدينة ثنى القديمة في سوهاج وكان حاكماً على مملكة الجنوب وتذكر المصادر التاريخية إخضاعه للمقاطعات الشمالية لتظهر لأول مرة مصر الموحدة شمالاً وجنوباً ويجلس على عرشها ملك واحد لتبدأ مصر أولى فصول بناء الحضارة المصرية التي استمرت قرابة 3100 عام في عصور الأسرات.

أما عن معركة توحيد القطرين فليس لدينا العديد من المصادر التاريخية التي تخبرناً تحديداً كيف حدث ذلك، باستثناء صلاية الملك نعرمر والتي يظهر فيها وهو يؤدب أناساً يبدو من هيئتهم أنهم شماليين ويصاحب المنظر على وجهى الصلاية العديد من النقوش الأخرى التي تحتوى ضمنياً على مفهوم مصر الموحدة.

رأس تمثال منسوب للملك نارمر، متحف بترى.
رأس تمثال منسوب للملك نارمر، متحف بترى.

على أية حال لدينا من الوثائق والمصادر التاريخية التي تمكننا من بناء تصور كيفية نشأة مصر على يد الملك نعرمر الذى أصبح مينا في عصرنا الحالي، ومما لا شك فيه أن هذا الرجل قد أحدث الفارق في تاريخ مصر حتى أصبح ما قبله ليس مثل ما بعده وهو ما اوضحه لنا المصري القديم بنفسه عندما كتب اسمه بالمداد الأحمر هو وملوك آخرين كرجال صنعوا الفارق في تاريخ مصر.