أحد أشهر معالم هضبة الجيزة بخلاف أهراماتها هو ذلك التمثال العملاق المسمى أبو الهول، والذى يشتهر بشكله الحالي الذى نعرفه منذ الطفولة بذلك الكسر الكبير الموجود بمنتصف وجهه بدون أنف!. ولكن هل كان أبو الهول يحمل شكلاً مختلفاً في العصور القديمة؟ وأين ذهبت أنفه وذقنه إن وجدا؟ من أشهر الآثار التي وثقت شكل أبو الهول كان ما يسمى “لوحة الحلم” وهى اللوحة التي وضعها الملك “تحتمس الرابع” بين مخالب التمثال الامامية بعدما قام بترميمه في مشروع كبير أشرف عليه بنفسه، ويفصل بين الملك “تحتمس الرابع” وتمثال أبو الهول حوالى ألف عام، أي أن ذلك التمثال كان أثرا بالفعل في زمن “تحتمس الرابع”.
وحكى “تحتمس” في تلك اللوحة أنه عندما كان أميرًا غلبه النوم بين قدمي أبو الهول الذى جاء له في الحلم وطلب منه ترميمه بعدما ساءت حالته وتآكلت أطرافه وجسده وهو ما فعله “تحتمس” وقام بأول مشروع ضخم موثق لترميم أثر مصري في التاريخ. ما يهمنا في تلك القصة هي اللوحة التي تركها “تحتمس” وحكى فيها القصة وصور أبو الهول عليها كاملاً لا تنقصه أنف ولا ذقن!
كيف سقطت أنف أبو الهول؟
هناك رواية شهيرة تروي أن نابليون بونابرت هو الفاعل، حيث يرى البعض أن بونابرت فعل ذلك عندما أتى إلى مصر وزار أبو الهول فقام بقفصه بالمدافع، وبرروا فعلته بأنها نوع من أنواع فرض السيطرة وكأنه هزم الحضارة المصرية.
على الرغم من شيوع تلك الرواية إلا انه لا يوجد توثيق لها سواء من عصور نابليون أو من عصور تلتها، كذلك فإن ذلك ينافى ما نعرفه تاريخيا من اهتمام الفرنسيين بالآثار المصرية حيث كانوا هم أول من لفت أنظار العالم إليها وأول من بدأ هوس المصريات في أوروبا، وكان غرضهم الرئيسي هو نهب كل ما يمكن نهبه من تلك الآثار وليس تدميرها.
صائم الدهر كسر أنف أبو الهول؟
يروي المؤرخ تقى الدين المقريزي في الخطط المقريزي رواية مثيرة تحكى عن رجل يدعى محمد صائم الدهر ادعى أن بعض الناس تذهب إلى أبو الهول، وتقدم له القرابين وتقيم له طقوس العبادة فقام صائم الدهر بتحطيم أنف أبو الهول لوقف هذه الممارسات، إلا أن المقريزي يضيف أن صائم الدهر تم إعدامه لاحقا بتهمة تخريب المملكات العامة، الأغرب من ذلك وجود شارع بحي شبرا يحمل اسم “صائم الدهر” فهل هو نفس الرجل أم لا ؟؟
ليس نابليون ولا صائم الدهر
الأدلة التاريخية لربما تأخذنا في اتجاه آخر، حيث نرى على سبيل المثال لوحات تسبق عصر نابليون بونابرت ويظهر فيها أبو الهول بدون أنفه وأشهرها لوحة بريشة الرحالة “فريدريك لويس نوردون” والذى زار مصر عام 1737م، أي قبل احتلال الفرنسيين لمصر !
أما تخريب صائم الدهر فلا نملك عنه سوى رواية المقريزي بدون أدلة إضافية تساعدنا على فهم ما حدث، وفى العادة فإن توثيق تدمير الآثار المصرية غاية في الصعوبة نظراً لأننا نعثر على النتائج النهائية ويتبق ما حدث طي الافتراضات والتكهنات والأدلة المتاحة. وهناك قطاع من علماء الآثار يميل لرأى مغاير تماما، وهو يستند على أن المصريين القدماء عند نحتهم لتمثال أبو الهول لم يختاروا الحجر المستخدم، وإنما كان أبو الهول عبارة عن تكوين صخري طبيعي غاية في الضخامة يمثل عائقاً أمام مشروع بناء هرم الملك “خفرع”، فقام المهندسون في ذلك الوقت بابتكار عبقري وهو نحت تمثال من خلالها، ولكنهم لم يضعوا في الحسبان أن تلك الصخور لم تكن من النوعية الجيدة التي تسمح ببقاء التمثال أو حتى تنفيذ المشروع بالشكل الإبداعي الذى شيد به المصريين القدماء كل آثاراهم.
إضافة إلى ذلك فإن أبو الهول خضع لترميمات لاحقة أعقبت حتى عصر الملك “تحتمس الرابع” وكان آخرها في العصور الرومانية، أي أن التمثال كان يحتاج إلى الترميم باستمرار حتى غرق واختفاء معظمه أسفل رمال صحراء الجيزة مع نهاية العصور الرومانية ودخول العرب الذى تزامن مع اندثار الديانة المصرية القديمة ونهاية إقامة طقوسها على أرض مصر. وفي النهاية لا يزال الموضوع قيد البحث مع تعدد الآراء وقلة الأدلة عن أبي الهول .. ماذا عن رأيك أنت عزيزي القارئ؟