هل النبي ادريس هو اوزوريس المصري؟
هل النبي ادريس هو اوزوريس المصري؟

تشكل القصص المذكورة في القرآن الكريم جزءا كبيرا من وجدان الشعب المصري، فلطالما أثارت أسماء مثل ذو القرنين وفرعون خيال الكثيرين، بينما كانت بعض المعلومات عن بعض الأنبياء غامضة بنص القرآن الكريم ومنهم نذكر النبي إدريس عليه السلام، ويتساءل البعض هل النبي ادريس هو اوزرويس المصري؟

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) (سورة مريم)

هذا هو كل ما تكتفى القرآن الكريم بذكره عن النبي “إدريس”، ولم يقدم لنا معلومات أخرى، أما عن السنة النبوية فاحتوت على بعض الإشارات أيضا للنبي إدريس ما بين أحاديث صحيحة وضعيفة وحتى مكذوبة لم تكشف لنا هي الأخرى أي معلومات عن ذلك النبي الذى رفعه الله مكانا عاليا.

ففي القول عن ابن عباس رضى الله عنه مثلا عن كعب الأحبار: عن ابن عباس: أن إدريس كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة (تفسير ابن كثير)، وذكر ابن كثير بنفسه في مقدمة سرده: هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة، والله أعلم.

أما بقية كتب تفسير القرآن الكريم، تمحورت جميعها حول المكان الذي رفعه إياه الله، بدون تفاصيل تخبرنا كيف عاش وأين ومتى؟.

النبي إدريس في روايات العرب

أما في كتب التاريخ مثل الطبري وابن كثير فزعما فيما كتبا  أن إدريس من نسل شيث ابن آدم، كما أنهما ربطا بينه وبين أخنوخ، كما أنه أول من خط بالقلم وعلم الناس الزراعة ولبس المخيط وتخطيط المدن، وعندما رفعه الله إلى السماء خلفه ابنه “متوشالح”.

مع مرور الزمن تطورت هذه الروايات عن النبي إدريس فنجد السيوطي، والمقريزي، وابن تغرى وغيرهم يضيفون لما سبق أن إدريس تواجد في بلدان عديدة وبنى فيها الكثير ومنها مصر التي أصبح ملكا عليها، بل أنهم ذهبوا لأكثر من ذلك بذكر أن أحد الأهرامات هو قبر إدريس!

أما البعض الآخر فاختلف في نزوله بمصر من الأساس ورجحوا نزوله ببابل، بينما فريق آخر يرى أنه طاف بالبلدين.

خلاصة القول إن النبي “إدريس” تزايدت الروايات عنه بمرور الزمن خاصة فى روايات الاخباريين.

أوزوريس المصري

بداية القول فإن اسم “اوزرويس” هو تعريب للاسم اليوناني Osiris والذى جاء بدوره من الاسم المصري “وزير، اوزير”، أي أن من نعرفه باسم “أوزوريس” اليوم لم يكن هذا هو اسمه الذي عرفه به القدماء!

هل النبي ادريس هو اوزوريس
تمثال أوزوريس قاضي الموتى وإله العالم الآخر

ارتبط ظهور الإله “اوزير” بنظرية خلق الكون في مدينة “أون” عين شمس القديمة، حيث كان مختصر النظرية هو أن الكون بدأ بالفوضى والظلام والمياه الأزلية التي تسمى “نن”، ومن رحم الفوضى ووسط المياه برز ما اطلق عليه المصريين القدماء “التل الأزلي” وبعدها خلق الإله “تم – أتوم” نفسه بنفسه عليه، ثم نشأ منه “شو” رب الهواء، و”تفنوت” الأنثى ربة الرطوبة، ومن نسل “شو وتفنوت” جاءت “نوت” السماء و”جب” الأرض، وأنجبت السماء والأرض 4 أبناء هم: “اوزير، آست، نبت حت، سوتخ” وهم من نطلق عليهم اليوم: “أوزوريس، إيزيس، نفتيس، ست”، وكان أوزير هو الابن الأكبر للإله “جب” فتم تنصيبه ملكا على أرض مصر ليصبح أول ملك أسطوري في تاريخها.

من هو أوزوريس
الإخوة الأربعة: نفتيس، ست، إيزيس، أوزوريس

تستمر القصة بغيرة “ست” من أخيه “اوزير” ليدبر قتله وينجح بالفعل في القصة الشهيرة (أسطورة إيزيس واوزوريس)، وتنطلق إيزيس في رحلة بحث عن أشلاء زوجها التي قطعها أخوه الشرير “ست” إلى 42 قطعة وألقى بكل قطعة في مكان مختلف من أرض مصر، والرقم 42 هنا يشير إلى عدد مقاطعات مصر.

نجحت “إيزيس” في استعادة وتجميع جسد زوجها، وعن طريق السحر استطاعت إنجاب ابن منه وهو “حر” الذي نطلق عليه “حورس” اليوم.

تستمر “إيزيس” وابنها “حورس” في السعي نحو إعادة حق زوجها المهدور، وبعد صراعات طويلة بين “حورس” و”ست” يحتكم الاثنان إلى آلهة تاسوع مدينة هليوبوليس، الذين يقرون بشرعية مطالبات حورس للعرشـ بينما “ست” لم يتم قتله أو حتى نفيه فأعطت له الآلهة دورا آخر، وهو حماية قارب الإله “رع” (الشمس) في رحلته اليومية من الظلمات إلى النور.

إيزيس وأوزوريس وإبنهما حورس
إيزيس واوزوريس وابنهما حورس

وعند هذه النقطة يظهر “اوزير” مرة أخرى، ليرتضي بالموت ويصبح إله العالم الآخر ورب المحاكمة الذي يحاكم أمامه كل البشر لتقرر مصائرهم أمام الميزان، حيث يقف المتوفى أمام الإله أوزير ليحاكم وقلبه على كفة الميزان بينما ريشة “ماعت – العدالة” على الكفة الأخرى، فإذا كان قلبه أخف من الريشة فسيدخل إلى الجنات، أما إذا كان أثقل من الريشة فسيلتهم قلبه كائن أسطوري يسمى “عمعميت” ليفني وجوده إلى الأبد.

هل النبي ادريس هو أوزوريس

بالقطع الإجابة الواضحة على سؤال “هل النبي ادريس هو أوزوريس ؟”، ستكون لا على الرغم من شيوع تلك الفكرة في العصر الحديث بسبب ترديدها نقلا عن بعض مشاهير المجتمع حتى ترسخت في وجدان الشعب المصري على أنها حقيقة لا تقبل الجدال، وهو أمر مقبول ومفهوم يحاول به البعض الإجابة عن بعض الإشارات الغامضة في القرآن الكريم.

خلاصة القول إن النص المقدس (القرآن الكريم) والأحاديث النبوية لم يذكرا شيئا عن النبي إدريس نستطيع أن نربط بينه وبين الإله المصري أوزوريس، بينما النصوص المصرية القديمة لم تذكر النبي إدريس ولا مرة في أي موضع طوال التاريخ المصري القديم.

أما الروايات الأخرى التاريخية العربية عن النبي إدريس فقد ذكر أغلبها بصيغة التمريض (وهي صيغة تعني أن الامر متروك للمحققين ليتحققوا من صحتها او خطأها)، وذكر كثيرون ممن رووها أنها من الإسرائيليات، فلم ينفوها أو يؤكدوها وإنما فقط نقلوا ما سمعوا أو روي لهم من أي طرف بعيدا تماما عن الدين نفسه، ومن ثمّ تم تناقل هذه الروايات التراثية حتى تحولت إلى قصة كثيرة التفاصيل، بينما النص المقدس نفسه (القرآن الكريم) لم يقرها، بل أن رواتها أنفسهم لم يقروها فلا يمكن تصنيفها بالمصادر التاريخية وإنما تندرج تحت بند الروايات الشعبية.

على أيه حال فالمجال لا يزال مفتوحا وقصة النبي إدريس مصدرها هو القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومن ثمّ على الجانب الآخر المصادر التاريخية لـ مصر القديمة فإذا كان هناك ربط بالفعل فلن نجده إلا في هذين المصدرين وهو ما لم يحدث حتى الآن على الإطلاق.