كثير ما يتساءل الجميع كيف يمكن لشخصية مثل باتمان Batman أن تنال مكانتها الكبرى بين سائر الأبطال الخارقين حول العالم، رغم كونه مجرد بشري لا يتمتع بأي قدرات هائلة، كما أنه لا يملك زياً بألوان براقة زاهية كـ سوبرمان Superman، ويكتفي دائماً بالانزواء في الأركان المظلمة، مستغلاً ألوان ملابسه القاتمة كي تخفيه عن الأنظار.
لكن الواقع يخبرنا بأن باتمان لطالما كان من الأسماء الأساسية الواجب ذكرها عند الإشارة إلي عالم الأبطال الخارقين. ففي مايو 2011، تم وضع باتمان في المرتبة الثانية من بين أفضل 100 بطل خارق بعد سوبرمان، كما وضع في المرتبة الثانية في مجلة إمباير Empire من بين أفضل 50 شخصية بالقصص المصورة في كل العصور.
و خلال العقود الأخيرة تضاعفت شهرته في جميع الأوساط الدولية والمحلية، وخاصة المجتمعات العربية وذلك لتوالي ظهوره في أفلام سينمائية عديدة ربما كان أشهرها نسخة “كريستوفر نولان Christopher Nolan” في ثلاثية “فارس الظلام Dark Knight” المعروفة للجميع، والظهور الجديد لنسخة “زاك سنايدر Zack Snyder” بكل ما أثاره من جدل حول أفضليته على نسخة “نولان”.
سر قدرات باتمان
يعتبر باتمان أحد الأبطال الخارقين القليلين ممن لا يمتلكون قوى خارقة فعلاً، ولم يُعرف عنه اعتماده على أي وسائل تمنحه تلك القوى، بل يعتبر اعتماده الأساسي على قدراته العقلية للتفكير في حلول عبقرية للأزمات، و ابتكار الدروع والأسلحة، والمعدات التي تحقق له النجاح.
ثم الاعتماد علي جسده و قوة لياقته البدنية و مهاراته القتالية لإنهاء المعارك، صفاته البشرية تلك تجعله أكثر قرباً من القارئ بدلاً من أبطال آخرين نصف فضائيين أو من عوالم أخرى.
شخصيته الواثقة تجعله جديراً بالتواجد في غرفة واحدة مع من يمكنه الطيران أو قراءة العقول أو الجري بسرعة تفوق سرعة الضوء، ومع ذلك يمكنه قيادة الجميع و إشعارهم بالرهبة بسهولة شديدة.
بداية باتمان وأصوله الشخصية
يخبرنا التاريخ أنه في الأول من مايو عام 1939 وبالتحديد في العدد ال27 من مجلة الكومكس “Detective Comics” صنع باتمان ظهوره الأول المميز في عالم دي سي كومكس DC Comics.
اخترع تلك الشخصية الفنان “بوب كين Bob Kane” و الكاتب “بيل فينجرBill Finger” و اعطوا لها قصة يسهل التعاطف مع صاحبها بسهولة.
فهو الطفل الصغير “بروس واين Bruce Wayne” ابن الملياردير الثري “توماس واين Thomas Wayne”، أحد نجوم المجتمع في مدينة جوثام Gotham City.
عاش و ترعرع في قصرهم الخاص وفى سن الثامنة يُقتل والداه أمام عينيه على يد لص شرير، فى طريقهم للبيت بعد عودتهم من سهرة، فيعاهد نفسه على محاربة الجريمة في مدينته انتقاماً لوالديه، و خلال ذلك يعاونه عديد من الشخصيات كخادمه و مربيه الخاص “ألفريد Alfred” و الشرطي “جيم جوردون Jim Jordon” رئيس قسم الشرطة.
يصبح هذا الطفل بعد ذلك الملياردير الشاب “بروس واين” صاحب شركات “واين” التجارية الموروثة عن والده، والذي سافر عبر القارات و تعلم مهارات مختلفة و تدرب علي فنون القتال و التحري منذ مراهقته، واستوحي اسمه و أزيائه من الخفاش الذي لطالما أخافه في طفولته.
الهيئة الأولي لباتمان
يمكننا ببساطة أن نسأل أي طفل عن بطل خارق يرتدي زي أسود بالكامل، و عندها سيجيب بسعادة بالغة : ” باتماااان ! ”
و في الواقع فإن الطفل لم يخطئ، فتلك هي الصورة الشائعة لشخصية باتمان، ولكن يجهل الكثيرون أن التصميم الأول للشخصية الذي رسمه الفنان “بوب كين” لم يلتزم باللون الأسود الكامل، و كان مشابهاً بقدر كبير لتصميم شخصية سوبرمان حيث ظهر كشخص قوى البنية يرتدي زياً أحمر اللون، و أجنحة سوداء عملاقة كأجنحة الخفافيش و بقبضة عارية بلا قفازات، و قناع أسود صغير يغطي العينين فقط، مع شعر أشقر.
ذلك التصميم الأول لم يكن ليصمد كثيراً أمام القراء، لذلك تم تغييره تماماً، و بمساعده الزميل الكاتب “بيل فينجر” و نصائحه تم وضع تصورات أخرى وصلت في النهاية لذلك المظهر المميز الذي يشتهر به اليوم، منها العباءة السوداء بدلاً من الأجنحة العملاقة، و إن تمسكا بجعل العباءة عند الطيران أشبه بجناحين عملاقين، و كذلك تغيير القناع الرفيع إلي قناع يغطي الرأس كلها مع أذنين مدببتين كأذني الوطواط، إلي أن تطورت اليوم وصارت الأذنين الجانبيتين بدلاً من آذان كالقرون.
الجانب النفسي لشخصية باتمان
أما لمحبي الغموض و الكآبة، فباتمان بالتأكيد بطلهم المفضل. فشخصية باتمان نفسياً تمتلك أبعاداً أعمق من سائر الشخصيات الأخرى بدءاً من مقتل والديه أمامه في الصغر، ثم إعداد ذاته للإنتقام لهم، والتعرض لمصاعب متعددة طوال حياته و فقدانه لعدد كبير من أحبابه خلال حملته علي الجريمة و الأشرار.
كل هذه الجوانب الداخلية تدفع القارئ لمشاطرته تلك المشاعر و الإندماج معه ككيان واحد، و تؤكد طبيعته البشرية و تشابهه مع القارئ فى إمكانية الشعور بالحزن و الإفتقاد.
و يمكن وصف قرار “بروس واين” بالإنتقام لوالديه، بنوع من أنواع التأهيل النفسى من الصدمات، فصدمة فقدان الوالدين صارت وسيلة لتطوير شخصيته و منح نفسه أهدافاً جديدة و خبرات متعددة. و لذلك من السهل التعاطف مع تلك الشخصية، فجميعنا أُصيب بكوارث شخصية صارت سبباً في اتخاذه قراراً بمنع حدوثها مرة أخرى، إما بمكافحتها أو بالإبتعاد عنها.
من الطبيعي في قصص الكومكس أن يمر البطل بأزمات علي أوقات متفرقة، فذلك يساعد كثيراً في مد فترات الحبكة و تقوية مراحل القصة الممتدة لأعداد أكثر، فتتمكن الشخصية من الإستمرار لفترات أطول و كذلك يتم استعمال الوفيات و الصدمات كوسائل تحفيزية لإخراج شخصية البطل من مكمنه، و تحويله من فرد عادي في المجتمع إلي شخصية خارقة لها دورها الفعال، فلا ننسي انفجار كوكب كريبتون Krypton موطن سوبرمان و مجيئه للأرض طفلاً في مكوك صغير ليصبح هنا البطل الأوحد و حامي البلاد الأول، و كذلك شخصية فلاش The Flash الذي يُصعق بالبرق أثناء وجوده في معمل كيميائي فتتحد المواد الكيماوية مع البرق ليكتسب القدرة علي الجرى بسرعة تقارب سرعة الضوء أو أكثر أحياناً.
و هنا في شخصية باتمان يُقتل والداه أمامه أثناء طفولته فيصبح بطلاً مغواراً باقى حياته، و لكن هل هذا كاف بالنسبة لمبتكرى و كاتبى شخصية باتمان ؟
كلا.
يتسبب أعداء باتمان في إصابته أكثر من مرة بإصابات و جروح تترك آثاراً في جسده، و يطول الإعتداء أعوانه و أصدقائه و أحبابه، فتارة تُصاب “باربرا جوردون Barbra Gordon” مساعدته و صاحبة لقب “بات جيرل Bat Girl” بالشلل نتيجة رصاصة اطلقها عليها “الجوكر Joker” عدو باتمان الأول فاخترقت عمودها الفقرى وصارت قعيدة لفترة طويلة، ثم تم ابتكار قصة لها في أعداد الكومكس ليتم علاجها بعلاج نادر لتصير قادرة علي المشى مرة أخرى،و تعود ثانية ً لشخصية “بات جيرل”.
و كذلك يتسبب الجوكر فى مقتل “جيسون تود Jason Todd” الحامل الثانى للقب “روبن Robin” مساعد باتمان بعد الروبن الاول “ديك جريسون Dick Grayson “. يقوم الجوكر في تلك القصة بإختطاف “جيسون تود” و أوسعه ضرباً بعصا حديدية ثم قام بتفجير المستودع حيث اختطفه، لتنتهي القصة بصورة لباتمان منهاراً حاملاً جثة “روبن”.
كذلك تتنوع الكوارث عبر القصص ما بين وفيات لأصدقائه أو خيانات من البعض الآخر، أو أن يتشاجر كثيراً مع أصدقائه و مساعديه و يتركوه وحيداً أو أن ينفصلوا عنه أو ينفصل هو عنهم، بالإضافة لمعاركه المتكررة ضد زملائه في رابطة العدالة “سوبرمان- ووندروومان– فلاش- أكوامان“، و منها في مرة من المرات بعد اكتشافهم لوثائق سرية مخبأة لدي باتمان تحتوي طرقاً احتياطية لمهاجمتهم و تدميرهم إذا استلزم الأمر !
الجانب الأخلاقي لباتمان
بالرغم من مظهره و هيئته القاسية، يلتزم باتمان بنفس أخلاقيات سائر الأبطال كنشر العدالة و الحفاظ علي الحقوق و الحريات و عدم التعرض بالقتل لأي شخص حتي و إن كان مذنباً، فباتمان بطل نبيل يلتزم بأخلاقيات الفرسان رغم اضطراره للإحتكاك بعمالقة الإجرام و أكثرهم خسة و نذالة، و لكن للأسف يوماً ما لم يكن باتمان بكل ذلك النبل كما تخيلنا.
ففي الأعداد الأولي من كوميكس باتمان تضمنت القصص عدداً من الصور و المشاهد بالغة العنف، حيث يفتك فيها باتمان بضحاياه و يستخدم ضدهم الأسلحة المختلفة بلا رحمة، ولكن مع مرور الوقت و رغبةً في تقريب الشخصية للقارئ تم تطوير الشخصية لتصبح أكثر نبلاً و إلتزاماً بالأخلاق، وليتقيد بقاعده عدم القتل مطلقاً، و لكن لا يمنع ذلك من استخدام التهديد و الترويع لإثارة الرعب في نفوس المجرمين.
باتمان يحفر في أذهان من يقومون بقراءة قصصه أنك لا تحتاج لقوة خارقة كي تكون بطلاً، بل تحتاج فقط العزيمة للتغلب علي مخاوفك والوقوف في جانب الحق دائماً كي تصبح بطلاً.