ختان الذكور عادة معروفة مرتبطة بالدين فى مجتمعنا اليوم تمثل نوع من أنواع الطهارة، وهو أيضا ما سجل المصرى القديم أنه فعله منذ آلاف السنين.

إذا ذهبنا فى رحلة سويًا إلى منطقة آثار سقارة، فى ركن لا يرتاده الكثير من الزوار بجوار هرم الملك “تتى” من الأسرة السادسة، نجد مقبرة وزير مصرى يدعى “عنخ ماع حور”.

وهى مغامرة لطيفة لربما تحب أن تجربها فى وقت ما حيث ستصعد سلالم وتمر وسط أطلال لن تصدق أنها كانت أهرامات ذات يوم حتى تصل إلى منطقة تبدو خارج إطار الزمن والمكان حاليًا، مع أنها فى مجدها كانت عامرة بزوار الموتى وأحبابهم.

عنخ ماع حور ” والذى لربما يعنى إسمه “حياتى فى يد حورس” (حورس الإله المصرى الصقر رب السماء والملوك) وقد حمل”عنخ ماع حور” ألقاباً عدة أهمها لقب الوزير وهو بمثابة “رئيس وزراء” حاليًا.

عاش ذلك الرجل فى عصر الملك “تتى” وكان موظفاً فهو “رئيس كتبة الوثائق الملكية، ورئيس جميع أشغال الملك فى الأرض بأكملها” كما تقول جدران مصطبته فى سقارة (المصطبة هى بناء فوق الأرض كان غرضه زيارة الموتى فى مصر القديمة بينما الدفنة تقع تحت الأرض, والمصطبة تسمى إصطلاحا مقبرة ايضاً).

مع دخولك من مدخل تلك “المصطبة” لن تعدك بالكثير، فمعظم نقوشها وبهاؤها إختفى مع الزمن، ولكنك ستغير رأيك مع مرورك من أول باب على يمين المدخل، على جانبى المدخل لتلك الغرفة ستجد ذلك المنظر المبهر والذى يصور وبوضوح عملية ختان الذكور.

المنظر يشرح العملية فى خطوتين الأولى هى القطع حيث يقوم الكاهن بعملية ختان الشخص (صغير السن ربما) وبقية المنظر نرى نفس الشخصين بعد عملية القطع حيث يقوم الكاهن – على الأرجح- بتطهير الجرح وهذه المرة يساعد الكاهن شخص آخر (مساعد له ربما؟!) ليمسك بالمختتن الذى يبدو أنه يبكى من الألم.

مقبرة الأطباء

منظر تدليك الأيدى والأقدام
منظر تدليك الأيدى والأقدام

ليس هذا المنظر فقط هو عجيبة هذه المصطبة الفريدة فقط، حيث يعلو المنظر مشهد فريد آخر يمثل تدليك الأقدام والأيدى!
وبسبب تلك المناظر إعتاد الناس على تسمية المقبرة بإسم “مقبرة الأطباء” على الرغم من أن صاحبها لا يوجد لقب واحد يربطه بالطب.

كما أن المنظر نفسه لا يوحى بان أى من الأشخاص الموجودين فيه هو “عنخ ماع حور”نفسه.

ولكن إن فقدت طريقك فى التعرف على مكان تلك المقبرة (المصطبة) فيمكنك فى هذه الحالة السؤال عن مكان مقبرة الأطباء.

حفل ختان جماعى

لوحة "وحا"
لوحة “وحا”

لختان الذكور واقعة أخرى ولكنها طريفة هذه المرة متعلقة بموظف مصرى يدعى “وحا”، فى لوحة تم العثور عليها فى منطقة “نجع الدير” بمحافظة سوهاج يظهر وحا مع زوجته مع نص بدايته تقليدىية جدا، حتى نصل إلى سطرين غاية فى الغرابة فيقول “وحا” أنه تم ختانه مع 120 فرد آخرين , ولم يتم إجبار أحد فيهم، ولم يجرح أحد!

غرابة النص ترجع إلى ذكره ختان الناس فى جماعات بهذه الأعداد فى مصر القديمة!

وعلى الرغم من أن علماء المصريات يتشككون كثيرا فى صحة النص نفسه لعدم وجود أدلة تدعم هذا الإفتراض إلا أن ما ذكره “وحا” كان من الغرائب التى وصلت لنا من مصر القديمة.

ماذا عن ختان الإناث الفرعوني؟

يطلق العلم الحديث على تلك العملية اليوم “تشوية الأعضاء التناسلية”، ولكن فى مجتمعنا الحالى يقسم البعض المقتنع بتلك الممارسة تلك العملية إلى أنواع، ما يهمنا منها هو ما يسمونه “الختان الفرعونى” ! حيث يدعى هؤلاء أن تلك العملية موروثة من مصر القديمة، وهو أمر غير صحيح جملة وتفصيلا.

المصرى القديم لم يعرف ختان الإناث أو يمارسه.

لم يدون المصريين القدماء تلك العملية أو يعرفوها فلم نجد نصوص لها أو جداريات تثبتها، بينما يذهب بعض علماء المصريات إلى أن دخول تلك العادة إلى مصر كان فى العصور الرومانية كعادة غير مصرية غزت مجتمع تغير بنيانه وأصبح اغلبيته من الأميين تحت وطأة إحتلال غاشم مثل الرومانى، وهى الفرضية التى تتطلب بحثا أكتر، وعلى أية حال فالأمر محسوم، المصرى القديم لم يعرف “ختان الإناث” كعادة أصيلة ولم يمارسه طوال العصور المصرية القديمة تحت الحكم الوطنى على الرغم من معرفته ب”ختان الذكور” وتطبيقه له منذ أقدم العصور.

كيف عرف المصرى القديم ختان الذكور؟

يذهب البعض من منظور دينى إلى ان المصرى القديم قد إكتسب تلك المعرفة بطريفة ما من أحد رسل أو أنبياء الله أو حتى عرفوها من أحد الشعوب المجاورة على الرغم من عدم ثبوت ذلك دينيا أو حتى تاريخياً حتى الآن.

المصرى القديم قد اعتاد تدوين كل تفاصيل حياته بدقة شديدة وبالتفصيل الممل، ولم يذكر لنا إكتسابه هذه المعرفة من طرف آخر. كما أنه لا يوجد تسجيل تاريخى أقدم لعملية ختان الذكور مما سجله المصريون القدماء. جدارية “عنخ ماع حور” ترجع إلى حوالى 4350 عام مضت بل أنه يسبقها جدارية مشابهة ترجع لعصر الأسرة الخامسة, أى أن معرفة المصريين القدماء لختان الذكور تسبق جدارية “عنخ ماع حور” بفترة زمنية أطول.

الخلاصة

منظر للختان الذكورى من معبد الكرنك يعود لحوالى 1360 ق.م
منظر للختان الذكورى من معبد الكرنك يعود لحوالى 1360 ق.م

عرف المصرى القديم ختان الذكور منذ عصور سحيقة، ومارسه طوال العصور المصرية القديمة كعادة مجتمعية شهيرة وسجل ذلك أكثر من مرة فى سجلاته من نقوش وجداريات، بل أن المومياوات المصرية تثبت الفحوص عليها أن العملية تمت بالفعل لجميع فئات المجتمع ملوكاً كانوا أو عامة. وكان المصرى القديم هو أول من ختن الذكور فى التاريخ المدون.

لم يرد إلينا أى ذكر واضح لعملية ختان الإناث ولا يوجد ربط بينها وبين مصر القديمة على الرغم من تسميات ومفاهيم خاطئة شائعة تربط هذا الفعل بحضارة مصر القديمة.