عرفت جميع الحضارات القديمة تقريباً مفهوم الشر المطلق والذى يمكن أن نعتبره الشيطان في ثقافتنا الحالية، وقد كان لكل حضارة منها تصور ومفهوم لهذه الفكرة اختلفت عن بعضها البعض واتفقت في بعض الأحيان ولم تكن حضارة مصر القديمة باستثناء عن هذا الإطار العام، ولكن كان لهم مفهومهم الخاص المستقى من عقيدتهم الدينية.
الإله ست، شيطان مصر القديمة؟
عند ذكر الشيطان يتبادر اسم الإله “ست” في أذهان محبى الحضارة المصرية القديمة وبخاصة الذين قرأوا أسطورة إيزيس وأوزوريس، ففي تلك القصة أنجب جب إله الأرض ونوت إلهة السماء الأخوة الأربعة أوزوريس وإيزيس ونفتيس وست، وتولى عرش الأرض أوزوريس باعتباره الابن الأكبر للإله جب كما أنه تزوج من أخته إيزيس، بينما تزوج ست من أختهم الأخرى نفتيس، وتمضى القصة أن ست شعر بالغيرة من أخيه لأنه حاز على ما كان يتمناه ست.
دبر ست المكائد لأخيه الملك الطيب أوزوريس وكان منها أنه جهز تابوتاً تتناسب أبعاده مع جسد أوزير، وفي وسط جمع كبير احتفالي أعلن أن هذا التابوت هدية لمن تتطابق أبعاد التابوت مع جسده، وتنجح مكيدة ست الذى ما أن يدخل أخاه التابوت حتى يغلقه عليه ويلقى به في نهر النيل.
لم تنجح حيلة ست بالكامل بعد تدخل إيزيس التي استعادت جسد زوجها، فقام ست هذه المرة بتقطيع جسده إلى قطع صغيرة وقام بنثرها في جميع أنحاء مصر لتتدخل إيزيس للمرة الثانية وتجمع أشلاء زوجها بل وتعيده إلى الحياة وتنجب منه ابنهما الإله “حورس” الصقر السماوي.
وهنا تتحول دفة الصراع لتشمل طرفين الأول هو إيزيس وابنها حورس والثاني هو الإله الشرير ست، وبعد صراعات طويلة بينهما لم تحسم الأمر تنتهى فصول هذا الصراع بانعقاد المحكمة الإلهية لتاسوع مدينة عين شمس وعلى رأسه الإله رع حور آختى والذين حكموا بأن حورس هو الأحق بعرض مصر خلفاً لأبيه أوزوريس وجده الإله جب إله الأرض، بينما كان قرارها بخصوص ست هو أنه سيكون حامى قارب الإله رع فى رحلته اليومية من الشروق إلى الغروب مروراً بالعالم السفلى.
هذا القرار لم يكن بـ غريباً على العقيدة المصرية التي نصت على أن الإله ست لا يزال هو الأكبر سناً والأكثر خبرة من حورس، كما أنه لا يزال هو ابن الإله جب نفسه، وهو ما يدفعنا إلى فهم الفلسفة المصرية القديمة التي جعلت ست هو التمثيل والتجسيد للنفس البشرية المتقلبة والمزاج السيء وكذلك الاندفاع والطيش، أي أن ست كان هو الفوضى نفسها والاندفاع.
مما يدعم ذلك هو أن ست نفسه كان حامى قارب الإله رع من شر مستطير وهو الثعبان “عبب”، وهو ثعبان مهول يجوب ثنايا العالم الآخر ليصنع الشر ويعيق تقدم الإله رع نفسه.
اقرأ أيضًا هنا: لماذا قطع المصريين القدماء أيدى والأعضاء الذكورية للأعداء في المعارك؟
عبب، شيطان فى هيئة ثعبان
أقرب التصورات لمفهومنا عن الشيطان الآن هو الثعبان “عبب” نفسه والذى كان على ست أن يدرأ شره ويمنعه من إيذاء إله الشمس، وقد صور المصريون القدماء الثعبان عبب في هيئة ثعبان عظيم هائل الطول له العديد من الثنايا لا تكفى محاولات إيقافه مرة واحدة بل يتطلب الأمر عدة مرات ومراحل مطولة من الصراع، فيظهر الإله الخالق أتوم بنفسه يصرعه في فصول الكتب الدينية ولكنه يعاود الظهور، بل أن الإله ست نفسه يظهر وهو يطعنه بالرمح وهو واقف على مقدمة قار ب الإله رع، أي أن المصري القديم صور ذلك الصراع بصراع لا نهائي يحدث يوميا في عالم الآلهة.
حيثما بوجد الخير وجد الشر
يمكننا أن نلخص فلسفة المصريون القدماء في هذا الشأن بأفكار بسيطة لربما تحمل الكثير من التعقيد والفلسفة في نفس الوقت، فالنظام الكوني لا بد له من فوضى ليوجد، وكذلك النفس البشرية السوية لا يمكن تمييزها سوى بوجود النفس المتقلبة، وكما وجد قوى عظمى للخير وجد قوى عظمى للشر، فالأشياء تعرف بأضدادها، فكما يوجد النظام يوجد ست، وكما يوجد الخير يوجد عبب الثعبان.