إن لم أحصل علي ترضية تامة وحقوق كاملة سأنشر علي العالم كله نص البردية التي وجدتها التي تظهر الوقائع الحقيقية لخروج ابناء اسرائيل كما سجلتها مصر القديمة عن الخروج اليهودي من مصر
كانت هذه هي الجملة التي وجهها “هوارد كارتر” لأحد موظفي القنصلية البريطانية يهدده فيها بعدما تخلت الحكومة البريطانية عنه في صراعه مع الحكومة المصرية بخصوص مقبرة “الملك توت عنخ آمون”, لماذا فعل كارتر ذلك؟ وماهو سر تلك البرديات؟
العثور علي توت عنخ آمون
“أخشي أن وادي الملوك قد تم إستنفاذه” , كانت تلك هي المقولة الشهيرة لعالم الآثار الأميركي “ثيودور ديفيس” بعدما إكتشف العديد من مقابر وادي الملوك, وكذلك إعلانه عن إكتشاف مقبرة الملك “توت عنخ آمون”.
في شتاء عام 6 إكتشف “ديفيس” مجموة من المقتنيات التي تشير للملك “توت عنخ آمون” تبع ذلك آبار كان أشهرها دفنة تحتوي علي مقتنيات للملك “توت عنخ آمون” مثل أواني فخارية وصندوق خشبي مطلي بالذهب وكذلك أقمشة وأكياس من الكتان تبقت من عملية التحنيط, وأعلن ديفيس وقتها أن تلك هي دفنة الملك “توت عنخ آمون”, وقد قام عالم الآثار الشهير “جاستون ماسبيرو” بتفسير ذلك علي أن الملك كان مدفوناً في منطقة أخري وتم إنقاذ ما تبقي من الدفنة في تلك الآبار التي عثر عليها ديفيس وبالتالي فإن مقبرة توت عنخ آمون الأصلية يمكن أن تكون في مكان ما بالوادي.
كارتر في الوادي
بعدها يظهر علي الساحة البريطاني “هوارد كارتر” والذي أتي لمصر كرسام أثري عمل في بعثات “نيوبيرو” و”بتري” وكذلك “نافيل” في بني حسن بالمنيا وكذلك في الدير البحري, ومن ثم فقد ترك عمله مع البعثات الأثرية وتم تعيينه مفتشاً لآثار مصر العليا إلا أنه لم يلبث أن ترك تلك الوظيفة أيضاً وعمل كرسام حر يبيع لوحاته للمهتمين.
وكانت النقطة الفارقة في حياة “كارتر” هو لقاؤه ب لورد كارنرفون وهو ارستقراطي بريطاني أتي لمصر طالباً الإستشفاء في بيئة الصعيد الجافة, وفي أثناء وجوده بمصر رأي “كارنرفون” فرصة ذهبية للإستثمار وزيادة أمواله, وهي تمويل الحفائر الأثرية, والذي كان أحد وسائل الثراء في ذلك العصر, وقام “كارنرفون”بطلب تصريح الحفائر وقتها وإلتقي بعالم الآثار جاستون ماسبيرو الذي لم يمنحه التصريح فقط وإنما قام بتعريفه بهوارد كارتر, لتبدأ رحلة الإثنان سوياً حتي لحظتها الفارقة في نوفمبر 1922 وإكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون ليصبح كارتر وكانرفون أشهر شخصان علي وجه الأرض لفترة طويلة جدا من الزمن وليتذكرهما التاريخ حتي هذه اللحظة.
صراع من أجل الملك توت
بعد قيام ثورة 1919 وتنامي الحس الوطني المصري أعقب ذلك بثلاث سنوات إكتشاف مقبرة توت عنخ آمون, وقد كان البعد السياسي للثورة حاكماً في في التعامل هذا الكشف, فقد كان كارتر وكارنرفون في الأساس يطمحان إلى الحصول علي جزء كبير من الكنوز.
وقد بدأ الصراع مبكراً , فبعد الكشف مباشرة بدأ كارتر وكارنرفون في التعامل مع الكشف والمقبرة بإعتباره ملكية شخصية, فمنح “كارنرفون” حق إمتياز حصري لجريدة “تيمز” البريطانية لنشر أخبار وصور مقبرة المك توت, وهو ما أثار إستياء المصريين وقتها الذين تحدثت بإسم جريدة الإيجبشن جازيت وقتها لتقول أنه أمر لم يسمع به من قبل أن يتم الكشف علي أرض مصرية ونعرف أخباره من جريدة لندنية. كما قاموا بتحويل الموقع لحديقة مفتوحة كبيرة تستقبل الزوار بل ويقام بداخل المقبرة إجتماعات للغداء وغيرها.
مع حلول عام 1924 يظهر علي مسرح الأحداث مدير مصلجة الآثار “بيير لاكاو” الفرنسي والذي أحكم قبضته علي كارتر وطلب منه إمداده بتقرير عن سير العمل ومنع تواجد السيدات في الموقع بشكل قاطع وكذلك الحصول علي تصريح للزيارات في حالة قدوم أى من زوار كارتر.
بريطانيا تتخلي عن كارتر
تعامل كارتر مع الموقف بعجرفة تامة ورفض الإنصياع للحكومة المصرية مما دعا الحكومة المصرية في 22 فبراير للسيطرة علي الموقع بالقوة وتغيير الأقفال ومنع كارتر من مواصلة العمل, ومما زاد الطيب بلة أن البرلمان البريطاني أعلن أن كارتر فرد لا يمثل سوي نفسه ويخضع لأحكام الحكومة المصرية وقانون الحفائر , وجاءت الضربة القاصمة لكارتر بوفاة كارنرفون وفقدانه لأهم حليف له في حياته المهنية.
ومن ثم حكمت محكمة مختلطة لصالح كارتر وتم إلغاء الحكم علي يد حكومة مصرية ومن ثم تعاقبت الأحداث ما بين شد وجذب حتي قررت حكومة النحاس باشا بان كنوز توت لن تخرج من مصر ومن ثم تنازلت أرملة وورثة كارنرفون عن أى حقوق لهما لتنتهي القصة بفقدان كارتر للمعركة وحصول مصر علي كنوز توت.
برديات الخروج
بعدها بسنوات عديدة يظهر علي السطح من بعيد جداً إشارة لصراع ما بين كارتر والحكومة البريطانية, وقد كان ذلك في مذكرات “لي كيديك” والذي كان صاحب مركز كيديك لتنظيم المحاضرات وقد تعاقد مع كارتر لتقديم محاضرات في الولايات المتحدة وكندا , وقد ذكر كيديك أن كارتر قد توجه للقنصلية البريطانية وإلتقي بواحد من كبار المسؤلين ودارت بينهما مشادة حادة بشأن تخلي بريطانيا عن كارتر, ومن ثم قام كارتر بتهديده بأنه سيقوم بالإعلان عن البردية التي إكتشفها والتي تحكي عن قصة خروج اليهود من مصر , ويستطرد كيديك بان الموظف قام بإلقاء منفضة السجائر في وجه كارتر ووصل الصراع إلى ذروته ومن ثم تم إتفاق خلف الجدران المغلقة صمت كارتر بعده إلى الأبد.
وقد تم تفسير ذلك – طبقاً للبعض- بأن الواقعة حقيقة وأن الحكومة البريطانية الراعية لدولة إسرائيل لن تسمح بتدمير العلاقات بينهم أو المساس بتاريخ إسرائيل.
توت عنخ آمون: القصة الغير محكية
في كتاب حمل هذا العنوان قام بتأليفه مدير تنفيذي بمتحف المتروبوليتان في الولايات المتحدة وهو “توماس هوفينج” وذكر فيه تفاصيل وملابسات الكشف ومن ثم قام بذكر تلك الواقعة التي ذكرها لي كيديك, وقد قام “هوفينج” بتفنيد تلك الواقعة مستنداً علي أمور منطقية كان أولها أن تلك الواقعة لم يذكرها سوي “كيديك” في مذكراته, كما أن إحتمالية وجود مثل تلك البرديات هو أمر مستحيل, ليس لأغراض مؤامراتية ولكن لأن طقوس الدفن في مصر القديمة كانت شبه ثابتة وهي أن ورق البردي بالمقابر والدفنات لتلك الفترة الزمنية كان عبارة عن كتاب الموتي أو “الخروج في النهار” , وبالتالي وجود برديات بذلك المحتوي بمثابة أسماك تسبح في رمال الصحراء.
توت عنخ آمون ومؤامرة الخروج
في عام 2003 , يطلق الكاتب البريطاني “أندرو كولينز” كتاباً بذلك العنوان , وقد تناول ذلك الكتاب ملابسات البحث عن وإكتشاف مقبرة الملك “توت عنخ آمون”, وقد تناول ذلك الكتاب وباحترافية شديدة ملابسات الكشف حتي جاء علي ذكر واقعة “كيديك” وتهديد كارتر بفضح برديات الخروج والتاريخ الحقيق لبنو اسرائيل في مصر, وقد كان “كولينز” علي دراية بمجريات الأحداث وحتي الكتابات السابقة إلا أنه كان يري أنه لا يوجد ما لا يمنع بصحة تلك الواقعة, وقد إقتبس من رسائل “كارنرفون ” ما يلي:
ما وجدناه يفوق القدرة علي الوصف, فالمقبرة مكتملة المحتويات وتعرضت لسطو بسيط في عصور قديمة, إلا أنه لم يتلف منها شيئاً, فقد إكتشف المسؤلون القدماء الأمر وأعادوا إغلاقها بإحكام, وبقدر ما اتيح لي من مشاهدة سريعة فإنها تحتوي علي أثاث توت عنخ آمون من سرير وصناديق وكل ما يمكن تخيله , ويوجد صندوق يحتوي علي بضع برديات, أما عرض الملك فهو كرسي من أعظم ما عرف من عروش ذهبية
وفي رسالة لعالم الآثار البريطاني الشهير “والاس بدج” يذكر كارنرفون مرة اخري في رسالة بتاريخ ديسمبر 1922
أقول لك بإختصار أننا عثرنا علي لقية من أعظم ما عثر عليه من اللقايا في مصر أو في أى مكان آخر بالعالم, لم أدخل ختي الآن سوي غرفتين, إلا أنهما لا تحتويات علي ما يكفي لملء كل قاعاتك في الطابق العلوي بالمتحف, وهناك باب ما زال مغلقاً يعلم الله وحده ما يوجد خلفه, إلا أنني وجدت بعض لفائف البردي ومشغولات خزفية ومجوهرات وباقات زهور وشمعدانات عليها شعار توت عنخ آمون, كل ذلك في الغرفة الخارجية, هذا عدا محتويات أخري كثيرة لم تحصر بعد وما زالت متراكمة.
كذلك فنجد أن “هوارد كارتر” نفسه قد قام بمراسلة عالم اللغة الشهير “آلان جاردنر” ليساعده في ترجمة نصوص المقبرة ذاكراً له وجود برديات وقد قام “جاردنر” نفسه بالتعليق علي هذا الأمر في الصحف.
ما يهمني شخصياً هو صندوق لفائف البردي الموجود بالمقبرة, ويحتمل – بل من الممكن- أن نكتشف أن لتك البرديات ليست إلا نسخاً من كتاب الموتي الذي يدفن مع كل ملك أو شخصية مرموقة, وهو يضم رقي تعاويذ تضمن للميت حياة منعمة في الحياة الأخري والعالم الآخر
كان من الواضح أن هناك حديث دائر عن برديات بالمقبرة, حتي قام كارتر نفسه بحسم الأمر في كتابه ” مقبرة توت عنخ آمون” واذلي نشر فيه تقريره عن الأمر, وأشار فيه لصندوق حمل رقم 101 وهو الصندوق الذي أشير له بانه يحتوي علي برديات, وفي النهاية إكتشف كارتر أن محتويات ذلك الصندوق كانت لفائف من الكتان وهي الملابس الداخلية للملك توت عنخ آمون.
خروج اليهود من مصر
حتي هنا لم يوجد ما يثبت وجود مثل تلك البرديات, وهو بالتالي ما يلقي عبء الإثبات علي المدعي, وهو ما لم يحدث في كتاب كولينز, فقد قام “كولينز” في كتابه إعتبار وجود مثل تلك البرديات ومن ثم يلقي بإفتراضه, إفترض كولينز أن خروج اليهود من مصر لم يتم بالشكل الذي يعرفه التاريخ وإنما القصة هي تمرد لكاهن مصري (ملك) وهو إخناتون وخلقه لطائفة دينية جديدة تمردت علي النظام في مصر القديمة ومن ثم خرج بأتباعه خارج مصر.
ولربما يتسائل القاريء ما علاقة ذلك بخروج اليهود من مصر, ببساطة يفترض كولينز أن قصة الخروج بطلها هو الملك إخناتون, وأتباعه من المدينون بديانة الإله “آتن” أو “آتون”, وأن إخناتون خرج بأتباعه من مصر بعد دعوته للعقيدة الجديدة, وأن خروج اليهود من مصر ماهو إلا سرقة تلك القصة ونسبها لموسي وبنو اسرائيل.
وقد إعتمد كولينز في هذا الإفتراض الخزعبلي علي التقليد السكندري الذي كان نتاجاً لصراع الحاخام اليهودي “يوسف إبن متياهو” او يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي, مع الفلاسفة الإغريق في مدينة الإسكندرية, كان احد نتاجات أفكار تلك الفترة هو وجود شخصية تدعي “يوسرسيف” الذي قاد الثورة الدينية في مصر وخرج باتباعه منها, وهنا أسقط “كولينز” شخصية يوسرسيف علي إخناتون وقرنه بقصة الخروج.
ومن الملفت للأمر ان تلك الفرضية التي تبناها المسلسل الايراني “يوسف الصديق” بعد تنويعها مع قصة النبي التوراتي “يوسف” , وهو الامر المثير للإعجاب والذي تم فيه بناء خرافة إستنادا علي خرافة أخري أولت التاريخ بشكل كامل واعادت كتابته لتخدم أغراض كاتب الكتاب وفي حالة المسلسل صاحب العمل.
