المدينة الذهبية المفقودة، عنوان براق لكشف أثرى مثير تم على يد البعثة المصرية برئاسة د.زاهى حواس بالإشتراك مع مركز الدكتور زاهى حواس للمصريات التابع لمكتبة الإسكندرية وكذلك المجلس الأعلى للآثار في شهر الثامن من شهر أبريل 2021.
“صعود آتون” هو اسم المدينة التي تم الكشف عنها والتي ترجع لعصر الملك “امنحتب الثالث” جد الملك “توت عنخ آمون” واستمر إعمارها من عصر الجد للحفيد.
تضم منقطة الكشف معابد تخليد الذكرى (المعابد الجنائزية) للملوك “حور محب” و”آى” وقد بدأت البعثة في البحث بهدف العثور على معبد تخليد الذكرى للملك “توت عنخ آمون” فإذا بهم يعثروا على تلك المدينة المفقودة.
ويطرح هذا الكشف سؤالاً مهماً، هل عثر علماء الآثار على مساكن للمصريين القدماء أم أن كل آثاراهم عبارة عن معابد ومقابر؟
بيوت المصريين القدماء.
كان للمصري القديم فلسفة تحكم المعمار في العصور المصرية القديمة، فالنصوص تتحدث عن المعابد باعتبارها “بيوت الإله” فتسكن كاوات الآلهة بداخلها ( الكا هى القوى الحيوية)، واستمرار الطقوس بالمعابد المصرية يضمن استقرار الكون واتزان نواميسه، أما المقابر فهي بيوت الأبدية أو بيوت ملايين السنين بالتعبير المصري القديم والتي أعدها لتكون مقراً لحياة أبدية هانئة، أما دور الدنيا كالبيوت والمساكن وحتى القصور فكانت تصنع من الطوب اللبن لأنها دور دنيا مؤقتة.
حكمت تلك الفلسفة العصور المصرية قاطبة وعند الكشف عن منازل ومساكن القدماء فما يتم العثور عليه هو أطلال من الطوب اللبن سواء كانت بقايا لقصور أو لمنازل عادية، لوجهاء القوم أو لبسطائهم وحتى الملوك.
مدن تحت الرمال
لم تقتصر كشوفات مساكن المصريين القدماء على المنازل والقصور بل أنه تم العثور على مدن وقرى كاملة تحت الرمال ومن أشهر تلك القرى على الإطلاق هي قرية دير المدينة التي تقع بالبر الغربي بالأقصر والتي أطلق عليها المصري القديم: “ست ماعت” وهو تعبير يعني: مكان الحق، وكان سكان تلك القرية هم الحرفيين المسؤولين عن تشييد مقابر وادي الملوك ونقرها بالصخر وتلوينها.
كان مجتمع دير المدينة مجتمعاً صغيراً منغلقاً على سكانه لا يضم سوى أمهر حرفيي وفناني وكتبة العصر، ويعتقد أن العمل بقرية دير المدينة قد بدأ في الدولة الحديثة مع تزايد شهرة وادي الملوك كمكان مفضل لدفن ملوك ذلك العصر.
لم تكن قرية دير المدينة هي الوحيدة من نوعها، فيسبقها بكثير القرى التي ألحقت بالأهرامات المصرية والتي تضم الحرفيين والعاملين بتلك المشاريع، ففي هضبة الجيزة توجد قرية ومقابر العمال بناة الأهرام والتي بدأ الكشف عنها في عام 1988 على يد عالم الآثار الأميركي “مارك لينر” مع الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق في مصر، تلك القرية التي نسفت ادعاءات بناة الاهرامات المصرية بالسخرة ففيها تم العثور على سجلات متعلقة بحياة العمال ورواتبهم وطبيعة العمل وتقسيمه وحتى مقابر تلك القرية أثبتت الرفات الآدمية التي تم العثور عليها تلقيهم لرعاية طبية مميزة فهناك عظام قد شفيت من كسور سابقة بل إن الأمر وصل للعثور على جمجمة بها كسر من الأعلى كان الغرض منه تخفيف ورم سرطاني.
ومن المدن التي تم العثور عليها كانت مدينة “آخت آتون” وهى تل العمارنة حالياً ، تلك المدينة التي اتخذها الملك إخناتون عاصمة له وقد احتوت على معابد للإله آتون وضمت قصوراً ملكية، وأحياء سكنية مقسمة حسب مكانة قاطنيها، وأشهر تلك البيوت التي تم العثور عليها هو بيت الفنان “تحتمس” وهو النحات الملكي لأسرة إخناتون على ما يبدو، وقد كانت ورشته ملاصقة لبيته وفيها تم العثور على نماذج فريدة من صنع تحتمس ومن ضمنها رأس نفرتيتي التي سرقها لودفيج بورشارت عام 1912 ليتم تهريبها إلى برلين حيث تعرض هناك حتى الآن.
أخيراً فإن أشهر المدن التي تم العثور عليها هي مدينة “بر رعمسيس” عاصمة الملك “رمسيس الثاني” وموقعها حالياً “قنتير” بمحافظة الشرقيةـ، تلك المدينة التي وصفتها النصوص بانها مليئة بكل ما هو طيب وبحيراتها دوًا تمتلئ بالأسماك والطيور والإمدادات بها يومية لا تتوقف، ومن أشهر ما تم العثور عيله بتلك المدينة هو إسطبلات خيول الملك رمسيس الثاني والتي أدرجت في موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأقدم إسطبلات خيول في التاريخ.
وغيرها من المجتمعات التي تم العثور عليها وكلها – كالعادة- شيدت من الطوب اللبن لتؤكد ما طرحناه سابقاً من فلسفة البناء في مصر القديمة، وهو ما ينطبق وبشدة على تقاليد تشييد البيوت في القرى المصرية حتى يومنا هذا.
صعود آتون
المدينة التي تم العثور عليها تحمل اسما فريداً وهو “صعود آتون” و”آتون” هو الإله المصري الذى دعا إخناتون لعبادته وترقيته ليكون الإله الأكبر في مصر والذى له الكلمة العليا مع تجاهل المعتقدات المصرية القديمة وقتها، والعثور على مدينة بهذا الاسم تسبق عصر إخناتون ترسخ معلومة سابقة بأن إخناتون لم يخترع الإله ىتون أو يات به من مخيلته أو وحى سماوي او حتى تأثير خارجي، فآتون معروف منذ عصر إخناتون بما يقارب ألف عام.
مع بداية اعمال التنقيب في سبتمبر 2020 وبعد أسابيع قليلة بدأت المدينة تبوح بأسرارها للبعثة التي عثرت على تشكيلات من الطوب اللبن لم تلبث أن كشفت عن منازل لتتضح الصورة كاملة أنهم امام مدينة متكاملة.
مع توالي أعمال التنقيب أدركوا أنهم امام أكبر مدينة قديمة يتم اكتشافها في مصر على الإطلاق، بل أنهم عثروا بداخل المنازل على أدوات الحياة اليومية وما زاد من غموض الأمر، وهو ما يشير لعصر الملك إخناتون مع هجره لمدينة طيبة القديمة واتجاهه لمدينة تل العمارنة حالياً والتي أسماها أفق آتون لتكون مهد دعوته الجديدة، ومما يشير إلى استمرار المدينة في العمل في السنوات الأولى من عصر الملك إخناتون قبل هجرها هو انطباع ختم مكتوب عليه: جم با آتون وهو اسم المعبد الذى شيده إخناتون بمجمع معابد الكرنك في السنوات الأربع الأولى من حكمه قبل أن يهجر مدينة طيبة ويتجه إلى تل العمارنة، وعلى ما يبدو فإن العمل بها قد توقف لفترة ما بعد إضرابات عصر إخناتون ثم تم استئناف العمل بها بعد وفاته.
تم تأريخ المدينة بعصر الملك “امنحتب الثالث” بعد العثور على أغطية أواني النبيذ والشراب المختومة التى أشارت للملك “امنحتب الثالث”، وقد تضمن الكشف بقايا ثلاثة قصور للملك لنفس الملك ومركز صناعي وادارى وتنقسم إلى قطاعات الأول منها احتوى مخبزاً وأماكن للطهي وإعداد الطعام وحتى موائده وأفرانه لتشير إلى خدمة عدد كبير من العمال والموظفين، أما القطاع الثانى فهو الحي السكني والإداري يحيط بها سور ، وأخيرا منطقة ورش العمل ومنها ورشة إنتاج الطوب اللبن لتكون هذه المدينة بمثابة أحد مقرات إدارة الإمبراطورية المصرية والتي بلغت أوجها في عصر “امنحتب الثالث”.
أما أغرب المكتشفات التي عثرت عليها البعثة فكانت دفنتين لثور أو لربما بقرة بداخل إحدى الغرف، وكذلك دفنة آدمية لشخص في وضع امتدت فيه ذراعاه على الجانبين بينما هناك بقايا لحبل حول الركبة. أما الجزء الأخير الذى اكتشفته البعثة فكان المقابر وأماكن الدفن التي احتوت على مقبرة كبيرة لم تكتمل الحفائر بها بعض مع بعض المقابر المنقورة في الصخر.