طريق المواكب أم الكباش أم أبو الهول؟
لماذا بني معبد الأقصر؟ وماهي وظيفته هو ومجمع معابد الكرنك؟
ماهو عيد الأوبت المصري القديم وما علاقة كل هذه العناصر بحفل إتتاح طريق “الكباش”؟
وات نتر: طريق الإله
وات نتر وهى كلمة مصرية قديمة معناها طريق الإله وهو المسم المصري القديم لما نطلق عليه اليوم طريق الكباش أو طريق أبو الهول, كان هذا الطريق يصل بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك وكان الغرض من انشائه جعله الطريق الذي يمر منه موكب الإله آمون وثالوثه المقدس خلال الإحتفالات الدينية.
يبلغ طول طريق الإله الفان وسبعمائة متر ويقع على محور جنوب شمال ليصل جنوب معبد الأقصر بشمال معبد الكرنك, فيبدأ الإحتفال من معبد الكرنك ويتج الموكب لمعبد الأقصر ثم يعود مرة أخري لمعبد الكرنك.
التاريخ القديم لطريق الكباش
أول الملوك المصريين الذين شيدوا هذا الطريق كان الملكة حتشبسوت, وكانت تماثيل أبو الهول علي جانبي الطريق تأخذ ملامح الملكة نفسها, وقد صورت الملكة حتشبسوت إنجازها هذا في العديد من الجداريات والتي عرفنا منها أيضا أنها شيدت ستة مقاصير إلهية لإستراحة المراكب المقدسة التي تجمل تماثلي الآلهة في الأعياد.
أول الملوك المصريين اللي شيد الطريق ده كان ملكة مصر حتشبسوت وان في البداية تماثيل ابو الهول علي جانبي الطريق كانت علي شكلها هي, والملكة حتشبسوت صورت إنجازاتها ده بوضوح في الست مقاصير اللي شيدتهم لإستراحة مراكب الآلهة وصورتهم في الجداريات. في عصر الملكة حتشبسوت كان موكب عيد الأوبت يسلك الطريق البري إلا أنه مع تطور شكل الإحتفال بالعيد أصبح الموكب يتخذ البر والنهر .
كان الملك أمنحتب الثالث هو الذي تلي حتشبسوت في الإنشائات فقد شيد الطريق ما بين الصرح العاشر ومعبد الإلهة موت في مجمع معابد الكرنك حتي جنبو معبد خونسو, ولكن مع وفاة أمنحتب الثالث توقفت المشروعات الإنشائية تماما وذلك لان من تولي العرش من بعده كان إبنه أمنحتب الرابع أو إخناتون.
كانت فترة حكم إخناتون إستثنائية لانه كان يرفض ويعادي كل ما يتعلق بالإله آمون لذلك لم يشيد أى مباني مكرسة لهذا الإله , ومع نهاية فترة حكم إخناتون وجلوس إبنه الملك توت عنخ آتون علي العرش نجد أنه غير إسمه لتوت عنخ آمون ومن ثم أعاد إعتناق الديانة ونظام الماعت المصري القديم ومن ثم بدأ مرة أخري فى الإنشاءات بمعابد طيبة, ومن بعد توت عنخ آمون إستمرت الإنشاءات في عصر الملك حور محب, سيتى الأول, رمسيس الثاني, وحتي الإسكندر الأكبر.
أما الطريق الحالي الذي يصل معبد الكرنك بمعبد الأقصر فهو بالكامل من إنشاءات الملك “خبر كا رع” ” نخت نب إف” أو نختنبو الأول مرسس الأسرة الثلاثون المصرية آخر الأسرات الوطنية التي حكمت مصر القديمة , وقد عرفنا هوية صاحب ذلك الطريق وتماثيله عن طريق النقوش التري تركها بنفسه عليها
وكتب نخت نب إف شيدت طريقا جميلاً لأبى آمون محاطاً بالأسوار, زرعته بالأشجار وزينته بالزهور
صنعت طريقاً لأبي آمون محاطاً بالأسوار , مزروع بالأشجار ومزين بالزهور , طريق صنعه الملك لأبيه آمون ليقوم بإبحاره الجميل للإبت رسيت معبد الأقصر ,أكثر جمالاً مما وجد من قبل.من نصوص تماثيل أبو الهول للملك نختنبو الأول
قصة إكتشاف طريق الإله
يحكي إكتشاف طريق الكباش قصة طويلة من العمل وكفاح علماء الآثار المصريين علي مدار أكثر من سبعون عاماً,
ففي عام الف تسمعائة تسعة وأربعون خرج الطريق للنور علي يد عالم الآثار الراحل “محمد زكريا غنيم” الذي إكتشف الطريق أما معبد الأقصر, وأكمل المسيرة من بعدها علماء الآثار محمد عبد القادر ومحمد عبد الرزاق, وفي الأعوام ما بين 1958 و 1964 وكشفوا عن أربعة وثامنين تمثال كما عثروا علي بقايا أحواض دائرية ما بين التماثيل كان يزرع فيها الأشجار والزهور والمتصلين بقنوات ري تضمن إزدهارهم طوال العام, كما كان للطريق رصيف مصنوع من الحجر الرملي وسلطت تلك الإكتشافات الضوء علي شكل الطريق وتنظيمه في العصور المصرية القديمة.
أما عن وضع الحفائر وقتها فكانت تواجه صعوبات مهولة نظراً لان مدينة الأقصر نفسها تقع فوق الطريق, بل أن قسم شرطة الأقصر هو الآخر فوق الطريق امام معبد الأقصر.
مع تولي العالم محمد الصغير الراية وتولي الحفائر بالمشروع نجد أنه بين سنوات 1984 و 1991 قام بإكتشاف ثلاث قطاعات إضافية من الطريق , كذلك عشرون تمثالا كانوا جميعهم مهشمين بالإضافة الي عثوره علي مقصورة للكاهن الأكبر للإله آمون في الأسرة الواحد وعشرون والمدعو “من خبر رع” وهو الذي سيتكرر إسمه مرة أخري في سجل الإكتشافات لاحقاً.
مع نهاية أعمال د.محمد الصغير بدا واضحاً أن الطريق لا يزال موجودا بين المعبدين ولكن الحفائر كانت صعبة وشبه مستحيلة في بعض الأماكن لذلك كان لا بد من تبني خطة منظمة ورؤية جديدة تماما.
إحياء طريق الإله
بقايدة عالم الآثار المصري منصور بريك بدأت الحفائر في نوفمبر من عام 2005 وكان المشروع هذه المرة إنتشال وترميم طريق الكباش ومن ثم دمجه بمدينة الأقصر ليصبح منها كما كان في العصور القديمة, ومع بدء أعمال الحفائر لم يكتف فريق العمل بالكشف عن طريق الكباش وإنما كنز هائل من المعلومات يعكس تاريخ مدينة الأقصر العريقة.
كانت الخطة هي تقسيم الطريق لستة قطاعات يبدأ العمل فيها واحداً تلو الآخر بداية من معبد الأقصر , وهو أول قطاع وتم العمل به بعد إزالة قسم الشرطة ومن ثم الطريق الأسفلتي الذي يربط قسم الشرطة بجامع المقشقش الذي تم نقله لاحقاً.
ومع الشروع في أعمال الحفائر والتوثيق العلمي كشف الفريق أن الموقع كان مستخدماً في العصور الرومانية ومأهولاً بشكل مكثف, كما عثروا علي خرطوش للملكة كليوباترا السابعة آخر ملوك البطالمة ووجدوا أن رؤؤس تماثيل من الطريق تم إستخدماها كحشوات للميانب الرومانية إلا ان الطريق نفسه كان معظمه سليم.
ومع نهاية تلك المرحلة أصبح العدد النهائي لقواعد التماثيل مائة وثلاثون, خمس وستون علي كل جانب.
أما عدد التماثيل فكان تسعين وكلهم علي هيئة أبو الهول يحملون وجه الملك نختنبو الأول والذي كانت خراطيشه ونصوصه عليهم كالعادة.
القطاع الثاني من الطريق
وهو ممتد من قسم الشرطة حتي “كنيسة العدرا” وهذا الجزء كان مدمر تماماً لم يتم العثور فيه سوي علي مقتنيات بسيطة من ضمنا بقايا ثلاث رؤؤس كباش.
القطاع الثالث
وكان يمتد من العدرا لشارع المطحن وطوله مائتان وخمسون متراً وكانت مشكلة أعمال حفائر في تلك المنطقة أن البيوت المأهولة بالسكان فوق الطريق كانت تستخدم نظام الخزانات في الصرف الصحي والذي كان سبباً في تدمير هذا الجزء من الطريق.
في نهاية المطاف تم العثور علي بقايا تسعة وسبعون تمثالاً يقع 39 منها علي الجانب الشرقي و40 علي الجانب الغربي, كما تم العثور علي بقايا مقصورة أخري للكاهن الأكبر للإله آمون المدعو “من خبر رع” والذي إكتشف له د.محمد الصغير سابقاً مقصورة ذكرناها في المقال.
كذلك أخبرنا هذا الجزء من الطريق أن تلك المنطقة كانت مأهولة في العصور الرومانية بمعمل كامل للنبيذ وإنتاجه وانه ظل يعمل حتي القرن الثالث الميلادي.
القطاع الرابع
كان هذا الجزء عبارة عن أرض زراعية لم تؤثر علي حالة الطريق, وتم العثور في هذا الجزء علي 172 تمثال لأبو الهول بقواعدهم ولكن إثنان منهم فقط كانوا مكتملين, كما كانت هناك ملحوظة غاية في الغرابة وهي أنه كانت هناك تماثيل كثيرة منها مقطوعة الرأس والرأس نفسها موضوعة بجوار التمثال.
بالإضافة إلي العثور علي ثلاث لوحات حجرية منقوشة, أجزاء من الأرضية الأصلية للطريق وكذلك أجزاء من الأصص التي كانت توضع فيها الأشجار والزهور وحتي بقايا قنوات الري.
كما ذكرنا فإن تلك المنطقة كانت صناعية مأهولة في العصور الرومانية بمصنع النبيذ, ولكن في هذا القطاع تم العثور علي تكعيبات العنب وكذلك ملحقات مصنع النبيذ من صهاريج للتخزين.
القطاع الخامس
ويسمي كوبري الشيخ موسي, ويمتد من طريق المطار حتي شمال الطريق المؤدي لمعبد الإلهة موت في الكرنك, وهنا لابد أن نعود لاعمال د.محمد الصغير والذي إكتشف في هذا المكان في عام 1992 بقايا عشرون تمثالاً, أما أعمال الحفائر الحديثة فقد زادت عليهم 28, وكان من أهم الأشياء التي عثروا عليها أيضا بئر مياه كان يستخدم كمقياس للنيل في تلك المنطقة, وبجوار هذا البئر كانت هناك مباني صغيرة من الطوب اللبن بها أماكن لتثبيت الأعلام وغالبا ما كان يتم الغعلان عن عيد الاوبت من ذلك المكان بعد قياس منسوب النيل عن طريق البئر.
القطاع الأخير
القطاع السادس والأخير كان الأصعب وذلك لانه كان مشغول بالمباني فوق سطح الأرض بينما أسفلها توصيلات الخدمات, إلا أنهم عثروا علي جزء من حائط يعمل كسد يحمي من المياه امام معبد خونسو, وهو مشابه لسد آخر كان يحيط بمعابد الكرنك مما يؤكد أن مجمع معابد الكرنك قد بني علي شبه جزيرة بنهر النيل.
إستكمال الأعمال وإفتتاح الطريق
مع قيام الثورة في عام 2011 توقفت الأعمال تماماً وأصبح مشروع طريق الكباش ضرباً من الخيال حتي حلول العام 2017 وهو العام الذي بدأ فيه المصريون مرة اخري في إستكمال الطريق لإفتتاحه الأسطوري في 2021.
وفي نوفمبر من ذلك العام إنتهت اعمال الترميم والتطوير مع إحتفالية أسطورية تخلد عيد الأوبت وطريق الكباش معاً, قبل العام 2021 كانت هناك بعض المراسم البسيطة التي تعيد إحياء عيد الأوبت بمدينة الأقصر إلا أنها كانت علي نطاق ضيق وبسيط لا يرقي لاهمية المنطقية والإحتفال.
عيد الأوبت
علي الرغم من ذلك فإن إحتفال المصريين بعيد الأوبت لم ينقطع عاماً واحداً منذ نهاية الحضارة المصرية القديمة لأن مراسم إحتفال المصريين في الأقصر بمولد أبو الحجاج الأقصري متطابقة تماماً مع مراسم الإحتفال بعيد الأوبت المصري القديم .. وهذا ما سنعرفه في مقال قادم.