في متحف اللوفر بالقاعة رقم 641 يعرض خاتم مصري قديم مصنوع من الذهب عجيب الهيئة, فالخاتم يصور عجلة حربية وحصانين, فمن كان مالك هذا الخاتم ولماذا تم صناعته بهذا الشكل الفريد وما هي قصته؟
محمد علي وصرعة الآثار
لمعرفة تلك القصة لا بد من العودة بالزمن إلى عصر محمد علي باشا الوالي العثماني علي مصر.
كان عصر محمد علي هو العصر الذهبي لإنفتاح مصر علي العالم وبالتالي إنشاء علاقات وروابط مع الدول الأوروبية وتأسيس قنصليات لتلك الدول لاول مرة في تاريخ مصر, والغريب في الأمر أن القناصل الأوائل الأجانب في مصر كانوا جميعاً مقاولين آثار من الباطن وتجار ومهربين لها, كان محمد علي يطمح إلى تقوية علاقته بأوروبا والدول العظمي وقتها لذلك ترك المجال مفتوحاً لهم للحصول علي ما يلهثون وراءه وهو الآثار المصرية فنتج عن ذلك أكبر حركة لسرقة وتهريب الآثار المصرية في التاريخ مع عدم وجود قوانين لحماية تلك الآثار او إجبار علي أحقية مصر فيها ولذلك فإن كل تلك الآثار التي خرجت في عصر محمد علي قد خرجت بموافقة الحكومة المصرية (المتمثلة في محمد علي) وبالتالي فإن المتاحف التي تجوز تلك الآثار لديها مستند ملكية يثبت أحقيتها في حيازة تلك الآثار وهو الوضع الذي يعد من عجائب الأقدار, والأعجب أن تجارة الآثار كانت قانونية في مصر حتي العام 1983 مع منع تجارة الآثار بسلطة القانون المصري.
في ذلك العصر ظهر قناصل لصوص وعلي رأسهم “هنري سولت” القنصل الإنجليزي, برناردينو دروفيتي القنصل الفرنسي , وكان ذلك أيضاً سبباً في ظهور لصوص للآثار تعمل لحسابهم وعلي رأسهم حاوي السيرك الشهير “جيوفاني بلزوني” وكذلك جيوفاني كافيليا وانتونيو ليبولو, بل أن هؤلاء كانوا في صراع داخلي فيما بينهم البعض فكان “سولت” عدواً ل”دروفيتي” والذي كان عدواً لشامبليون هو الآخر , تنافسوا فيما بينهم لحيازة الآثار المصرية وبيعها لمتاحف اوروبا. ومن أشهر الآثار التي تمت سرقتها في ذلك الوقت كانت ذقن أبو الهول والكوبرا التي تزين جبهته والتي سرقها كافيليا وتعرض بالمتجف البريطاني , السقف الفلكي لأبراج معبد دندرة والذي تم نزعه باستخدام المناشير والمثاقيب والبارود علي يد الفرنسي “كلود ليلوريان” , تابوتي الملك من كاورع واللذان قام بسرقتهما إثنان من أخطر البريطانين اللذين عملوا بمجال الآثار في مصر وهما ريتشارد فايز والذي قام قبلها بثقب أبو الهول باستخدام مثقاب ومعه جون بيررنج الذي كان مولع باستخدام البارود والتفجيرات, التمثال العملاق لرمسيس الثاني من معبد الرامسيوم والذي قام بسرقته حاوي السيرك الإيطالي بلزوني بعدما إنتزعه من معبد الرامسيوم بل بل أن بلزونى هذا وحده قد سرق مجموعة مهولة من الآثار لحساب هنري سولت تحولت بعد ذلك لواحدة من أكبر مجموعات المتحف البريطاني, وغير ذلك الكثير من الكنوز التي لا تقدر بثمن خرجت من مصر في ذلك الوقت ناهيك عن الآثار التي فقدت أو تم تدميرها نتيجة عمليات النهب الوحشية التي مورست وقتها.
وقد إستمر ذلك الوضع لفترة طويلة من الزمن بل أن هناك من المصريين الذين شغلوا ذلك المنصب وحتي كانوا قناصل لدول أوروبية مثل “الإمبراطور” أو “مصطفي الأغا” الذي كان أشهر من نار علي علم بمدينة الأقصر وكان الشخص الذي يتعامل معه الأخوان عبد الرسول اللذان إكتشفا خبيئة الدير البحري الشهيرة.
الآثار المصرية كهدايا
أما عن الإهداءات فكانت -بالإضافة إلى السرقات- هدايا دبلوماسية ثمينة إستخدمها محمد علي لتقوية الروابط ما بينهم وبين ملوك ورؤساء العالم, فقام محمد علي بأهداء مسلة من مسلات مدخل معبد الأقصر -والتي شيدها “رمسيس الثاني”- إلى تشارلز العاِشر ملك فرنسا, ففي نوفمبر من عام 1830 أهدي محمد علي المسلة إلى فرنسا رسمياً وتم تكليف البارون “إيزيدور تايلور” بتلك المهمة وذلك علي الرغم من أن محمد علي قد إتخذ قرار سابق بإهدائها لبريطانيا ومن ثم قرر إهدائها لفرنسا ولتشارلز العاشر والذي كان أطيح من علي عرش فرنسا في يوليو من نفس العام وقد تلقي محمد علي في المقابل ساعة ميكانيكية لم تعمل إلا في أكتوبر من العام 2021.
بل أن الأغرب من ذلك هو ما حدث بعد وفاة محمد علي ففي مرحلة ما كانت نواة المتحف المصري الحالي بالتحرير هو مجموعة من الآثار تعرض بقلعة صلاح الدين, وفي عصر الخديو عباس حلمي جري التجهيز لإستقبال الدوق ماكسميليان وجهز له الخديو عربة فاخرة بخيول مطهمة مذهبة, ولكن الدوق جن جنونه عندما رأي الآثار المصرية فقرر الخديو إهداءه المجموعة باكملها فرحل بها الدوق وهو غير مصدق لما حدث.
كيف وصل الخاتم لمتحف اللوفر؟
كانت طريقة وصول الخاتم لمتحف اللوفر ليست واضحاة في البداية فهناك معلومة متداولة تقول بأن عالم الآثار الفرنسي الشهير “أوجوست مارييت” قد عثر عليه في سرابيوم سقارة الشهير ومن ثم قام بنقله لمتحف اللوفر ليعرض هناك, وعند تتبع تلك الفرضية فلم أجد ما يدعمها بأي شكل من الأشكال ولم أجد سبباً لتداولها.
إلا ان سجلات متحف اللوفر تقول بعكس ذلك , ففي عام 1827 قام محمد علي بإهداء تشارلز العاشر مجموعة من المجوهرات يبلغ عدد قعها 42 قطعة من أثمن المجوهرات وكان من بينها ذلك الخاتم, ومن ثم تم عرض الخاتم في متحف اللوفر تحت رقم 728.
خاتم رمسيسإلا أن الخاتم لم يلبث أن خاض رحلة أخري مع قيام الثورة الفرنسية ,فلما قامت الثورة الفرنسية وإختلط الحابل بالنابل وإنتشر السلب والنهب فكان نتيجته سرقة الخاتم من المتحف ضمن مقتنيات أخري>
وكان شامبليون مسئولا عن اللوفر وقتها وتم تكليفه بعمل حصر للمفقودات حتي نجحوا في إستعادة الخاتم لاحقاً ليستقر في المتحف مرة أخري وهو مكان عرضه حتي اليوم, ويتبق السؤال.. من هو صاحب هذا الخاتم العجيب.
معركة قادش
تشير النصوص المصرية القديمة وأبحاث علماء المصريات إلى مالك محتمل لهذا الخاتم وهو الملك رمسيس الثاني, وقد كان ذلك الخاتم نتيجة لمعركة قادش التي دان فيها رمسيس بالفضل لخيوله في إنقاذه من الموت.
كانت معركة قادش هي أشهر معارك العالم القديم والتي كانت بين الجيش المصري بقيادة رمسيس الثاني وجيوش الحيثيين وحلفاءهم بقيادة “موتالى الثاني” ملك الحيثيين , وكانت تلك المعركة حسماً لصراع مصري حيثي كان عمره وقتها ما يقارب سبعون عاماً لسيادة العالم القديم.
أما عن الوضع الذي أنقذت فيه الخيول حياة رمسيس الثاني فهو أن رمسيس بعد خروجه من مصر وتوغله في أرض كنعان فإذا بالجيش يأسر إثنان من بدو الشاسو والذين تم إستجوابهم بمعرفة الجيش المصري فاعترفا بأن موتالي وقواته بعيدون جدا عن أرض المعركة – قادش- وأنه بعيدا في حلب شمال “تونيب”, وهنا إتخذ رمسيس القرار بان يتحرك سريعاً ومعه حرسه الشخصي تجاه قادش وخلفه بمسافة قليلة فيلق “آمون” , وخلفهم فيالق الجيش الثلاث الأخري ” رع” , “بتاح” , “ست” , وقد كان رمسيس وفيلق آمون أول من يصل إلى أرض المعركة وبعد نصب المعسكر المصري فإذا بفرق الإستطلاع تأسر إثنان من جنود العدو تبدأ في إستجوابهما فياتي الإعتراف الخطير بان موتالى وقواته مختبئين خلف الضفة الأخري من النهر أى أن القوات الحيثية يمكن أن تهجم في أى وقت بل أن الهجوم لربما بدأ بالفعل , وهو ما حدث مع وصول فيلق “رع” إلى أرض المعركة والذي حطمه قوات الحيثيين وشتتوا جنوده وألتفتوا للإنقضاض علي رمسيس وفيلق آمون للقضاء عليه.
ومن ثم تنتهي المعركة بالمدد الذي جاء من قوات خاصة تدعي “نعرن” كان رمسيس يدخرها لذلك الوقت, وكان تدخل النعرن له مفعول السحر في قلب موازين المعركة التي إنقلبت لصالح الجيش المصري وأنقذت حياة رمسيس, ومع ضغط الجيش المصري إنطلق رمسيس وبجواره مننا قائد عجلته الحربية وخيوله تتقدم العجلة الحربية وأخذ يدفع قوات الحيثيين بعد وصول المدد حتي نجح في دحرهم تماماً ودفعهم دفعاً تجاه القلعة التي فر إليها ما تبقي من قوات الحيثيين , حتي إنتهي يوم قادش بالنصر بينما موتالى ملك الحيثيين لم يكلف نفسه حتي بالنزول لأرض المعركة وبقي متفرجاً منذ بدايتها وحتي نهايتها بالهزيمة.
خيول رمسيس الثاني
بعد نجاة رمسيس في يوم قادش وخروجه بالإنتصار من براثن موت محقق نجد أن رمسيس كان غاضباً للغاية من ذلك الموقف بسبب الصدع الرهيب في جهاز مخابراته والذي كان سبباً في الفخ الذي وقع فيه لعدم تمكنهم في جمع المعلومات, وعلي الرغم من أن نصوص معركة قادش التي دونها رمسيس أظهرته كالبطل الذي قام بكل شيء في قادش إلا ان ذلك لم يمنع أن يذكر النص بالإسم خيول رمسيس الثاني وكذلك قائد عجلته الحربية والمدعو “مننا” وكذلك حامل الكؤوس
(وجاء جيشى لمساعدتى فإندهشوا لم صنعته .. أسرعت بشجب جبنهم وعدم تنظيمهم (قائلا:) ماذا تنتظرون أن يقول الناس عندما يسمعون (انكم) فررتم بعيدا عنى وتركتمونى وحيدا ؟ لا جندى ولا ضابط ولا قائد حاول أن يساعدنى فى القتال ! لقد قهرت عدد لا حصر له من البلاد الأجنبية وخرجت ب”النصر فى طيبة” و”الإلهة موت راضية” (أسماء الخيول) , للحق ! وجدت جياد عربتى العظيمة بجوارى ! هى التى وجدتها واعانتنى وأنا وحيد احارب الجيوش الأجنبية .. سوف أنحنى لها بنفسى وهى تتناول علفها كل يوم أمام ناظرى فى قصرى , وإليكم من وجدته يمد يد المساعدة فى المعركة , إنهم قائد عربتى و “مننا” حامل درعى وحملة كئوسى , فهم شهود المعركة وهم من وجدتهم بجانبى)
وقد كانت مجريات قادش وهذا النص الفريد هو الذي تسبب في نسب ذلك الخاتم لرمسيس الثاني والذي علي ما يبدو نفذ كلامه حرفياً وقام بتكريم خيوله بهذا الشكل الفريد>
أما عن مكان العثور علي ذلك الخاتم فلربما كان من لقي محافظة الشرقية حيث كانت عاصمة رمسيس ( قنتير حالياً) والإسطبلات العظيمة التي أقامها هناك والتي كانت أيضاً أقدم إسطبلات في العالم في رقم قياسي مسجل بإسم رمسيس في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.