لماذا لم تظهر الملابس الشتوية فى جداريات المصريين القدماء؟

ترك المصريون القدماء تراثاً هائلاً من الفن سواء النحت أو النقش أو الجداريات، فكان الفن هو مرآة الحياة في مصر القديمة، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الحضارة المصرية يكتنفها الغموض في بعض النواحي التي تثير الجدل دوماً مما يطرح الكثير من الأسئلة الشائعة التي تشغل عقل الجمهور وكان أحدها هو لماذا لم يصور المصري القديم نفسه بالملابس الشتوية؟

الطقس في مصر القديمة

عند النظر إلى جيولوجيا ومناخ مصر في العصور المصرية القديمة فلن نجد تغييرا كبيراً عما نراه اليوم باستثناء مسار ومجرى النيل وتقسيم تفرعاته وقنواته التي كانت تصل إلى أنحاء كثيرة في العصور المصرية القديمة إلا أن الكثافة السكانية والتجمعات السكنية للمصريين الحاليين تفوق القدماء بما يزيد عن العشرة أضعاف بكثير.

وحتى مع وجود تلك التغييرات فلم يؤثر ذلك على المناخ ليجعل مصر ذات طقس حار طوال العالم فيضطر المصري القديم للاستغناء عن ملابس شتوية.

الأمر واضح إذا عانى المصري القديم في فصل الشتاء من برد قارس يتطلب ارتداء الملابس الثقيلة، فما القصة إذن؟

الغرض من الفن والتصوير في مصر القديمة

لم يكن الفن المصري القديم لغرض الفن فقط كما نعرفه اليوم، فكل أعمال المصري القديم كانت ترتبط بالدين بشكل أو بآخر حيث أن العقيدة المصرية القديمة كانت قائمة على تناغم الفرد مع البيئة ومزجها بالمعتقدات الدينية حتى أصبح الدين جزئاً لا يتجزأ من تكوين المجتمع وعاداته وتقاليده فلم يقتصر على طقوس وعبادات فقط.

كان الغرض من التصوير على جدران المقابر على سبيل المثال هو نقل الحياة اليومية في مصر القديمة لتكون جزء من عالم المتوفى في الحياة الأخرى، وكذلك نجد مصاحبا لتلك المناظر المتوفى نفسه بنفس أسلوب حياته الدنيا وألقابه وحتى مناصبه التي تقلدها.

إذن لم يكن الفن بالفعل لغرض الفن فقط، وإنما كان تكاملاً مع العقيدة الدينية والتي تميل إلى مثالية تصوير الأفراد في أفضل هيئة مع واقعية تصوير هذه الهيئة والبيئة المحيطة بها.

وعلى الرغم من هذا الميل إلى المثالية إلا أن هناك نماذج وصلت لنا عن الملابس الشتوية في مصر القديمة ولكنها كانت خادعة بعض الشيء.

ما هى الملابس الشتوية في مصر القديمة ؟

ترتبط الصورة الذهنية بفصل الشتاء عند الكثيرين بالمعاطف الثقيلة وتغطية كافة أجزاء الجسد، وهو ما لم يفعله المصري القديم بهذا الشكل، ففي فصل الصيف على سبيل المثال كان الزى المعروف هو النقبة القصيرة التي لا تغطى سوى العورة ولا تعيق الحركة وتعين الفرد على أعماله اليومية الشاقة وكذلك درجة الحرارة المرتفعة في ذلك الفصل.

أما في فصل الشتاء فكان الوضع مختلفاً بكل تأكيد، لم يتخل المصري عن النقبة ولكنها جعله أطول في فصل الشتاء وكذلك أضاف لها السراويل الداخلية، اما الجزء العلوى من الجسد فكان بنفس الطريقة والأسلوب في ارتداء الملابس أسفل الرداء الذى يغطى الجزء العلوى من الجسد، وذلك بالإضافة إلى المعاطف الثقيلة التي تقى من درجات الحرارة المنخفضة ولكن هذه المعاطف وحتى الأجزاء التي تكسو الجزء العلوى كانت مشكلة كبيرة في التصوير الفني في مصر القديمة!.

الجنة يدخلها الإنسان في أفضل حال

راعى المصري القديم كما ذكرنا سابقاً المثالية في تصوير المناظر والتي تعنى تصوير الأفراد في أفضل شكل وهيئة وفئة عمرية ممكنة ليتم عليها البعث في الحياة الأخرى، فمن منا يريد أن يبعث وهو طفل أو بلغ من العمر أرذله؟

كان المصري القديم يتمنى بعثه في الحياة الأخرى في أفضل وضع ممكن، سن صغير، هيئة جميلة، اهتمام الشكل الخارجي وحتى التعطر والتزين وارتداء أفخم الملابس، ولأن التصوير كان جزء من عملية البعث والخلود فتطلب الأمر أن تظهر كافة التفاصيل الممكنة في المنظر المصور وهو ما كان سيعيقه المعاطف الثقيلة وحتى الأردية الطويلة أسفلها التي ستخفى حتماً تفاصيل الجسد عند تصويرها على الجدران.

وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت استثناءات نذكر منها على سبيل المثال المنظر الموجود بمقبرة الموظف “آمون إم إنت” وهى المقبرة رقم 227 بغرب طيبة والذى يصور أربعة من النائحات بجوار بعضهن البعض يرتدين (شيلان) ثقيلة على أكتفاهن!

خلاصة القول أن المصري القديم عاش حياته كما نعيشها بتقلبات الجو ونفس المشاكل الحياتية وحتى الأحزان والأفراح المرتبطة بالمشاعر البشرية والحياة الطبيعية للإنسان فلم يكن استثناءا عمن دونه من بنو البشر.