لقطات من حياة النجم الأسطوري زين الدين زيدان
زيدان النجم الأسطوري بين لحظات الانكسار والانتصار والتي عاشها لاعبًا ومدربًا

هناك العديد من لاعبي كرة القدم الذين يلمع نجمهم طوال فترات تواجدهم في المستطيل الأخضر، لكن بمجرد الاعتزال يصير هؤلاء في طي النسيان، غير أن زين الدين زيدان لم يكن من أولئك، فعل الرغم من أنه قد اعتزل عام 2006 إلا أنه عاد من جديد ليتصدر أخبار الكرة العالمية بعدما درب النادي الملكي ريال مدريد لفترتين، وفي السطور التالي نتعرف على زين الدين زيدان، ونتطرق إلى تاريخه مع منتخب الديوك الفرنسية.

من هو زيدان

زين الدين زيدان فرنسي من أصل جزائري ولد عام 1972 وبدأ مشواره الكروي في فرنسا مع نادي كان، ثم انتقل لأحد أكبر الأندية الفرنسية وهو نادي بوردو ومن انتقل إلى نادي السيدة العجوز يوفنتوس عام 1996، ومضى معه ستة مواسم تقريبًا قبل أن ينتقل إلى نادي ريال مدريد الأسبانية في مطلع موسم 2001/2002 وصار أغلي لاعبي العالم وقتها، ومكث في النادي الملكي إلى أن اعتزل عام 2006.

زيدان مرتديًا قميص المنتخب الفرنسي

لعل السنوات الأولى التي تألق فيها زيدان مع منتخب الديوك، جعلت الفرنسيين يقارنون بينه وبين النجم الفرنسي الذهبي ميشيل بلاتيني الذي قاد فرنسا للفوز بكأس الأمم الأوربية عام 1984، وكلاهما كان يرتدي القميص رقم عشرة، إلا أنه مع الوقت واستمرار الإنجازات الفردية والجماعية صار زيدان أعلى كعبًا من بلاتيني، فدعونا نلقي الضوء على ما فعله زيدان مع منتخب فرنسا.

كأس الأمم الأوربية: ثلاث مشاركات

يورو 2000: التتويج باللقب

دخلت فرنسا كأس الأمم الأوربية عام 2000 وهي تحمل لقب بطلة العالم، كان المنتخب الفرنسي وقتها يضم كتيبة من اللاعبين المهرة في جميع الخطوط، وهو ما كان يسبب مأزقًا كبيرًا لمدرب منتخب الديوك وقتها روجيه لومير، إلا أن زيدان كان بوصلة الفرنسيين دائمًا، وبكل قوة وثبات قاد زيدان فرنسا الديوك للتتويج ليجمع هذا الجيل بين أكبر بطولتي لكرة القدم كأس العالم وكأس الأمم الأوربية.

ساهم زيدان في هذا البطولة بكل ما يملك فهو صانع الألعاب الذي نجح في تحريك وصناعة الفرص لمهاجمي فريقه الكبار آنذاك مثل تيري هنري ونيكولاس أنيلكا، كما كانت أهدافه الحاسنة سببًا مباشرًا في الحسم في اللحظات الصعبة التي تعرض لها منتخبه، فقد أحرز هدف الفوز من ركلة جزاء أمام البرتغال في الدور نصف النهائي لتصعد فرنسا وتتوج باللقب على حساب إيطاليا، وقد حاز زيدان وقتها جائزة أحسن لاعب في البطولة، وفي هذا العام نال لقب أحسن لاعب في العالم للمرة الثانية في تاريخه، وكانت المرة الأولى عام 1998.

يورو 2004: تألق في حدود المستطاع

تغيرت الأمور نسبيًا خلال السنوات الأربع الفاصلة بين النسختين من البطولة، فهناك نوع من التجديد في دماء الفريق الفرنسي، غير أن زيدان عوض هذا بأن زاد من جهده وفوق هذا فقد صار قائد الفريق، اجتهد زيدان في أن تحافظ على اللقب وأمام الأنجليز صنع معجزة عندما قلب تأخر فرنسا بهدف لانتصار بهدفين أحرزهما زيدان من ضربة حرة مباشرة وركلة جزاء، غير أن الحظ في هذا العام قد حالف اليونانيين وأقصوا الديوك من دور الثمانية ليخسر زيدان وفرنسا اللقب.

ثلاثة مشاركات في المونديال

كأس العالم 1998: سأفوز بكل شيء

تحت قيادة ايميه جاكيه وفريقه الذي لا تنساه فرنسا في تاريخها، بارتيز في الحراسة وأمامه تورام ولوران بلان وديسايه وكاريمبو وليزارزو وفييرا وبيتي والقائد ديشامب وهنري وجيفرج ومعهم الفتي الذهبي زيدان، نجح الفرنسيون في الفوز بكأس العام لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخهم.

قدم زيدان أوراق اعتماده كفتى ذهبية للكرة الفرنسية وأحد أفضل لاعبي الكرة في التاريخ، ورغم أن تعرض للطرد في إحدى مباريات الدور الأول، إلا أنه عاد من جديد بقوة، وفي المباراة النهائية فعل ما لم يكن به أكثر المتفائلين، فمن ركلتين ركنيتين أحرز زيدان برأسه هدفين لفرنسا في مرمى تافريل حارس السامبا البرازيلي حاملة اللقب وقتها، لتتوج فرنسا باللقب ويفوز زيدان وقتها بجائزة أحسن لاعب في العالم.

كأس العالم 2002: لعنة الإصابات

دخلت فرنسا هذه البطولة وكل التوقعات ترشحها للحفاظ على اللقب، كيف لا والديوك قد دعموا صفوفهم وجددوا دمائهم بعدد من اللاعبين الشباب مثل سيسيه وروبرت بيرس وويلتورد ممن لم يحضروا النسخة السابقة من المونديال.
التحق زيدان بالديوك وهو في قمة النشوة والسعادة بعدما فاز مع ناديه ريال مدريد بلقب دوري أبطال أوربا وبهدفه الذي يُنسى في مرمى بايرليفركوزن الألماني والذي نال به جائزة بوشكاش لأحسن هدف في العالم، لكن الحظ لم يسعف زيدان ولا الفرنسيين، فقد أصيب زيدان في مباراة ودية أمام كوريا الجنوبية قبل انطلاق المونديال بأيام، وعلى إثر هذه الإصابة يغيب زيدان أول مباراتين لفرنسا أمام السنغال وأورجواي والتي لم تحصد فيهما فرنسا إلا نقطة واحدة ولم تحرز أي هدف، عاد زيدان في المباراة الأخيرة أمام الدنمارك، لكنه لم يوفق في تحقيق الفارق لتخرج فرنسا زيدان من الدور الأول في مفاجأة من العيار الثقيل.

على اليسار زيزو يقبل كأس العالم عام 1998، وعلى اليمين وهو يغادر الملعب بعد طرده من المباراة النهائية عام 2006
على اليسار زيزو يقبل كأس العالم عام 1998، وعلى اليمين وهو يغادر الملعب بعد طرده من المباراة النهائية عام 2006

كأس العالم 2006: سأقاتل إلى النهاية

دخل زيدان هذه البطولة وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، لقد صار صاحبًا عجوزًا بلغة الأرقام، فماذا عساه أن يفعل في الملعب! ضمت فرنسا وقتها عدد ضئيلًا من لاعبي الجيل الذهبي الذي فاز بكأس العالم 1998 ويورو 2000 وهم تورام وفييرا وهنري بجانب زيدان، فلمن تكن هذه المغامرة الأخيرة لزيدان فقط، بل لما تبقى من هذا الجيل الذهبي !
نجح الديوك في عبور الدور الأول بسلام، وكانت أولى التحديات أمام الماتادور الأسباني في دور الستة عشر، غير أن زيدان بمهارة واقتدار وتهديف نجح في إقصاء الأسبان بثلاثة أهداف لهدف، ليدخل إلى المرحلة الأكثر صعوبة، سيواجه الديوك السامبا البرازيلية من جديد بعد ثمانية أعوام من نهائي باريس عام 1998.

قبل أن نتطرق إلى ما فعله زيدان في هذه المباراة لابد أن نقف قليلًا لنسترجع أعضاء السامبا ، لقد كان ضم المنتخب البرازيلي وقتها عددًا ضخمًا من النجوم فئة العيار الثقيل، مثل رونالدو الفائز بجائزة أحسن لاعب في العالم وأفضل لاعب في أوربا مرات عديدة، وكذلك رونالدينيو أحسن لاعب في العالم وقتها، وكاكا الذي سيصير أفضل لاعب بعد عامين من هذه اللحظة، بالإضافة إلى أدريانو وجونينيو وروبرتو كارلوس وكافو وروبينيو، كل هؤلاء سيواجههم زيدان في على أرضية الملعب.
سأتوقف هنا لأسرد بعض ما قيل عن زيدان في هذه المباراة ووصف به، وصفه ليزارازو قائلًا: “كان ملائكيًا في تلك المباراة، لم أر في حياتي شخصًا مثله، يراودك انطباع أنه لم يكن كائنًا بشريًا”، قيل أن البرازيلي في تلك الليلة كان يرتدي قميصًا أبيضًا ..البرازيلي في تلك الليلة كان زين الدين زيدان، بالفعل لقد فعل زيدان كل شيء يمكن فعله في تلك المباراة، استحواذ على الكرة ومراوغة للخصوم، ونقل الهجمة للثلث الأخير من الملعب، كما أنه صنع هدف الفوز من عرضيته لتيري هنري.

عاد زيدان من جديد في مباراة نصف النهائي، وأحرز هدف الفوز على البرتغال من ركلة جزاء، لقد كرر ما فعله قبل ست سنوات عندما أقصى البرتغال بنصف الطريقة ونفس الدور لكن في يورو 2000، وفي النهائي أحرز زيدان هدف التقدم لفرنسا من ركلة جزاء، ليكون أول لاعب يحرز مرتين في مباراتين نهائيتين للمونديال يفصل بينهما ثمانية سنوات، وبعد عن فرنسا يومها الكأس بعدما تفوقت إيطاليا في ركلات الترجيح من نقطة الجزاء .

نطحة زيدان..أشهر طرد في تاريخ كرة القدم

عشية نهائي كأس العالم 2006 عُين الأرجنتيني هوراسيو إليزوندو حكمًا للساحة، وسنترك له رواية ما حدث في هذا اللقاء وطرده لزيدان، والذي لن نكون مبالغين إن قولنا أنه أشهر طرد في التاريخ، فبعد 12 عامًا من النهائي شارك في حديث TED ليسرد روايته للأحداث، يقول “في إحدى اللحظات رأيت ماتيرازي مستلقياً على الأرض، على بعد حوالي ثلاثين أو أربعين متراً ، ولذا أوقفت اللعب، وبسرعة وعبر أجهزة الاتصال الداخلي سألت مساعديّ الاثنين عما حدث، والمثير للدهشة أن كلاهما رد علي ” نحن لم نر شيئًا على الإطلاق” .

سأل إليزوندو الحكم الرابع الأسباني لويس ميدينا كانتاليخو، والذي رأى كل شيء بوضوح ، لقد ضرب زيدان برأسه ماتيرازي، عندما تشاهد الفيديو لن تصدقني، يحكي إليزوندز أن مساعده الإسباني قد جعله ينفجر بشدة، وقدم إليزوندو البطاقة الحمراء وحكى : “عندما ذهبت إلى مسرح الجريمة ، كانت لدي بالفعل هذه المعلومات وعرفت أنني سأطرد زيدان”

أوضحت المقابلات التي أجريت بعد المباراة من اللاعبين –زيدان وماتيرازي- صورًا مختلفة، فقد أدعى زيدان أنه رد على السباب التي سمعه من ماتيرازي ، بينما نفى الأخير هذه التعليقات وأدعى أن زيدان كان متعجرفًا. زعمت ثلاث صحف بريطانية أنوماتيرازي قد أشار إلى والدة زيدان على أنها إرهابية وعاهرة، وهذه الشتائم لابد لها من عقوبات عن أضرار التشهير.
اعتذر زيدان في وقت لاحق لكنه ذكر أنه لم يندم على اعتداءه لأنه شعر أنه لم يستطع أن يتغاضى عن تصرفات ماتيرازي.

 

مشوار زيدان في التدريب

بدأ زيدان مشواره التدريبي كمساعد للمدير الفني لريال مدريد الإيطالي كارلو انشتيلوتي عام 2013، ثم انتقل لتدريب الفريق الثاني لريال مدريد، وفي يناير عام 2016 صار زين الدين زيدان مديرًا فنيًا للنادي الملكي بعدما كلفه بذلك رئيس النادي بيريز.
لم ينته الموسم إلا وقد وضع زيزو اللبنة الأولى في رصيد إنجازاته كمدرب، فقد نجح في أن يفوز مع الملكي بأكبر بطولة أوربية وأحب الألقاب إلى مشجعي نادي العاصمة وهو لقب دوري أبطال أووربا، بعدما تغلب على غريمه أتليتكيو مدريد في النهائي بركلات الترجيح.

في الموسم التالي عزز زيدان من رصيده عند جماهير النادي، فقد نجح في حسم لقب الدوري الأسباني (الليجا) بالإضافة إلى تكرار الفوز باللقب الغالي، لقب دوري الأبطال بعدما تغلب على يوفنتوس في المباراة النهائية.

لقد صنع زيدان موسمًا تاريخيًا فقد فاز كذلك بالسوبر الأسباني، وسافر ليحصد مع فريقه كأس العالم للأندية عام 2017 .
الفترة الثانية لزيدان في منصب المدير الفني للريال كانت بدأت في مارس 2019، ونجح زيدان ليفوز من جديد مع البلانكو بالدوري الأسباني، إلا أن هذه الفترة لم تكن كسابقتها، فلم يفلح ريال مدريد في الفوز بكأس دوري أبطال أوروبا في هذا الموسم ولا الموسمين التاليين، ليعلن زيدان في أواخر مايو عام 2021 رحيله عن ريال مدريد، النادي الذي أبدع معه لاعبًا ومدربًا، وهو الخبر التي أحزن محبي وعشاق ريال مدريد حول العالم، وعبر رئيس النادي عن آسفه على رحيل زيدان، ووصفه بأنه يُعد جزءً من النادي، كما أنه متأكد أن ريال مدريد يمثل جزءً منه .

إنزو زيدان…هل هذا الشبل من ذاك الأسد ؟

ولد إنزو في الرابع والعشرين من مارس عام 1995، وهو الابن الأكبر لزيدان، وقام زيدان بتسجيله في ناشئي النادي الملكي في موسم 2004، ونسبه إلى أمه هروبًا من الصخب الإعلامي، وانتقل إنزو في مراحل الناشئين ولعب في الفريق الرديف للنادي، وورث الصغير عن أبيه عدد من مهارات التحكم بالكرة، وكذلك كان يقلد حركة المروحة الشهيرة التي كان يقوم بها البرازيلي رونالدو.
لدى إنزو زيدان فرصة اللعب في ثلاث منتخبات، فرنسا وأسبانيا والجزائر، وقد لعب لمنتخب ناشئي أسبانيا تحت 15 عام، وفيما بعد شارك مع منتخب الشباب الفرنسي.

فيرونيك زيدان..النجمة زوجة النجم

فيرونيك زيدان هي راقصة وعارضة أزياء سابقة، وتشارك في تصميم الأزياء والمبيعات، ويفتخر كل من زين الدين وفيرونيك بزواجهما الطويل والناجح منذ ما يقرب منذ عام 1994 منذ وقعا في الحب لأول مرة عندما كانا مراهقين.
لدى النجمان زيدان وزوجته أربعة أبناء يتشاركون جميعًا في رش الماء في ملعب كرة القدم، وتحاول فيرونيك أن تبتعد عن دائرة الضوء معظم الوقت باستثناء بعض المظاهر إلى جانب زوجها خلال الأحداث الرياضية.
وبرغم من أنها ليست نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي ، إلا أنه غالبًا ما يمكن العثور على صورها من الإجازات العائلية في الملفات الشخصية لأفراد عائلتها. جذب نظامها الغذائي واللياقة البدنية مؤخرًا انتباه المصورين بعد أن تم الكشف عن أنها نباتية خلال حدث في مومباي بالهند. ومن المثير للاهتمام أنها كرهت كرة القدم في شبابها ، على الرغم من أنها طورت لاحقًا شغفًا بهذه الرياضة التي برع فيها زوجها لاعبًا ومدربًا .

 

ما الذي لم يفعله زيدان ؟

على صعيد المنتخب فاز زيدان بكأس العالم وكأس الأمم الأوربية، وعلى صعيد الأندية فاز بالدوري الأسباني مع ريال مدريد وفاز بالدوري الإيطالي مع يوفنتوس وفاز كذلك بكأس دوري أبطال أوربا، وكمدرب فاز بالدوري الأسباني وبكأس دوري أبطال أوربا وكأس العالم للأندية، فماذا الذي تبقى لزيدان ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ويجمع من البطولات ما لم يفعله أحد قبله !
ما ينقص زيدان هو تدريب المنتخب الفرنسي والفوز مع بكبرى البطولات التي فاز بها زيدان مع الديوك وهو لاعب، ينقص زيدان أن يحمل كأس الأمم الأوربية وهو يدير المنتخب الفرنسي من خارج الخطوط، كما حملها وهو يقود اللاعبين على أرضية الملعب، يحتاج زيدان أن يحمل كأس العالم لكرة القدم كمدرب بعدما حملها وهو لاعب عام 1998، وهذا في الحقيقة حلم بعيد المنال، إلا أنه لا يبعد عن زيدان اللاعب الأسطوري الذي دائمًا ما يُبهر خصومه قبل عشاقه ومحبيه !