آخر سورة البقرة مكتوبة من القرءان الكريم موضوعنا اليوم. حيث يبحث الكثير على اجهزة المحمول أو الكمبيوتر آخر سورة البقرة لقراءتها كحرز من الشيطان الرجيم.

آخر سورة البقرة مكتوبة من القرءان الكريم

﴿ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ (*) لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾
[ البقرة: 285 – 286]

التفسير الميسر: آخر آيتين من سورة البقرة

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)

صدَّق وأيقن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من ربه وحُقَّ له أن يُوقن, والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم, كل منهم صدَّق بالله رباً وإلهًا متصفًا بصفات الجلال والكمال, وأن لله ملائكة كرامًا, وأنه أنزل كتبًا, وأرسل إلى خلقه رسلا لا نؤمن -نحن المؤمنين- ببعضهم وننكر بعضهم, بل نؤمن بهم جميعًا. وقال الرسول والمؤمنون: سمعنا يا ربنا ما أوحيت به, وأطعنا في كل ذلك, نرجو أن تغفر -بفضلك- ذنوبنا, فأنت الذي ربَّيتنا بما أنعمت به علينا, وإليك -وحدك- مرجعنا ومصيرنا.

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)

دين الله يسر لا مشقة فيه, فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه, فمن فعل خيرًا نال خيرًا, ومن فعل شرّاً نال شرّاً. ربنا لا تعاقبنا إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا, أو أخطأنا في فِعْل شيء نهيتنا عن فعله, ربَّنا ولا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لهم, ربنا ولا تُحَمِّلْنَا ما لا نستطيعه من التكاليف والمصائب, وامح ذنوبنا, واستر عيوبنا, وأحسن إلينا, أنت مالك أمرنا ومدبره, فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك, وكذَّبوا نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم, واجعل العاقبة لنا عليهم في الدنيا والآخرة.

تفسير السعدي : أواخر سورة البقرة

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( 285 ) .

يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله ( وقالوا سمعنا ) ما أمرتنا به ونهيتنا ( وأطعنا ) لك في ذلك، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام، قالوا ( غفرانك ) أي: نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب، ومحو ما اتصفنا به من العيوب ( وإليك المصير ) أي: المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر.

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 286 ) .

لما نزل قوله تعالى وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ شق ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي: أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، ثم أخبر تعالى أن لكل نفس ما كسبت من الخير، وعليها ما اكتسبت من الشر، فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا تذهب حسنات العبد لغيره، وفي الإتيان بـ « كسب » في الخير الدال على أن عمل الخير يحصل للإنسان بأدنى سعي منه بل بمجرد نية القلب وأتى بـ « اكتسب » في عمل الشر للدلالة على أن عمل الشر لا يكتب على الإنسان حتى يعمله ويحصل سعيه، ولما أخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه وأن كل عامل سيجازى بعمله، وكان الإنسان عرضة للتقصير والخطأ والنسيان، وأخبر أنه لا يكلفنا إلا ما نطيق وتسعه قوتنا، أخبر عن دعاء المؤمنين بذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: قد فعلت. إجابة لهذا الدعاء، فقال ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) والفرق بينهما: أن النسيان: ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله: فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا، فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب، أو نجس، أو قد نسي نجاسة على بدنه، أو تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل مفطرا ناسيا، أو فعل محظورا من محظورات الإحرام التي ليس فيها إتلاف ناسيا، فإنه معفو عنه، وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا، وكذلك لو أخطأ فأتلف نفسا أو مالا فليس عليه إثم، وإنما الضمان مرتب على مجرد الإتلاف، وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية إذا تركها الإنسان ناسيا لم يضر. ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا ) أي: تكاليف مشقة ( كما حملته على الذين من قبلنا ) وقد فعل تعالى فإن الله خفف عن هذه الأمة في الأوامر من الطهارات وأحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) وقد فعل وله الحمد ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ) فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور، والرحمة يحصل بها صلاح الأمور ( أنت مولانا ) أي: ربنا ومليكنا وإلهنا الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا فنعمك دارة علينا متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها، فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بأن تنصرنا على القوم الكافرين، الذين كفروا بك وبرسلك، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر، والحمد لله رب العالمين. تم تفسير سورة البقرة بعون الله وتوفيقه وصلى الله على محمد وسلم.

فضل الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة


آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الاَيتين الكريمتين نفعنا الله بهما

(الحديث الأول) ـ قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير, أخبرنا شعبة عن سليمان, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «من قرأ الاَيتين» وحدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبي مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ بالاَيتين ـ من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» وقد أخرجه بقية الجماعة عن طريق سليمان بن مهران الأعمش بإسناده مثله وهو في الصحيحين من طريق الثوري, عن منصور, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن عنه به, وهو في الصحيحين أيضاً عن عبد الرحمن, عن علقمة, عن ابن مسعود, قال عبد الرحمن: ثم لقيت أبا مسعود فحدثني به, وهكذا رواه أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا شريك, عن عاصم, عن المسيب بن رافع, عن علقمة, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «من قرأ الاَيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه».
(الحديث الثاني) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسين, حدثنا شيبان, عن منصور, عن ربعي, عن خرشة بن الحر, عن المعرور بن سويد, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» قد رواه ابن مردويه من حديث الأشجعي, عن الثوري, عن منصور, عن ربعي, عن زيد بن ظبيان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش».
(الحديث الثالث) ـ قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو أسامة, حدثنا مالك بن مغول (ح) وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب, جميعاً عن عبد الله بن نمير, وألفاظهم متقاربة, قال ابن نمير: حدثنا أبي, حدثنا مالك ابن مغول عن الزبير بن عدي, عن طلحة, عن مرة, عن عبد الله, قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, انتهى به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السابعة, إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها, قال {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب, قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات.
(الحديث الرابع) قال أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرأ الاَيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من كنز تحت العرش» هذا إسناد حسن ولم يخرجوه في كتبهم.
(الحديث الخامس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي, أخبرنا مروان, أنبأنا ابن عوانة عن أبي مالك, عن ربعي, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث أوتيت هذه الاَيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش, لم يعطها أحد قبلي, ولا يعطاها أحد بعدي» ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة بنحوه.
(الحديث السادس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن نافع, أنبأنا إسماعيل بن الفضل, أخبرنا محمد بن بزيع, أخبرنا جعفر بن عون عن مالك بن مغول, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي, قال: لا أرى أحداً عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش, ورواه وكيع في تفسيره عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمير بن عمرو المخارقي, عن علي, قال: ما أرى أحداً يعقل, بلغه الإسلام, ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز تحت العرش.
(الحديث السابع) ـ قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث الصنعاني, عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة, ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان» ثم قال: هذا حديث غريب, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به وقال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
(الحديث الثامن) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين, أخبرنا الحسن بن الجهم, أخبرنا إسماعيل بن عمرو, أخبرنا ابن مريم, حدثني يوسف بن أبي الحجاج, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ سورة البقرة وآية الكرسي ضحك وقال: «إنهما من كنز الرحمن تحت العرش» وإذا قرأ {ومن يعمل سوءاً يجزبه} {وأن ليس للإنسان إلا ماسعى, وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الأوفى} استرجع واستكان.
(الحديث التاسع) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي, حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة, حدثنا محمد بن بكر, حدثنا مكي بن إبراهيم, حدثنا عبد الله بن أبي حميد, عن أبي مليح, عن معقل بن يسار, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة».
(الحديث العاشر) ـ قد تقدم في فضائل الفاتحة من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فوقه, فرفع جبريل بصره إلى السماء, فقال له: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة, لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته رواه مسلم والنسائي وهذا لفظه.
فقوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة, قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لما نزلت عليه هذه الاَية «ويحق له أن يؤمن» وقد روى الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو النضر الفقيه, حدثنا معاذ بن نجدة القرشي, حدثنا خلاد بن يحيى, حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير, عن أنس بن مالك, قال: لما نزلت هذه الاَية على النبي صلى الله عليه وسلم {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حق له أن يؤمن», ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقوله {والمؤمنون} عطف على الرسول, ثم أخبر عن الجميع فقال {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد, فرد صمد, لا إله غيره, ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء, لا يفرقون بين أحد منهم, فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير, وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم, خاتم الأنبياء والمرسلين, الذين تقوم الساعة على شريعته, ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين, وقوله {وقالوا سمعنا وأطعن} أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه, وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه, {غفرانك ربن} سؤال للمغفرة والرحمة واللطف, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قول الله {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ـ إلى قوله ـ غفرانك ربن} قال: قد غفرت لكم {وإليه المصير} أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن بيان, عن حكيم, عن جابر, قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه, فسأل {لا يكلف الله نفساً إلا وسعه} إلى آخر هذه الأية, وقوله {لا يكلف الله نفساً إلا وسعه} أي لا يكلف أحداً فوق طاقته, وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم, وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} أي هو وإن حاسب وسأل, لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه, فأما مالا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها, فهذا لا يكلف به الإنسان, وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان, وقوله {لها ما كسبت} أي من خير {وعليها ما اكتسبت} أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله, وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأن} أي إن تركنا فرضاً على جهة النسيان, أو فعلنا حراماً كذلك, أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة, قال «قال الله: نعم» ولحديث ابن عباس, قال الله «قد فعلت». وروى ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي, عن عطاء¹ قال ابن ماجه في روايته عن ابن عباس, وقال الطبراني وابن حبان, عن عطاء, عن عبيد بن عمير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم, والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن شهر, عن أم الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان, والاستكراه» قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن, فقال: أجل, أما تقرأ بذلك قرآناً {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأن}.
وقوله {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلن} أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والاَصار التي كانت عليهم, التي بعثت نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم, نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح, وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله: نعم» وعن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله قد فعلت». وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بعثت بالحنيفية السمحة».
وقوله {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به, وقد قال مكحول في قوله {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: العزبة والغلمة, رواه ابن أبي حاتم, قال الله: نعم, وفي الحديث الاَخر: قال الله: قد فعلت.
وقوله {واعف عن} أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا {واغفر لن} أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة {وارحمن} أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر, ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه, وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم, وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدم في الحديث أن الله قال: نعم, وفي الحديث الاَخر: قال الله: قد فعلت.
وقوله {أنت مولان} أي أنت ولينا وناصرنا, وعليك توكلنا, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولا حول لنا ولا قوة إلا بك, {فانصرنا على القوم الكافرين} أي الذين جحدوا دينك, وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك, وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك, فانصرنا عليهم, واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والاَخرة, قال الله: نعم. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس, قال الله: قد فعلت. وقال ابن جرير: حدثني مثنى بن إبراهيم, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذاً رضي الله عنه, كان إذا فرغ من هذه السورة {فانصرنا على القوم الكافرين} قال: آمين. ورواه وكيع عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل, عن معاذ بن جبل, أنه كان إذا ختم البقرة قال: آمين.