تعرّف على الطرق الصوفية وأشهرها في مصر
الطرق الصوفية في مصر

الطرق الصوفية هي جماعات المتصوفين الذين يتبعون في عباداتهم ورياضاتهم ومجاهداتهم، أسلوبًا واحدًا يضعه لهم شيخ من شيوخ التصوف، وتبعونه فيه، وينتسبون إليه.

الصوفي أو المتصوّف هو رجل متقشف زاهد يميل بنفسه وروحه إلى إنفاق حياته في التعبد لله وعمل الطاعات للاستزادة من رضا الله والتقرّب منه. وربما يطمح بعض المتصوفة إلى الوصول إلى حالات نفسية ووَجدِية تجعلهم يحسون بما يسمّى “الإشراق” أو “الوصول”.

يترقى المريد الموهوب في مراتب التصوف، من المريد إلى الشيخ إلى الوليّ إلى القطب. وأول من وضع تقسيمة مراتب الأولياء إلى أقطاب وأبدال ونجباء، هو ذو النون المصري، متأثرًا بنظام الكهنوت في المعابد الفرعونية.

كيف نشأت الطرق الصوفية

ظهر نوعٌ من الزهّاد المتصوّفة، لم يعتزلوا الناس ليستغرقوا في تأملاتهم وعباداتهم، وإنما انخرطوا بهم وأفادوهم فيما استطاعوا من مناحي الحياة. وهنا كان من الطبيعي أن ينشأ ينشأ من هؤلاء الزهاد أتباعٌ من المعجبين بطريقتهم في العبادة والحياة والعمل. هؤلاء الأتباع هم المريدون. ومن الشيوخ الزُهّاد والمريدين، تكونت الطرق الصوفية.

بدأت بذرة الطرق الصوفية من الزهّاد الذي لم يعتزلوا الناس
بدأت بذرة الطرق الصوفية من الزهّاد الذي لم يعتزلوا الناس

بدأ الأمر ينتظم في التزام طريقة خاصة في نظام العبادة عبر الاجتماع في مسجدٍ أو  زاوية والقيام بصلوات وتسبيحات وأوراد موحّدة، وفي أسلوب الحياة عبر اعتبار جماعة المريدية أهل طريقة واحدة متآخية ومتعاونة في التغلب على مشاكل الحياة.

مع الوقت أصبح الصوفيّ قوّةً، تنتزع تنال مقامًا وإعجابًا ورهبة في قلوب الناس، تردع الكبار وتخيف الصغار، ويقيم الحاكم ذو السُلطة لها اعتبارًا، وهكذا تضخّمت الطرق الصوفية حتى أصبح بديهيًا لأي إنسان يريد أن يأمن على نفسه وماله أن ينتسب إلى طريقة صوفية.

ومنذ القرن السادس الهجري، أصبحت لكل طريقة بيعة محدّدة وأوراد، وأزياء خاصة، وزوايا وموالد وأضرحة معينة.

أنواع الطرق الصوفية

الصوفية التقليدية

ويمكن أن نجد لها أمثلة متفرقة منذ المراحل الأولى للإسلام، منها ما جرى من بعض الصحابة الذين نزعوا إلى الزهد التام في الدنيا والتفرغ تماما للعبادات، مثل عثمان بن مطعون وسعيد بن زيد بن نفيل، ولكن لم يقرّه رسول الله عليه الصلاة والسلام على ذلك، ونصحهم بعدم الإسراف فيه.

الصوفية المجاهدة

أسسها عبد الله بن ياسين الجزولي ويحيى بن إبراهيم الجدالي في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، وصار لهم أثر كبير في الحفاظ على مساحات هائلة من العالم الإسلامي. وإليهم يرجع الفضل في إنقاذه من الحملات الصليبية والمغول، لأن رجال هذه الطرق كانوا هم القوة الضاربة المقاتلة في المعارك الكبرى مثل حطين وعين جالوت.

نماذج من رايات الطرق الصوفية أثناء الاحتفالات
نماذج من رايات الطرق الصوفية أثناء الاحتفالات

الصوفية العاملة

وهي طرق صوفية قررت الدخول في ميدان العمل العمراني المستمر، ويبدأ تاريخها من الشيخ أحمد الرفاعي (512هـ: 578هـ / 1118م:1182م) الذي عاش وعمل في عنفوان المد الصليبي، وتوفي قبل معركة حطين بخمس سنوات. وقد التزم السنّة المحمدية الواضحة وعظّم شأن الفقهاء والعلماء، ونظر إلى أتباعه ومريديه باعتبارهم عائلة واحدة يربط الحب والتعازن بين أعضائها، وهذه العائلة منذورة لخدمة أمة الإسلام والمحتاجين والضعفاء من أفرادها.

وتطوّرت الصوفية العاملة على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني (471هـ: 561هـ / 1077م: 1166م)، الذي خطا خطوة واسعة بعد الرفاعي فجعل فجعل مريديه جماعة متحدة يعمل أفرادها معًا، ويكوّنون فيما بينهم جيشًا عاملاً في خدمة الناس، وقد اشترط الجيلاني على المريد أن يكون عاملاً في شيء نافع لنفسه وللمسلمين، فانتسب للطريقة الجيلانية طوائف الحرفيين كالتجار والنجارين والحدّادين والبنّائين، حتى تكوّنت وحدات خاصة بهم داخل الطريقة، وتحولت الطريقة إلى وحدة اقتصادية اجتماعية. وهكذا صارت الطريقة الجيلانية هي الأوسع انتشارًا في العالم الإسلامي، وصار نادرًا أن يوجد شخصٌ لا ينتسب إلى طريقة صوفية.

توسّعت الصوفية بشكل غير مسبوق على يد “أبو الحسن الشاذلي” المتوفي عام (656هـ/ 1258م)، حين تحوّل بالاتجاه الصوفي من الداخل إلى الخارج، وجمع أكبر عدد من المريدين بشكل غير مسبوق، وكان يشدّد على ضرورة كسب العيش بالعمل، وعلى أن يظلّ المريد في معترك الحياة عاملاً بيده كاسبًا رزقه ومتعاونًا مع غيره. ولاحقًا تفرّعت الغالبية العظمى من الطرق الصوفية في المغرب والبلاد الأفريقية عن الشاذلية.

الصوفية الفلسفية

هو نوع من المتصوّفة يتميزون بارتفاع مستواهم الذهني وفرادة تجاربهم ورؤاهم الحياتية، بحيث يمثل كل منهم ثروةً فكرية في نفسه، لكنهم في الوقت ذاته لم يفيدوا المجتمع المسلم الأكبر بفائدةٍ واضحة. ومن مشاهير المتصوفة الفلاسفة: عبد الكريم القشيري، وابن طالب المكي، والحارث بن أسد المحاسبي، وأبو حامد الغزالي.

 

أشهر الطرق الصوفية في مصر

ترجع بذور الصوفية في مصر إلى “ذو النون المصري”، المتوفي عام 245هـ، الذي يعدّ اول من تكلم في علوم المقامات والأحوال. وبعده ببضعة قرون، ظهر عدد من الطرق الصوفية، نتناول أشهرها فيما يلي.

احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي
احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي

الطريقة الرفاعية

ظهرت الطريقة الرفاعية أولاً في العراق، ثم انتقلت لاحقًا إلى مصر. مؤسس هذه الطريقة هو الشيخ أحمد الرفاعي (512هـ : 578هـ)، وكان متصوفا متحققًا متواضعًا، يدعو إلى اتباع القرآن والسنة، ورفع الحبّ شعارًا لحياته. ولاحقًا بعد الغزو المغولي، استحدث أتباع الطريقة الرفاعية ممارسات لم يتطرق إليها الرفاعي مؤسس الطريقة، مثل جلوسهم في الأفران المتأججة وركوبهم الأسد وغير ذلك، وإن كان الرفاعي نفسه مشهورًا بترويضه للأفاعي والحيوانات.

الطريقة الجيلانية/ القادرية

ظهرت الطريقة الجيلانية أيضًا في العراق، وانتقلت إلى مصر في القرن السابع الهجري، وكان مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني صاحب رسالة كبيرة، مهتمًا بالإصلاح وتوجيه العباد، جريئًا في الحق، داعيًا أتباعه إلى التزام السنة والشريعة. وتعتمد الطريقة الجيلانية/ القادرية على الذكر الجهري الجماعي، والرياضة الشاقة للنفس والتقليل من الأكل. وتنتقل فيها المشخة بالوراثة.

الطريقة البدوية

ظهرت الطريقة البدوية في مصر، فيما بين عامي 635هـ و675هـ، وهي الفترة التي جاء فيها صاحب هذه الطريقة أحمد البدوي، إلى طنطا في مصر. ورغم أنه ولد في المغرب وهاجر إلى مكة، إلا أنه لما قدم مصر أقام بها، والتفّ حوله الأتباع من السطوحيين (نسبة إلى أحد أوصاف البدوي “السطوحي” لأنه كان يسكن فوق السطوح). واختلفت الآراء حول كون طريقته كانت ذات أهداف سياسية أم لا. وإلى الآن يقام احتفال سنوي بالمولد البدوي، الذي يعد أكبر موالد مصر.

الطريقة الشاذلية

تنتسب الطريقة الشاذلية إلى الشيخ “أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي”، (593هـ: 656هـ / 1197م: 1258م)، الذي ولد في مدينة سبتة المغربية. انتسب إلى المتصوفة في مدينة فاس، ثم ارتحل إلى تونس ودرس فقه المالكية وعلوم الأدب. واستقر في مدينة الإسكندرية بمصر مع تلميذه “أبو العباس المرسي” عام 642هـ، وأسس طريقته الكبيرة التي انتشرت انتشارًا سريعًا.

وتتفرع عن الطريقة الذاذلية فروع في مصر، منها: البكرية، والسلامية، والخواطرية، والقاوقجية، والوفائية، والحامدية، والجوهرية، والعزمية، والفيضية، والهاشمية، والسمانية، والعفيفية، والقاسمية، والعروسية، والهندوشية.

الطريقة الدسوقية/ البرهانية

تنتسب الطريقة الدسوقية إلى الإمام برهان الدين إبراهيم الدسوقي (653هـ: 696هـ)، الذي ظهر نبوغه منذ الصغر، فحفظ القرآن وتفقه على المذهب الشافعي، وبنيت له خلوة بمدينة دسوق. كانت له شطحات تجاوزت شطحات الحلاج في القول بحلول ذات الإله فيه.

وتفرعت عن الطريقة الدسوقية عدة طرق في مصر: الشهاوية، والشرنوبية، والعاشورية، والتازية.

 

أشهر الطرق الصوفية حول العالم الإسلامي

منذ نشأت الطرق الصوفية، وهي تلقى قبولاً لافتًا في كثير من ربوع العالم الإسلامي، حتى صار لكل طريقة منها زواياها وشيوخها ومريدوها ويمكننا أن نذكر بعض الأمثلة على انتشار الطرق الصوفية في عدد من البلدان.

مظاهر مختلفة من شعائر الطرق الصوفية حول العالم
مظاهر مختلفة من شعائر الطرق الصوفية حول العالم

– في المغرب، تتواجد الطرق الشاذلية والجزولية والتيجانية والدرقاوية والجبيبية والعيساوية والعزوزية.

– في الصحاري الأفريقية، تتواحد الطرق الحبيبية والحداوة.

– في الصومال وأريتريا، تتواجد الطرق القادية واليافعية.

– في الهند، تتواجد الطرق البناوية والفوقية والقادرية والأشرافية والهندية والخلوصية.

– في إيران، تتواجد الطرق الحلاقية والقلندرية والجيلانية.

– في الصين، تتواجد الطرق النقشهندية بفرعيها الخفية والكبراوية.

– في تركيا، تتواجد الطرق السيبانية والطيفورية والبسطامية.

– في أندونيسيا، تتواجد الطريقة الشاذلية بشتى فروعها.

 

المصادر

– الطرق الصوفية وأثرها في نشر الإسلام، د. حسين مؤنس، مكتبة الثقافة الدينية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م.

– الطرق الصوفية في مصر: نشأتها ونظمها وروادها، د. عامر النجار، دار المعارف، القاهرة.

– الطرق الصوفية: نشأتها وعقائدها وآثارها، د. عبد الله بن دجين السهلي، كنوز أشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، 2005م.