هو أبو سعيد عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقي؛ والي الأندلس تحت راية الدولة الأموية، يصنفه المؤرخون كأحد أعظم ولاة الأندلس، ويصفه المؤرخ الحميدي بكتابه ” جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس ” قائلا ” كان رجلا صالحا، جميل السيرة في ولايته، عدل القسمة في الغنائم ” وتزكية النصوص اللاتينية القديمة باعتباره قائد حربي بارع ذو قدرات حربية خاصة، حين تجلت قدراته العسكرية في نجاحه في الانسحاب بجيش المسلمين المهزوم في طولوشة أو تولوز، وهي رابع أكبر المدن الفرنسية بعد باريس ومارسيليا وليون، شارك عبد الرحمن في فتح الأندلس في عهد الخليفة الأموي هشام ابن عبد الملك، وتولى إمارتها بعد 4 ولاة لم يمكنهم السيطرة على نزاعات العرب و البربر، وعمل على إخماد الثورات القائمة بينهم، وتثبيت وضع البلاد الأمني، وفرض نفسه قوة كوالي قوي لا يسوف أو يماطل بشأن الثورات أو النزاعات، حتى نأمين الثغور و الحاميات المترامية الأطراف بشبه الجزيرة الإيبيرية أو أسبانيا و البرتغال أو ما عرف قديما بالأندلس، وهو الأمر الذي قاده إلى ” بلاط الشهداء ” المعركة التي خلدت اسمه عبر التاريخ.
عبد الرحمن الغافقي و معركة بلاط الشهداء
لما كانت الأندلس رقعة جغرافية عظيمة المساحة ” أسبانيا و البرتغال ” تضطرب فيها الأجداث يوميا كموج البحر، بين العرب و البربر، والمسلمون و الفرنجه ” الفرنجه سكان ألمانيا و فرنسا قديما ” ولإخفاق ولاة الأندلس الأربعة السابقين على عبد الرحمن الغافقي في السيطرة على تلك الثورات والحروب والاضطرابات، كان على القائد أن يواجه كل لك الأمور بحسم، فقضى على ثورات البربر وخلافهم مع العرب، وتوغل بعمق القارة القديمة نحو فرنسا وألمانيا حتى وصل إلى شمال إيطاليا لحماية حدود الدولة الإسلامية وثغورها وحامياتها من هجمات الفرنجة المتكررة، ليواجه الأمير الفرنسي الشاب شارل مارتل في مدينة تور جنوب غرب فرنسا، والذي تحالف مع الفرنجة و أعداء عبد الرحمن الغافقي السابقين لمواجهته عبر حرب عصابات انهكت جيش المسلمين وكشفت مؤخرته، ونتيجة أحد الأخطاء الخالدة بغزوة أحد، استطاع الفرنجة هزيمة جيش المسلمين، وهي عودة جيش المسلمين للدفاع عن غنائمهم، ومصرع القائد عبد الرحمن الغافقي أرض المعركة، بعد سبعة أيام متصلات من القتال، وانسحاب المسلمين إلى الأندلس بعد أستشهاد قائدهم.
عبد الرحمن الغافقي قبل بلاط الشهداء
دون معركة بلاط الشهداء؛ التي يعتبرها الغرب معركة فاصلة في تاريخ المسيحية، والمطرقة التي صدت زحف المسلمون نحو القارة القديمة، فإن الغافقي كان أحد أقوى ولاة الأندلس قاطبة، وأحد أقوى القواد المسلمين الذين توغلوا طويلا داخل أوروبا، دون نية حقيقية لفتحها أو غزوها، وهو ما نجح فيه عبد الرحمن الغافقي تماما حتى تحالف الفرنجه و شارل مارتل لمواجهته، بحرب لم تزحزح الإمبراطورية الإسلامية عن مكانها طوال تاريخ امتد عبر 800 عام بالأندلس، تاريخ حافل بالتحضر والتسامح والتنوع العرقي والبحث العلمي.