تعرفّ على جينيفر دودنا الحاصلة على جائزة نوبل في الكيمياء 2020

في عام 1895م، كتب ألفريد نوبل وصيته التي تقضي بتخصيص أرباح رأس ماله مشاريعه لجائزة تُمنَح باسمه. وبحسب ما جاء في نصّ وصية ألفريد نوبل، يتمّ تخصيص “جزء يُمنح للشخص الذي أنجز أهم اكتشاف أو تطوير في ميدان الكيمياء”، وأن تمنح الأكاديمية السويدية للعلوم جوائز الفيزياء والكيمياء.

في عام 2020م، قرّرت الأكاديمية السويدية للعلوم أن تمنح عالمة الميكروبيولوجيا الأمريكية “جينيفر دودنا”، جائزة نوبل في الكيمياء، على إنجازاتها في مجال التحرير الجيني عبر تقنية كريسبر CRISPR-Cas9))، وذلك مناصفةً مع الفرنسية إيمانويل شاربنتييه. فمن هي جينيفر دودنا؟ وما هي تقنية كريسبر CRISPR-Cas9))؟

من هي جينيفر دودنا؟

جينيفر دودنا (جينيفر آن دودنا: Jennifer Anne Doudna)، عالمة في الكيمياء الحيوية وباحثة رائدة في علم الجينوم، ولدت في 19 فبراير 1964، واشنطن العاصمة. حصلت دودنا على شهادة في الكيمياء عام 1985 من كلية بومونا في كاليفورنيا، ومن ثمّ التحقت بجامعة هارفارد، حيث عملت في مختبر عالِم الكيمياء الحيوية والوراثة جاك دبليو زوستاك (الحاصل على جائزة نوبل عام 2009 في علم وظائف الأعضاء أو الطب).

في عام 1989 أكملت جينيفر الدكتوراة في الكيمياء الحيوية. وفي عام 1994، وبعد دراسات ما بعد الدكتوراة في جامعة كولورادو تحت إشراف عالم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية الأمريكي توماس آر. وفي عام 2002 انتقلت إلى جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث عملت كأستاذة في الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية.

عملت دودنا في بداية حياتها المهنية على استنتاج الهياكل ثلاثية الأبعاد لجزيئات الحمض النووي الريبي، والتي ألقت نظرة ثاقبة على النشاط التحفيزي للـRNA. وفي وقت لاحق، قامت بالبحث في إمكانية التحكم في المعلومات الجينية بواسطة بعض الرناوات الصغيرة.

الإنجاز الأبرز لجينيفر دودنا

وفي عام 2012م، تمكّنت من تحقيق إنجازها الأبرز، بالتعاون مع الباحثة الفرنسية إيمانويل شاربنتييه، عبر تطبيق تقنية كريسبر CRISPR-Cas9 في التحرير الجيني، وهو ما أحدث ثورة هائلة في علم الأحياء والطب، وفتح الطريق أمام العلماء والباحثين لتغيير الحمض النووي لتصحيح العيوب الجينية في الحيوانات، وتعديل تسلسل الحمض النووي في الخلايا الجذعية الجنينية، وتعديل جينوم الخط الجرثومي (الحيوانات المنوية والبويضة) في البشر.

الباحثتان، جينيفر دودنا وإيمانويل شاربنتبيه، الحاصلتان على جائزة نوبل في الكيمياء 2020

إلى جانب ذلك، أتاحت تقنية كريسبر لتحرير الجينوم للعلماء تغيير الجينات أو إزالتها بسرعة ودقة لم يحلموا بها من قبل، وهو ما جعل المختبرات في جميع أنحاء العالم تعيد توجيه مسار برامجها البحثية لدمج هذه التقنية الجديدة.

بالإضافة إلى إنجازات جينيفر دودنا العلمية وسمعتها، فهي تعد أيضًا رائدةً في المناقشة العامة للآثار الأخلاقية وغيرها من الآثار المترتبة على تحرير الجينوم لبيولوجيا الإنسان والمجتمعات، وتدعو إلى اتباع طرق مدروسة لتطوير السياسات حول استخدام تقنية كريسبر CRISPR-Cas9.

الجوائز والأوسمة التي حصلت عليها جينيفر دودنا

حصلت جينيفر دودنا على العديد من الجوائز لاكتشافاتها، بما في ذلك جائزة اليابان (2016)، وجائزة كافلي (2018)، وجائزة LUI Che Woo Welfare Betterment (2019)، وجائزة وولف في الطب (2020). في عام 2015، كما صنفت مجلة تايم دودنا كواحدة من أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم.

بالإضافة إلى حصولها على جائزة نوبل في الكيمياء 2020، حصلت دودنا على العديد من الجوائز والأوسمة لأبحاثها، بما في ذلك جائزة Gruber في علم الوراثة (2015) وجائزة كندا Gairdner الدولية (2016) ، وجميعها بالشراكة مع إيمانويل شاربنتييه.

 

ما هي تقنية كريسبر (CRISPR-Cas9) في التحرير الجيني؟

توصّف CRISPR تسلسل الجينوم في البكتيريا، اعتمادًا على إنزيم يُسمى Cas9، يمكنه أن يقطع الحمض النووي. وجد الباحثون أنه في حالات العدوى الفيروسية تقوم البكتيريا بقطع تسلسل الجينوم الفيروسي وإدخالها في تسلسل كريسبر. يمكن للبكتيريا استخدام CRISPR-RNA الناتج وجزيء RNA إضافي لتحديد الجينوم الفيروسي إذا هاجم مرة أخرى. وهو ما يمكنها من قطع التسلسل، وإعاقة مسببات الأمراض. بهذه الطريقة، يوفر نظام CRISPR-Cas9 لجهاز المناعة البكتيري نوعًا من الذاكرة.

وبحسب ما ذكرته هايدي ليدفورد في تحقيق لها بمجلة نيتشر، “يحتاج الباحثون إلى طلب جزيء الحمض النووي الريبي فقط، أمّا بقية المكونات، فيمكن شراؤها بصورة جاهزة”. الأمر الذي يُظهر أبرز ميزات كريسبر باعتبارها رخيصة التكلفة، وسهلة الاستعمال، وهو ما جعلها “تجتاح مختبَرات العالم كالإعصار”.

الباحثة جينيفر دودنا، ومخطط يوضح استخدام CRISPR-Cas لتشخيص وجود مسببات الأمراض الفيروسية
الباحثة جينيفر دودنا، ومخطط يوضح استخدام CRISPR-Cas9 لتشخيص وجود مسببات الأمراض الفيروسية

خطورة تقنية كريسبر إلى جانب ذلك، أنها تتيح للباحثين تغيير الحمض النووي لأيّ كائن حي بسرعة فائقة، بما في ذلك البشر. ويعمل العديد من العلماء حول العالم بإلقاء نظرة فاحصة على CRISPR-Cas9 بغرض تطويرها بشكل أكبر، لكنهم يستخدمونها بشكل أساسي كأداة لدراسة الجينات؛ نظرًا لكونها أكثر دقة وكفاءة وفعالية من حيث التكلفة من الطرق السابقة.

وحتى الآن، نجحت جميع التجارب التي شملت الخلايا النباتية والحيوانية والبشرية. وبالتالي، فإن تقنية CRISPR-Cas9 لديها القدرة على مجموعة متنوعة للغاية من التطبيقات مثل: تربية النباتات وتربية فئران المختبر المعدلة وراثيًا، وصولاً إلى توفير علاجات للعديد من الأمراض. كما يمكن للأطباء استخدامه لتصحيح الطفرات وعلاج الأمراض الوراثية، فضلاً عن أنه يتم استخدامه بالفعل في أبحاث فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا.

 

الإشكاليات الأخلاقية لتقنية كريسبر

على الرغم من أن تقنية CRISPR-Cas9 أكثر دقة بكثير من التقنيات الأخرى، إلا أنها لا تزال ترتكب أخطاءً وتقطع الجينوم أحيانًا في المكان الخطأ.

يضاف إلى ذلك القضايا الأخلاقية التي يمكن أن يثيرها استخدام تقنية كريسبرCRISPR-Cas9 ، فعلى سبيل المثال قام باحثون صينيون بتعديل الجينات في الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، ومع ذا لم تتمكن الأجنة من البقاء على قيد الحياة، ما يعني أن المجتمع وصانعي السياسات بحاجة ماسة إلى إملاء ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به من هذه التجارب؛ ولذم لتفادي إساءة استخدام الإمكانات الهائلة لمقص الحمض النووي لإنشاء أطفال مصممين جينيًا بشكل محدّد.

وهو ما تؤكده إيمانويل شاربنتييه الحاصلة على جائزة نوبل في الكيمياء 2020: “يمكن أن تقدم تقنية CRISPR-Cas9 فوائد ضخمة للبشرية، ولكننا بالطبع نحتاج إلى التعامل معها بمسؤولية. إن التدخلات في السلالة الجينية البشرية، التي من شأنها أن تؤثر على جينوم الأجيال القادمة، هي أمر أرفض القيام به أنا ومعظم زملائي”.

في أوائل عام 2015، قامت جينيفر دودنا، الحاصلة على جائزة نوبل في الكيمياء مناصفةً مع شاربنتييه، بتنظيم فعاليات تدعو إلى وقف تعديل الجينوم البشري، وفي أبريل من العام ذاته وضعت هي وزملاؤها إطارًا لاتخاذ إجراءات فورية لحماية جينومات الأجنة البشرية من التعديل.

 

المصادر

– تقنية “كريسبر”.. طفرة ثورية في الهندسة الوراثية. على الرابط: Https://Arabicedition.Nature.Com/Journal/2015/08/522020a

– Emmanuelle Charpentier: An Artist In Gene Editing، على الرابط: Https://Www.Mpg.De/10729312/Emmanuelle-Charpentier

– Jennifer A. Doudna، على الرابط: https://chemistry.berkeley.edu/faculty/chem/doudna

– Jennifer Doudna، على الرابط: https://www.britannica.com/biography/Jennifer-Doudna