تصنيفات النظم السياسية (1)
تصنيفات النظم السياسية (1)

تعتبر النظم السياسية أحد فروع البحث في علم السياسة. وهناك عدة طرق لتصنيف النظم السياسية، منها ما يركز على (معيار العدد) أي عدد الأشخاص المسؤولين عن الحكم، هل هي بيد شخص وحيد يدير مقاليد الحكم كله، أم عدد محدود من الأشخاص، أم مجموعة كبييرة من الأشخاص؟ وهناك تصنيف آخر مرتبط بشكل الحكومة، أي طبيعة شكل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهناك تصنيف يرتبط بالشرعية التي تعتمد عليها القيادة السياسية والذي طرحه ماكس فيبر، هل هو مرتبط بالتقاليد أم بالكاريزما أم العقلانية؟ أو ربما يكون التصنيف وفق النظام الحزبي، وهو ما سنحاول التطرق له في هذا المقال.

 

تطور تصنيف النظم السياسية

قضية المقارنة بين نظم الحكم المختلفة هي مسألة قديمة منذ آلاف السنين، ويعد أرسطو من أوائل من تعرّض لتصنيف الحكومات في كتابه “السياسة”، وبحث عن أفضل النظم للحكم من أجل تحقيق سعادة الإنسان[1]. جاء بعده ميكافيللي ومونتسيكو، ومع التغيرات التي وقعت في النظم السياسية عبر العصر ظهرت دولة المدينة City State، ثم الأنظمة الملكية والجمهورية، فالنظم الإقطاعية وغيرها من النظم، إلى أن حدثت التحولات الجذرية في أعقاب الثورة الفرنسية وظهرت النظم الجمهورية والدولة القومية.

 

مع التطورات الهائلة في القرنين الماضيين على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية صارت عملية التصنيف عملية معقدة[2]، وصاحب ذلك ظهور مفاهيم وأدوات منهجية جديدة تداخلت فيها علوم أخرى مثل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، لتفرز عددًا من التصنيفات المتعددة للنظم السياسية المعاصرة.

 

التصنيف وفق معيار العَدد [3]

تبنّى التصنيف اليوناني القديم للحكومات على التقسيم بين كل من: حكم الفرد، وحكم القلة، وحكم الكثرة. ويندرج تحت كل تقسيم أكثر من نمط، يمكن أن نوضحه كما يلي[4]:

 

حكم الفرد:

  • الموناركية (Monarchy): حكم الملك الذي يستند إلى الوراثة أو البيعة أو غيرهما مما يخلع على الحكام صفة الشرعية.
  • الاستبداد (Despotism): وتعني حكم الفرد المستبد الذي يرتكز في حكمه على القوة والبطش بمعارضيه.
  • الديكتاتورية (Dictatorship): وتعني تسلط الفرد على الحكم في ظروف عارضة.

 

حكم القلة:

النظم السياسية
حكم الأقلية
  • الإقطاع (Feudalism): وهو سيطرة النبلاء على المقاطعات مستقلين عن السلطة المركزية.
  • الأرستقراطية (Aristocracy): وتعني سيطرة فئة معينة بحكم ما تتمتع به من مكانة غالبًا ما تكون عبر الوراثة.
  • الثيوقراطية (theocracy): وتعني سيطرة رجال الكهنوت.
  • الأوليجارشية (Oligarchy): وتعني سيطرة القلة التي تستند في ذلك إلى المكانة الموروثة أو إلى الثراء أو إلى الموهبة أو إلى النفوذ.

 

حكم الكثرة:

  • الديمقراطية (Democracy): وتعني حكم وسيطرة السواد الأعظم.
  • الأناركية (Anarchy): وتعني الفوضوية؛ أي رفض السواد الأعظم لامتثال أي قرار.

 

ولو نظرنا إلى الصور السابقة نجد أنه يمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام، وهي:

طرق أوتوقراطية:

أي طرق لا يشترك المحكومون فيها في اختيار الحكام، وإنما يعيّن الحاكم نفسه بنفسه، وهو ما يُظهر قوة الحاكم وضعف المحكومين. ويلجأ الحكام إلى عدة وسائل لتكريس هذا النوع من الحكم، منه اللجوء إلى العنف لحماية سلطته، ومنه التوريث، أي تكون سدة الحكم محصورة في أبناء عائلة معينة دون غيرها.

 

طرق ديمقراطية:

هي كلمة معناها “حكم الشعب”، أو حكم الشعب للشعب، ولكن هذا المعنى بهذه الصورة غير ممكن، أن يحكم عدد كبير من الناس، ولذلك جاءت فكرة الديمقراطية التمثيلية، أن يختار الشعب من يمثله وينوبه، أو ما يُسمى الديمقراطية غير المباشرة. وفي المقابل هناك فرصة لأن يشارك جموع الشعب في اختيار ما عن طريق الاستفتاءات الشعبية.

 

طرق مختلطة:

قد يجتمع في النظام الواحد كل من الديمقراطية والأوتوقراطية، كأن يكون الحكم وراثي، مع وجود برلمان منتخب، أو يتواجد غرفتان للبرلمان، الأول بالتعيين، والآخر بالانتخاب.

 

التصنيف وفق مبدأ الفصل بين السلطات

المقصود بالسلطات الثلاث، هي السلطات التشريعية (تصنع القوانين)، والتنفيذية (تطيق القوانين)، والقضائية (الفصل في النزاعات وفقًا للقوانين)، وتعتبر قضية الفصل بين السلطات من أهم القضايا في النظم الديمقراطية، فمن المهم أن تؤدي كل سلطة دورها بفاعلية دون أن تتعدى على السلطتين الأخريين. ومن البديهي أن اجتماع أكثر من سلطة في قبضة شخص أو هيئة واحدة سيؤدي إلى الفساد عاجلًا أو آجلًا، ويعد المفكر الفرنسي مونتسكيو بمثابة الأب الروحي لنظرية الفصل بين السلطات التي عرضها في كتابه الشهير “روح الشرائع”.[5]

 

لا خلاف بين النظم المختلفة على استقلال السلطة القضائية التي تفصل في النزاعات والخلافات التي تنشأ بين الأفراد وبعضهم البعض، أو بين الأفراد والهيئات الحكومية، أو حتى بين الهيئات المختلفة، أو في مدى دستورية القوانين، إلا أن موضع الاختلاف هو العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هل هما مندمجتان أو منفصلتان، أم وسط بين الدمج التام والفصل التام؟ وبناءً على هذه الصور الثلاث، يصبح لدينا ثلاثة أنماط[6]:

 

النظام البرلماني (الدمج بين السلطتين)

النظام البرلماني
أحد البرلمانات

يسعى هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عن طريق الدمج، أي أنّ الأشخاص يجمعون بين سلطة التشريع وسلطة التنفيذ، ويتّسم هذا النظام بالسمات الآتية:

 

  • يوجد رئيسان للسلطة التنفيذية، أحدهما لا يتمتع بسلطات فعلية، سواءً كان ملكًا كما في النظام البريطاني، أو رئيسًا كما في ألمانيا وإيطاليا وإسرائيل، أما الرئيس الآخر فهو رئيس الوزراء؛ الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية.
  • عادة ما يكون رئيس الوزراء والوزراء أعضاء في البرلمان، فيتم انتخابهم أولًا في البرلمان ثم اختيارهم وزراء في الحكومة، وبالتالي فغالبًا ما يخسر الوزير منصبه حال خسارته في الانتخابات.
  • تكون الوزارة (رئيس الوزراء والوزراء) مسؤولة أمام البرلمان، وللبرلمان الحق في سحب الثقة من وزير بمفرده أو التشكيل الوزراي بأكمله.
  • يحق للسلطة التنفيذية حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في حالة عدم الاتفاق بين السلطتين، أو عدم وجود ائتلاف حاكم يمكنه تشكيل حكومة، ويُمنح هذا الحق غالبًا لرئيس الوزراء أو الرئيس الأعلى (الملك أو رئيس الجمهورية) بناءً على طلب رئيس الحكومة.
  • يتحقق التوازن بين السلطتين عن طريق حق البرلمان في محاسبة الوزراء ورئيسهم من خلال الأدوات البرلمانية (السؤال، الاستجواب، سحب الثقة)، وفي المقابل يحق للسطلة التنفيذية حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
  • يتحقق الدمج من خلال عضوية أعضاء الحكومة في البرلمان ومشاركتهم في طرح القوانين كي يوافق عليها البرلمان، أي أن السلطة التنفيذية تساعد في التشريع.

ويعتبر النظام البريطاني هو النموذج الأمثل للنظام البرلماني.

 

النظام الرئاسي (الفصل بين السلطتين)

يتحقق مبدأ التوازن بين السلطات في هذا النظام عن طريق الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث تتولى الأولى صنع القوانين وحدها دون تدخل من السطلة التنفيذية، فيما تنحصر سلطة الأخيرة في تطبيق القوانين دون تدخل من الهيئة التشريعية، وأبرز هذه السمات ما يلي:

 

  • يوجد رئيس واحد للسلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية، ويختار الوزراء ورئيسهم، إن وجد رئيس وزراء من الأصل.
  • يُنتخب رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية) من قبل الشعب مباشرة، ولا يمكن للبرلمان مساءلته.
  • يتمتع البرلمان بسلطة التشريع دون تدخل من السلطة التنفيذية، ولا يمكن أن يكون الوزراء أعضاء في البرلمان، إلا أن يقدّموا استقالتهم.
  • لا يحق للبرلمان سحب الثقة من الرئيس، وفي المقابل لا يحق للرئيس حل البرلمان.

ويعتبر النظام المصري هو النموذج الأمثل للنظام الرئاسي.

 

النظام شبه الرئاسي (التوازن بين الفصل والدمج)

يُعد هذا النمط وسطًا بين سمات كل من النظم البرلمانية والنظم الرئاسية، فهي تأخذ من النظم البرلمانية وجود رئيسين للسلطة التنفيذية، ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان وبالتالي حق الأخيرة في سحب الثقة من الحكومة، وحق السلطة التنفيذية في حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ومن ناحية أخرى تأخذ من النظم الرئاسية وجود رئيس جمهورية منتخب يتمتع باختصاصات فعلية وهو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية، وتتمثل أهم سمات هذا النمط فيما يلي:

 

  • يوجد رئيسان للسلطة التنفيذية، الأول رئيس الجمهورية المنتخب ويتمتع باختصاصات فعلية، والثاني رئيس الوزراء وهو غالبًا زعيم الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان.
  • رئيس الوزراء والوزراء مسئولون أمام البرلمان.
  • يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة في حال الخلاف بين الحكومة والبرلمان.
  • في حال انتماء رئيس الجمهورية إلى نفس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، فغالبًا ما يسيطر الرئيس على السلطة التنفيذية وأغلبية برلمانية تُسهل من عملية إمرار القوانين. وفي حال اختلاف الحزبين يتقاسم كل من الرئيس ورئيس الوزراء السلطة، وأحيانًا تكون قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية لرئيس الجمهورية، والقضايا الداخلة لرئيس الوزراء.

ويعتبر النظام الفرنسي هو النموذج الأمثل للنظام شبه الرئاسي.

 

هوامش ومصادر

[1] مرتضى شنشول ساهي، النظم السياسية في الفكر السياسي عند أرسطو، المجلة السياسية والدولية، العددين 33-34، 2016، صـ203، متاح عبر الرابط: https://www.iasj.net/iasj/article/128554

[2] عبد القادر عبد العالي، محاضرات النظم السياسية المقارنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة سعيدة مولاي الطاهر،

[3] محمد طه بدوي وليلى أمين مرسي، مقدمة في العلوم السياسية، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الأسكندرية، صـ173

[4] المرجع السابق، صـ

[5] طه حميد العنبكي، النظم السياسية والدستورية المعاصرة: أسسها وتطبيقاتها، مركز حمورابي، صـ253.

[6] محمد صفي الدين خربوش، مقدمة في النظم السياسية، معهد البحوث والدراسات العربية، صـ صـ 31 33.