لتنتقي أفضل ماقاله الشعراء في المملكة العربية السعودية ينبغي أن تقرأ الكثير والكثير في دواوين الشعر القديم والحديث،حتى فيمن لم يحالفهم الحظ في نشر قصائدهم فبإمكانك فقط سماعها في المحافل، ولكن تلك مقتطفات بسيطة من أشهر مايتناقله القراء والمحبون، يعبر فيها أصحابها بمكنون مشاعرهم، لتلك المملكة العظيمة، والتي لها تاريخ عريق، وأصالة فريدة وحاضر مميز، كما أن بها أولى القبلتين، والتي يتجه إليها الناس من كل حدب وصوب، خاشعين لله في كل صلاة، كما يتجهون إليها قاصدين البيت لآداء مناسك الحج في شهر ذي الحجة من كل عام، منذ أن بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام بمساعدة ابنه اسماعيل، وهي البلد التي احتضنت أفضل الخلق سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، كما أنها البلد التي احتضن ترابها الكثير من الرسل والأولياء والصالحين.
يقول الشاعر على عبد الله الحازمي:ـ
دعوني فقد هامَ الفؤادُ بحبِّهِ … وما منيتي إلا الحياةُ بقربهِ
فليسَ لهُ بينَ البلادِ مُشابهٌ … وكلُّ بني الإسلامِ تحدُو لِصوبهِ.
ومعروفُه عمَّ البلادَ جميعها … وطافَ نواحي الكونِ ماحٍ لكَربهِ
يا وطني نفدي ترابَك أنفسٌ … تجودُ بلا خوفِ المماتِ وخطبهِ.
جمالٌ بهِ في السَّهلِ أو بجبالهِ … وسحرٌ لرمْلٍ لامعٍ فوقَ كُثبهِ
ووحَّدهُ عبدالعزيزِ بِجُهدِهِ … وجُندٍ لهُ شقُّوا الطريقَ لدربهِ
شمالٌ غدا جزءً لبعضِ جنوبه … وآلفَ شرقاً قد تناءى وغربهِ
وأبناؤهُ ساروا بنهجِ أبيهِمُ … فصان من أيدٍ تهاوتْ لحربهِ
وصرْناَ نفوقُ الغيرَ فيه تقدماً … وجزْنا بهِ الجوزاءَ في ظلِّ ركبهِ
بهِ قبلةُ الدنيا بمكةَ بوركتْ … وقدْ شعَّ نورُ الحقِّ من فوقِ تُربهِ
كذا طَيْبَةٌ طابتْ بِطِيبِ نبيِّنا … وآلٍ كرامٍ واستنارتْ بصحبهِ
وفيهِ رياضُ الحُسنِ تبدو بحسنها … تَطوُّرها فاقَ الجميعَ بوَثبهِ
ومملكتي فيهِ تُطِلُّ بِدِلِّهاَ … وحلَّق فيها الحسنُ زاهٍ بثوبهِ
لنا ملكٌ قادَ البلادَ بحكمةٍ … تَرَقَّى بنا للمجدِ غايةَ دَأبهِ
تَزِينُ وزادتْ رِفعةً وتألقا … وفيهِ تَسَامتْ واستطابتْ لِطيبهِ
مليكٌ لهُ في القلبِ أوسعُ منزلِ … هو الوالدُ المحبوبُ مِنْ كُلِّ شعبهِ
ويسعى إلى العلياءِ دوماً شعارهُ … فلا خابَ منْ يسعى ويُرضِي لِربهِ
فيا ربِّ باركهُ وباركْ جهودَهُ … ويسِّرْ عسيرِ الأمرِ سهِّلْ لِصعبهِ
ويتغنى بجمال المملكة وعظمتها الشاعر حمود بن عبد الله بن محمد الغانم فيقول:ـ
يا سائـلاً عن موطـني وبـلادي
ومفتـشـًا عـن مـوطـن الأجداد
وطنـي به البيت الحرام وطيبـة
وبه رسـول الحـق خيـر منـادي
وطنـي به الشـرع المطهر حاكم
بالـحــق يـنـهـي ثـــورة الأحـقـاد
وطني عـزيـز فـيـه كـل مـحـبــة
تعلو وتـسـمـو فـوق كـل سـواد
وطني يسير الخير في أرجـائـه
ويـعــم رغــم براثــن الحــسـاد
قوم بغوا وتـجـبروا في أرضنـا
ورموا بسهم الموت قلب بلادي
لكـنها رغــم المصـاعـب هامة
تعلو بدعـوة معشر العباد
مستمسكين بـدينـهم وتـوجـهـوا
لله ذي الإكرام والأمـــجــاد
أن يحفظ الشعب الكريم وأرضه
ويـديــم أمـن الـديـن والأجـســاد
ويـرد كـيــد الكـائـديـن بـنحـرهـم
ويـعـيـد من ضلوا لنهـج الهـادي
كما تغنى أمير المملكة خالد الفيصل منشداً شعراً بها قائلاً:ـ
أنا السّعودي رايتي رمز الإسلام
وأنا العرب واصل العروبة بلادي
وأنا سليل المجد من بدأ الأيام
الناس تشهد لي ويشهد جهادي
دستوري القرآن قانون ونظام
وسنة نبي الله لنا خير هادي
امشي على الدنيا وأنا رافع الهام
وافخر على العالم وأنا اجْني حصادي
إذا تأخّر بعضهم رحت قدّام
وإذا توارى خايفٍ قمت بادي
إن جيت ساحات الوغَى صرت قدّام
وان صرت بلْحالي فلانيب عادَي
واظهر على غيري إذا صرت بزْحام
عقيد قومٍ بالطّبيعة ريادي
والأمير خالد الفيصل هو الآن مستشار ملك المملكة العربية السعودية ( سلمان بن عبد العزيز آل سعود )، وأمير مكة المكرمة، كما أنه يتولى أيضاً منصب رئيس اللجنة المركزية للحج.
وقد كتب الشاعر مصطفى بليلة، تلك القصيدة الجميلة والتي غناها طلال مداح والتي يقول فيها:ـ
روحي وما مـلكت يداي فداه * وطني الحبيب ، وهل أحب سواه
وطني الذي قد عشت تحت سمائه * وهو الذي قد عشت فوق رباه
منذ الطـفـولـة قد عـشــقت ربوعه * إني أحــب ســــهولـه ورباه
وطني الحبيب وأنت مـوئل عــزة * ومنار إشــعــاع أضاء ســــــناه
في كل لمحة بارق أدعــــــو لــه * في ظــــل حام عـطـرت ذكـــراه
فِي موطني بزغـــت نجوم نبــيه * والمخلصون استشهدوا في حماه
في ظل أرضك قد ترعرع أحمـد * ومشــــى مـنـيـبـا داعـــيـا مـولاه
يدعو إلى الدين الحنيف بهـديـه * زال الـظـــلام وعــززت دعـــواه
في مكة حـــرم الهدى وبطـيـبة * بيت الرســـــــول ونوره وهداه
وقد أنشد الأمير بدر عبد المحسن فيها قائلاً
لا والذي فضل على الخلق الإنسان
وفضل على الإنسان أحمد نبيه
ما قد حوت هالأرض رحمة وإيمان
كثرك ولا روح ونفس أبيه
أرض معالمها حديث وقرآن
ما هي سراب ولا ظما مهمهيه
يا سائل عما تمثله الاوطان
وليه الوطن حقه كبير عليه
ترا الوطن ماهوب ربع وجيران
ولا هو عنواينك ولا هو الهوية
هذا الذي له موضع بين الاجفان
والقلب مشكاة المصابيح ضيه
أنا السعودي صح ترا الناس صقهان
عن كل لفظ فيه فخر وحمية
أنا لهيب المجد والناس دخان
شربي سحاب وشرب غيري البقيه
رص البيارق من طريف لنجران
وخل السريه تزدحم بالسريه
والله مالك غير هالبيد خلان
ومالك سوى هاليوم هم وقضية
لا تستمع لفلان وفلان وفلان
واستفت قلبك تحت رب البرية
حنا هل التوحيد للمجد عنوان
اصل الشرف والدين واليعربيه
لا والذي فضل على الخلق الإنسان
وفضل على الإنسان أحمد نبيه
ما قد حوت هالأرض رحمه وإيمان
كثرك ولا روح ونفس أبيه
في كفنا تطرب وتلعب بالارسان
خيل لها العليا حياة ومنيه
شتان بين العز والذل شتان
العز مايوخذ ويعطى هدية
أما كسبها العدل والسيف شامان
ما يكسبه صبرا ولا طيب نيه
وفي تلك القصائد حاول كل شاعر التعبير عن مشاعره وحبه للمملكة وعظمتها بما يمتلك من مفردات وألفاظ وتراكيب بلاغية جميلة تصل القلوب، وأيضاً بطابع بيئته التي يعيش فيها، والتي بلاشك وضعت لكل قصيدة ملمحاً خاصاً عن الأخرى، وأضفت لكل منها حساً ذوقياً فريداً.
هذا وقد عملت تلك القصائد التي كتبها القدامي والمعاصرين وستعمل على حفظ تاريخ الأمة، حيث يذكر كل شاعر موقف عاصره وحدث شهدته المملكة سواء أكان ذلك الحدث يشهد بعطمتها أو حدث عصيباً مر عليها، كما حدث في جائحة كورونا والتي نحن بصددها الآن، والتي نظم فيها الشاعر السعودي المقدم مشعل بن محماس الحارسي قصيدته قائلاً:ـ
تبي تزول الجايحة يا وطنّا
بأمر الولي والشر مبعد ومنزاح
حبك سكنّا لا تحسبك سكنّا
عساك طيب يا وطنّا ومرتاح
صكّت على البلدان منّا ومنّا
جرثومةٍ ما هي بمخلاب وجناح
ولا هي بسيف ولا برمح مطنّا
خلت صروح العالم الأول أشباح
وما دام بالله العوين استعنّا
أبشر بنصره يا وطنّا والأرباح
حنّا صليب الرأس والرأي منّا
وإلنا على كوكب هل الأرض مصباح
من لامنا في دارنا ما شحنّا
دار الملوك مروية علط الأرماح
اللي بهم جزل القصيد ايتغنّا
هم والله اللي يستحقون الامداح
امدح مليك العُرب زبن المجنّا
أبو فهد سلمان في ليل وإصباح
ما قول والله ما تخليت عنّا
والله ما خليت في دارك جراح
ولاّ العدو اللي يبي يمتحنّا تنوخه برجال وأموال وسلاح
هذا:ـ
ولم يقتصر امتداح المملكة العربية السعودية والتغني بعظمتها على الشعراء السعوديين فحسب بل شمل ذلك شعراء من جميع بلدان العالم ومن مختلف الجنسيات، وذلك لما له من مكانة عظيمة في في شتى نواحي الحياة الإسلامية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها، فهى تحتل باقتصادها مرتبة عالية بين بقية الدول العربية، وذلك حيث أنها أكبر مصدر للبترول في العالم، كما أن موقعها المتميز بين الخليج والبحر الأحمر،جعها قوية استراتيجياً، هذا بالإضافة لأنها تحوي الكعبة المشرفة، قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتوافد إليها الحجاج أفواجاً كل عام، متحملين مشقة وعناء وتكاليف السفر، وترك أوطانهم بغية لقاء الله وزيارة بيته الحرام، الذي من حج إليه أو اعتمر خرج من ذنوبه، ومحيث عنه وعاد كيوم ولدته أمه، مادامت نيته خالصة لله، ألايفعل مايغضبه أبدا.
لذا كان للمملكة أثراً عميقاً في نفوس الكثيرين، والذين ربما لايستطيعون أن يبوحوا بمكنون نفوسهم، ومدى حبهم وتعلقهم بالمملكة، وتمنيهم أن لو يكونوا من سكانها.
فالشعراء هم أقلية استطاعوا بما وهبهم الله من ملكة إبداعية أن يوظفوها في خدمة بلادهم، وحبها، بما يمتلكون من معان لغوية وتراكيب إبداعية فريدة.