تحظى الأسماء الحسنى بمكانةٍ خاصة؛ لأنها الأسماء التي أطلقها الله تعالى على ذاته العليّة، وورد ذكرها في القرآن الكريم أو على لسان النبي الكريم. وقد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180]. وقال رسوله الكريم (إن لله تسعة وتسعين اسمًا؛ من أحصاها دخل الجنة). في هذا المقال نستعرض اسم الله (السلام)، ونتعرّف على معناه وآثاره وشواهده في الخلق والوجود، وكيف نتعبّد به في وجداننا وحياتنا وأدعيتنا.
معنى اسم الله السلام
السلام هو الذي سلم من العيوب والنقائص ومن مشابهته لمخلوقاته لكماله وكمال صفاته وأفعاله، الناشر سلامه على خَلقه يؤمّنهم وحده.
والسلام هو الخالص بانفراده بالوحدانية دون كل شيء، وبكونه مصدر السلام والأمان، وليس في الوجود سلامة أو سلام إلا منسوب إليه وصادر عنه جل جلاله.
والسلام هو الذي سلِم من عذابه مَن لا يستحقه، وسلم أولياؤه من عقوبته، وسلِم من يشاء له من خلقه من المكاره والشدائد.
والسلام هو المسلّم على أنبيائه وأوليائه وأصفيائه في الدنيا والآخرة، فيسلمون من كل ما يخيف.
والسلام هو البريء الذي سلمت ذاته عن العيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عما لا يليق بكماله وجلاله. السالم من كل العيوب، والبريء من كل آفة. أو هو الأمان لخلقه الذي تطمئن بذكره القلوب، ويأمن العبد جانبه، المُسلّم عباده من المعاطب والمهالك.
ورد اسم الله (السلام) في القرآن في موضع واحد فقط، في قوله تعالي (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ) [الحشر: 23]. وورد في الحديث النبوي “اللهمّ أنتَ السلام ومنك السلام؛ تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام”.
ترجمة اسم الله السلام
في الإنجليزية: Al Salam = The CONSUMATE.
وفي الفرنسية: Le Sauveur أو Le Paix أو Le Salut.
شواهد اسم السلام من حولنا
كلّ ما حولنا يجسّد شواهد اسم الله السلام في حياتنا ووجودنا؛ بدءًا من الآليات والتفاعلات التي وضعها الله تعالي في أجسامنا كي تتعافى كلّما أصابها مرضٌ أو كسرٌ أو آفة، ليتمّ هذا وفق نظامٍ مطّرد متكرّر، ومرورًا بالقوانين الطبيعية التي يحفظها الله لتسلم لنا أنشطتنا اليومية العادية من مشي ونوم وحركة وسكون، وبالقوانين الطبيعية في فصائل الكائنات التي تسلّم أنواعها وتبقيها في مواسم الهجرات والتزاوج وفي الحياة اليومية العادية، ووصولاً إلى الآليات والتفاعلات التي قدّرها الله للظواهر الطبيعية ومكوّناتها من حولنا، بحيث يحفظ الله هذا الوجود ويسلّمه لنا رغم محاولات الإفساد والإهمال البشرية التي لا تنتهي.
بل إنّ الله تعالى سلّم هذا الكون ووجودنا فيه من وجود شرٍ مطلقٍ فيه؛ وإنما كل ما يمكن أن تعتبره طبيعتنا الإنسانية شرًا فهو موجود من أجل الخير الباقي ومصلحة الإنسان في الخلود. ناهيك عن أنّ هناك شرورًا لا يعلم البشر عنها شيئًا، ويسلّمهم الله منها.
التعبّد لله باسمه السلام
قال العلماء: “إن التعبّد بأسماء الله الحسنى وصفاته هو جنة الدنيا، التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة”. إن بإمكاننا أن نجد وسائل متنوّعة للتعبّد لله تعالى باسمه السلام، من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
- أن نستجيب لأمر الله تعالى الذي يحب أسماءه الحسنى؛ فندعوه باسمه السلام، ونبتهل إليه به في ثنائنا عليه.
- أن نتضرّع إلى الله بطلب السلامة في الدنيا وفي الآخرة، سلامةً ظاهرةً وباطنةً.
- أن نسعى إلى كسب رضا “السلام” لنبقى في حالة الأمن والاطمئنان، والسعي إلى الوصول إلى منزلة “قلب سليم” بكثرة الذكر والدعاء والعمل الصالح، والبعد عن اللهو واللغو.
- أن يسلَم الخلقُ من أذى لساننا وجوارحنا.
- أن نفشي السلام بيننا؛ ففي الحديث “السّلام اسم من أسماء الله؛ فأفشوه بينكم”.
- أن نسمّي أبنائنا أو نقترح التسمية باسم “عبد السلام”.
مصادر للاستزادة
- أسماء الله الحسنى، محمد متولي الشعراوي، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، 1993م.
- أسماء الله الحسنى والآيات الكريمة الواردة فيها، حسنين محمد مخلوف، جمعية آل البيت للتراث والعلوم الشرعية، فلسطين.
- أسماء الله الحسنى: جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسنة، ماهر مقدم، مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، 2014م.
- أسماء الله الحسنى ومرادفاتها وتأويلاتها باللغتين العربية والإنجليزية، محمد عبد المجيد الزميتي، مكتبة الآداب، القاهرة، 1998م.
- ترجمة أسماء الله الحسنى إلى الفرنسية بين الدلالة المعجمية والسياق القرآني: سورة الحشر نموذجًا، عبد الحفيظ طيبي، جامعة منتوري قسنطينة، 2009م.
- أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم: أثارها الوجدانية والسلوكية، عبد الحميد راجح الكردي، دار المأمون للنشر والتوزيع، الأردن، 2006م.
- المختصر في أسماء الله الحسنى والآثار المسلكية للإيمان بها، د. بندر بن نافع العبدلي، نسخة رقمية، 2020م.
- أسماء الله الحسنى، د. محمد راتب النابلسي.