مصطفى محمود ورحلة المكابدة بين العلم والإيمان

تتذكّر الأجيال المتوسّطة في مصر، إطلالة الدكتور مصطفى محمود ليلة الإثنين من كل أسبوع، بعد الموسيقى المميزّة لمقدّمة برنامجه الشهير “العلم والإيمان”، وتحيّته الأثيرة “يا أهلاً بيكم”. لم يكن هذا البرنامج وحده هو ما أسهم به مصطفى محمود لإثراء الحياة الثقافية والفكرية في تلك الآونة. بل انضمّت إليه مؤلفاته ومقالاته الكثيرة والمتنوّعة، ومعاركه الفكرية والجدل الواسع الذي صاحبها.

في هذا الموضوع، نتعرّف بإيجاز على الدكتور مصطفى محمود، وسيرته الحياتية والفكرية، وأبرز إنتاجاته الفنية والأدبية.

مصطفى محمود سيرة موجزة

اسمه بالكامل: مصطفى كمال محمود حسين، عائلته من الأشراف، وينتهي نسب العائلة إلى علي زين العابدين رضي الله عنه. ولد مصطفى محمود في 27 ديسمبر لعام 1921م، بقرية ميت الكرماء، مركز شبين الكوم، محافظة المنوفية في مصر، ونشأ في أسرة متوسّطة الحال، حيث كان يعمل أبوه موظفًا حكوميًا.

بدأ مصطفى مشواره مرحلته الدراسية بتفوّق، وأحبّ العلوم والفنون، وبدأ يكتب الشعر والزجل في سن 8 سنوات، إلى جانب التلوين والنحت والعزف على الفلوت. وانقطع عن الدراسة 3 سنوات بسبب سوء معاملة أحد المدرّسين، وعندما عاد للانتظام في الدراسة أنشأ في منزل والده معملاً محدودًا لصناعة المبيدات الحشرية والمنظفات.

في مرحلته الثانوية، اهتم مصطفى محمود بعلم الكيمياء، وتوسّع في تحصيله من مصادر خارجية، وأجرى تجارب في منزله تركت آثارها على ملابسه. ومع حصوله على درجات عالية في الثانوية، التحق بكلية الطبّ البشري، وكان شغوفًا جدًا بالتشريح، لدرجة أن زملاءه أطلقوا عليه لقب “المشرحجي”.

في عامه الدراسي الثالث في كلية الطب، أصيب بـ التهابات صدرية بسبب استنشاقه الأحماض، وظلّ مريضًا لمدة 3 سنوات، وانقطع عن الدراسة. لكنه خلال هذه السنوات تفرّغ للقراءة والكتابة، وهذه الفترة هي التي شكّلت تكوينه الثقافي لاحقًا.

تخرّج مصطفى محمود من كلية الطب عام 1953م، واختار التخصص في أمراض الصدر، وتابع الكتابة والنشر الصحفي. غير أنه اضطر إلى الاختيار بين أحد المسارين: الطب أو الكتابة، فاختار التفرّغ للكتابة، وكان ذلك عام 1961م.

في العام التالي مباشرة، تزوّج مصطفى محمود، وأثمر زواجه عن اثنين من الأبناء، وانتهى هذا الزواج بالطلاق في عام 1973م. وبعدها بعشرة أعوم في 1983م، تزوّج مجدّدًا، وانتهى هذا الزواج بالطلاق أيضًا في 1987م.

وبعد عددٍ من المحن الفكرية والصحيّة المتفاوتة، توفي الدكتور مصطفى محمود عن عمر 88 عامًا، في 31 أكتوبر عام 2009م، على إثر معاناة مع المرض، ورحلة علاج امتدّت عدّة شهور. وشُيّعت جنازته من مسجده بحيّ المهندسين بمحافظة الجيزة.

مصطفي محمود سيرة فكرية

كانت لنشأة مصطفى محمود بجوار أحد المزارات الصوفية الشهيرة، أثرٌ واضحٌ في أفكاره وتوجهاته الفلسفية والروحية. لكنه رغم ذلك تأثر بالموجة الإلحادية السائدة في النصف الأول من القرن العشرين، وظلّ هذا التأثر باقيًا معه في مكابداته الروحية والفكرية بشكلٍ واضحٍ في كتاباته وأطروحاته.

في الستينات، ومع تنامي التيار المادي وانتشار الوجودية في مصر، استغرق مصطفى محمود في التفاعل مع هذه الأفكار وغيرها، وظلّ لمدة 30 عامًا في المكابدة مع الشك واليقين والنفي والإثبات في رحلة البحث عن الخالق العظيم، وانغمس في محنته كباحثٍ عن الحقيقة، وقرأ في ديانات الزرادشتية والبوذية والهندوسية وغيرها، ومارس بعض أفكارها، حتى استقر به الأمر على مرفأ الإيمان بالله العظيم.

في التسعينات، ركّز الدكتور مصطفى محمود على تناول الصهيونية، وكتب الكثير من المقالات، وأصدر 9 كتب تتناول طرحه الفلسفي حول الخطر الذي يراه في الصهيونية وجذور هذا الخطر وواقعه وتبعاته، متطرّقًا إلى خطط التوسّع والتشويه، وظلّ هكذا حتى توقّف نشر هذه المقالات.

لاحقًا، مرّت به أزمات فكرية، من بينها أزمة قضية “الشفاعة النبوية”، التي بدأت معه نشره كتاب “الشفاعة” الذي قال فيه إن الشفاعة الحقيقية تختلف عن تلك المشتهرة بين علماء الفقه والحديث، وهو ما تسبب في شنّ هجمة عالية عليه، أدّت إلى اعتزاله الكتابة نسبيًا، وانقطع عن التواصل الاجتماعي لبعض الوقت، حتى أصابته جلطة في 2003م، وصار يعيش بمفرده.

وإجمالاً، فقد تميّز الدكتور مصطفى محمود في فنون الفكر والأدب والفلسفة والروحانيات، وركّز كثيرًا على رحلته من الشكّ إلى اليقين، ومن الإلحاد إلى الإيمان. وكثيرًا ما كانت أطروحاته تثير جدلاً متكرّرًا عبر وسائل الإعلام المختلفة.

مصطفى محمود وإنتاجه الأدبي والفني

الإنتاج الأدبي لدى مصطفى محمود

كانت بداية الإنتاج الأدبي للدكتور مصطفى محمود، حين كتب 30 قصة وعرضها على الأديب عباس العقاد في صالونه، فقدّمه إلى أحمد لطفي الزيات، الذي نشر له قصتين بالفعل في مجلة الرسالة في عام 1947م. وبعدها انضمّ إلى أسرة كتّاب “أخبار اليوم”، ومجلة “آخر ساعة”، ومن بعدهما مجلة “روز اليوسف”.

ومع تميز أسلوبه بالجاذبية والعمق والبساطة، أنتج مصطفى محمود قرابة 90 كتابًا تنوّعت بين الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وأدب الرحلات، والكتب الفلسفية والدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية.

الإنتاج الفني لدى مصطفى محمود

كتب مصطفى محمود سيناريو وحوار فيلم “العنب المرّ”، الذي تم إنتاجه عام 1965م، عن إحدى قصصه، وقام ببطولته أحمد مظهر ولبنى عبد العزيز. كما كتب جوار فيلم “نار الحب”، إنتاج عام 1968م، من بطولة حسن يوسف وسعاد حسني.

كما تم اقتباس عدد من الأعمال الفنية، عن كتاباته الأدبية، ومن ذلك:

• فيلم “شلة الأنس”، إنتاج عام 1976م، مأخوذًا عن مجموعته القصصية “شلة الأنس” الصادرة عام 1962م.
• مسلسل “العنكبوت”، إنتاج عام 1973م، مأخوذًا عن رواية له بنفس الاسم، صدرت عام 1965م.
• فيلم “المستحيل”، إنتاج عام 1965م، المأخوذ عن روايته التي بنفس العنوان، الصادرة عام 1960م.

برنامج العلم والإيمان

جاء برنامج العلم والإيمان كخلاصة دسمة مركّبة من خبرات الدكتور مصطفى محمود في الطب والأدب والفلسفة، ورحلته الخاصة في البحث عن الذات وعن الله، وعن حقيقة الوجود. ورغم أن التلفزيون المصري لم يتحمّس لمشروع البرنامج في بدايته، إلا أن البرنامج تلقّى دعمًا من بعض رجال الأعمال، ليصل إلى قمّة البرامج التلفازية وأوسعها انتشارًا.

قدّم الدكتور مصطفى محمود العلم والإيمان، عبر قرابة 400 حلقة، حتى صدر قرار برفعه من خارطة البرامج في التلفزيون المصري.

الجوائز التي حصل عليها مصطفى محمود

حصل الدكتور مصطفى محمود على جائزة الدولة عام 1970م، عن روايته “رجل تحت الصفر”.