ماذا تفعل لو استيقظت بالثانية بعد منتصف الليل لتجد أمامك ” فكرة تتكلم ” ؟ هل ستصدق عينيك؟ أم ستقنع نفسك أنك لازلت نائما؟ وماذا لو أخبرتك تلك ” الفكرة ” أنها حقيقة تتجسد وأنك لم تعد نائم.
مقتل الكومنداتور
بروايته الأخيرة ” مقتل الكومنداتور ” يأخذنا الساحر الياباني هاروكي موراكامي في سرديته الجديدة عبر حكاية في غاية العذوبة والدقة، حين تخبر زوجة رسام في منتصف العمر برغبتها في الانفصال عنه، هكذا فجاة، وهم يتناولون العشاء.
ينزل الرسام على رغبة زوجته مباشرة، دون حتى السؤال عن شبب رغبتها المفاجئة تلك، ويترك المنزل ويرحل عبر شمال اليابان في رحلة بلا توقف أو هدف.
بيت في الغابة
بعد شهرين من الطواف بسيارته البيجو الحمراء القديمة ينهكه السفر والنوم بالغابات والفنادق الرخيصة فيلجأ لبيت أحد أصدقاءه القدامى في الغابات.
بالثانية ليلا كل يوم يسمع صوت جرس خافت يأتيه عبر الغابة كأنه يناديه، يقرر بيوم أن يستطلع مصدر ذلك الصوت فلا يجد سوى مجموعة من الحجارة.
فكرة تظهر
يقرر الرسام رفع الحجارة ليجد غرفة حجرية لا يوجد بها سوى جرس، يضع الجرس بالبيت، وفي الثانية ليلا يسمع صوته، وحين ينهض ليري الجرس، تستقبله فكرة تتجسد.
بالثقافة البوذية يمكن للرهبان أن يدفنوا أنفسهم بحجرات مغلقة تحت الأرض، للوصول إلى حالة نادرة من الكمال، ربما تبعث أجسادهم في صورة فكرة.
الفكرة التي ظهرت للرسام تتجسد بصورة الكومنداتور، والكومنداتور شخصية قائد ياباني قديم مرسومة بإحدى اللوحات في بيت الرسام.
تعرف الفكرة كل شيء تقريبا، وتتجسد فقط للرسام، وتخبره بما يدور في عقله، وما يمكن أن يحدث قريبا، وتختفي برغبتها وتظهر برغبتها.
هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي يقدم عوالم أدبية غير مسبوقة، يختلط فيها الواقع بالخيال بصورة تدعوك إلى قبول كليهما عن طيب خاطر، حتى لو كانت فكرة تتجسد.
مقتل الكومنداتور سردية أدبية إنسانية للرجال ممن بلغوا منتصف العمر دون طائل، بل وربما ضاع من بين أيديهم النصف الأول في غمضة عين، بحين لم يدركوا بعد ماذا يمكن أن يحدث بالنصف الباقي.