تناولنا في المقالين الأول والثاني التعريف بعدد من الكتب التي حوتها المكتبة العربية فيما يخص الفلسفة السياسية، سواء كانت مقدمات بسيطة أو كتب تناولت التطور التاريخي للفلسفة السياسية، وإن كان المقالان السابقان قد ركزا بدرجة ما على الفلسفة السياسية القديمة، ففي هذا المقال سنتعرف على كتب اهتمت بالتطورات التي آلت إليها الفلسفة السياسية في العصر الحديث، والآن نترككم للتعرف على هذه الكتب…
أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة – نور الدين علوش
من خلال ترجمات مقتضبة لأبرز الفلاسفة السياسيين يسعى مؤلف الكتاب إلى رسم خارطة للفلسفة السياسية المعاصرة، وقد سعى الكاتب لاختيار المفكرين الأكثر تأثيرًا في الساحة الفلسفية العالمية، ثم عرض أهم الأفكار المركزية لكل مفكر أو فيلسوف سياسي ثم توضيح موقعه من خارطة فلسفة السياسة المعاصرة، بالإضافة إلى تقديم سيرة ذاتية مختصرة عنه، مع قائمة بأهم أعماله التي تعبر عن فلسفته، فهذا الكتاب لم يُكتب للمتخصصين وإنما يُعد مدخلًا لمساعدة الطلبة والباحثين إلى استكشاف تيارات الفلسفة السياسية المعاصرة .
بدأ المؤلف كتابه بمدخل مفاهيمي وضح فيه معاني كل من: الفلسفة السياسية والنظرية السياسية والفكر السياسي وعلم السياسة، وما العلاقات والفروقات بينهما قبل أن يوضح القضايا الكبرى للفلسفة السياسية، وهي وظائف الدولة الأساسية، والبحث عن إجابة لسؤال من يحكم؟ وما مصدرية القانون وإلزاميته؟ وأخيرًا فلسفة التاريخ .
انتقل المؤلف بعد ذلك لعرض عددًا من أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة، فتعرض لكبار منظري المدرسة النقدية مثل “هونيث” وأستاذه هابرماس صاحب نظرية الفعل التواصلي، ثم انتقل للمدرسة الفلسفية الإيطالية فتحدث عن جورجيو أجامبيو الذي استفاد من المقولات السياسية لكل من ميشيل فوكو وكارل شيمت، وكذلك الإيطالي أنطونيو نجري، كما أبرز عدد من الوجوه النسوية مثل نانسي فرايزر وسيلا بن حبيب .
ركائز في الفلسفة السياسية – يمنى طريف الخولي
هذا الكتاب الصغير عبارة عن مجموعة من الدراسات جمعتها المؤلفة تناولت فيه عددًا من المدارس والتيارات الفلسفية السياسية الحديثة من منظور فلسفي ونقدي، وكذلك تناولت عددًا من المفاهيم الفرعية مثل نظريات العقد الاجتماعي والقانون الطبيعي والهندسة الاجتماعية، وغير ذلك من المفاهيم التي ترسم معالم الفلسفة السياسية الحديثة.
الكتاب مُقسم إلى جزئين؛ وضعت عنوان “اليمين واليسار” للجزء الأول، فتحدثت عن اليمين الرأسمالي واليسار الاشتراكي، ثم انتقلت للحديث عن الليبرالية أصولها وتطوراتها، ثم تناولت الماركسية ونقدها، وختمت الجزء بالحديث عن الهندسة الاجتماعية.
في الجزء الثاني تحدثت عن الفلسفتين الاستعمارية وما بعد الاستعمارية، وضربت مثالًا بالفلسفة النسوية كنموذج للفسفات ما بعد الاستعمارية، وترجع بدايات النسوية إلى سبعينيات القرن العشرين وتقوم بشكل أساسي على رفض المركزية الذكورية، وختمت المؤلفة كتابها بالحديث عن القومية العربية .
الفلسفة السياسية للحداثة وما بعد الحداثة – محمد بوجنال
تنظر الفلسفة السياسية بشكل شمولي في أسس وأشكال ونتائج أنماط التناول السياسي، وإذا كان علم السياسة يبقى مرتبطًا بالواقع فإن الفلسفة السياسية تسعى إلى تغيير الواقع أو على الأقل منعه من التدهور إلى الأسوأ، وبناءًا على ما سبق فإن مؤلف الكتاب يسعى إلى مساءلة الفلسفات السياسية في العصر الراهن عن موقفها وتصورها للقضايا والمشكلات العالمية الراهنة والمتمثلة خصوصًا في الاستعمار والنهب والعدالة والحرية والمساواة .
ركز الكاتب على إظهار كل من الجوانب الإيجابية والسلبية للحداثة وما بعد الحداثة، ومدى جديتهما أو عدم جديتهما في البحث عن نظام عالمي جديد يعمل على إرساء أسس جديدة يتبنى مباديء عادلة في الجوانب السياسية والاقتصادية.
قسم المؤلف كتابه إلى ثمانية فصول، تحدث الأول عن الاقتصاد السياسي وكيف تمكنت الرأسمالية من هيكلة قوى الإنتاج، وفي الفصل الثاني تناول مفهوم العقل في كل من فلسفة الحداثة وفلسفة ما بعد الحداثة، وركز الفصل الثالث على مفهوم “ما بعد الكولونيالية” الذي يعبر عن النوايا الاستعمارية للغرب تجاه المناطق غير الغربية، وعرض الرابع للعلاقات بين الحداثة ما بعد الحداثة وعلاقات الزمان والمكان.
في القصل الخامس تناول المؤلف للتغييرات لتي طالت العمارة وكذلك الصورة منذ المرحلة التقليدية مرورًا بمرحلة الحداثة وانتهاءً بمرحلة ما بعد الحداثة، وفي السادس حلل الصراع الأمريكي الأوربي كنموذج للصراعات الحداثية/ ما بعد الحداثية، وفي السابع تناول أزمة الحداثة العربية في المجالين السياسي والاقتصادي، وأخيرًا تحدث عن الطبقات المتضررة عالميًا من الرأسمالية.
أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة – أنطوني دي كرسبني، كينيث مينوج
يضم هذا الكتاب مجموعة من الدراسات عن أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة وهو مقتبس من كتاب الأستاذين أنطوني دي كرسبني وكينيث مينوج الذي ضم مجموعة من الدراسات حول أبرز المفكرين والفلاسفة السياسيين في الغرب، ولم يعمد مترجم الكتاب الدكتور نصار عبد الله إلى الترجمة الحرفية لهذه الدراسات، وإنما قام نقل المضمون الأساسي للأفكار الواردة في الكتاب الأصلي.
بدأ الكتاب بالحديث عن روبرت ماركيوز ونقده للحضارة البرجوازية، ثم انتقل للحديث عن هايك وكتاباته السياسية، ثم تناول ليو شتراوس وصحوته السياسية –على حد تعبير- المؤلف، والأخير هو أحد أهم مؤرخي الفلسفة السياسية المعاصرين الذي قدم دراسات عديدة تتسم بالعمق والشمول، ثم يجيئ الدور على كارل بوبر صاحب كتاب “المجتمع المفتوح” والذي تغيره بصدوره مسار الفكر الليبرالي، ولعل أهم أفكار بوبر السياسية تدور حول تفنيد الأسس التاريخية التي ترتكز عليها النظم الشمولية، ودفاعه عن الديمقراطية بأسانيد أخلاقية.
تناول الكاتب بعد ذلك جان بول سارتر والذي أنشأ فلسفته السياسية الخاصة به والتي هي مزيج من الماركسية والوجودية وقد وضحها في كتابه “نقد العقل الديالكتيكي”، وأخيرًا خُتم الكتاب بالحديث عن أحد أهم وأشهر الفلاسفة السياسيين في النصف الثاني من القرن العشرين وإلى الآن وهو جون رولز الذي عرض نظريته في كتاب “نظرية في العدالة”، وهو الكتاب الذي وصف أنه تحفة فريدة ولا نظير لها في ميدان الفلسفة السياسية.
الفلسفة السياسية المعاصرة من السرديات إلى الشموليات الكبرى – تحرير علي عبود المحمداوي
يركز هذا الكتاب على إيضاح التحولات التي مرت بها الفلسفة السياسية من العلمنة والعقلانية والاستقلال المتربطة بالحداثة، إلى هيمنة التكنولوجيا في عصر ما بعد الحداثة، وقد ناقش الكتاب الذي شارك فيه عدد كبير من المؤلفين أهم قضايا السياسة مثل النظام الأصلح للحكم، ومسألة الحرية ومسألة العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من التباين والاختلاف بين الدراسات التي تكون منها الكتاب، إلا أنها شكلت معًا نسقًا متكاملًا.
بدأ الكتاب بدراسة عن جون ديوي والبراجماتية التي يتبناه في التفكير السياسي لحل المشكلات، من أجل إرضاء الجماهير بدلًا من البحث عن مثاليات متخيلة، ثم دراسة عن ماكس فيبر من المنظور النقدي الذي طرحه عبد الوهاب المسيري، والأخير يرى أن الرؤية المادية تسكن وراء كل تفكير غربي، ثم دراسة اهتمت بمارتن هيدجر وكيف يمكن تأصيل فكر سياسي من خلال رؤاه الأنطولوجية، ثم دراسة عن نقد الفكر السياسي عند هربرت ماركيز، وأخرى عن الفكر السياسي عند كارل بوبر، وثالثة عن النظرية السياسية عند حنة أرندت.
تناولت الدراسات التالية دراسة الفلسفة والفكر السياسيين عند عدد من أهم مفكري القرن المنصرم، مثل ليوتار وميشيل فوكو وهابرماس وجاك دريدا، ويُختم الكتاب بدراسة عن التحولات التي أنتجها خطاب ما بعد الحداثة.